[صفة الإمام]
وإنما صفة الإمام، الحسن في مذهبه، الزاهد في الدنيا، العالم في نفسه، بالمؤمنين رؤوف رحيم، يأخذ على يد الظالم، وينصر المظلوم، ويفرج عن الضعيف، ويكون لليتيم كالأب الرحيم، وللأرملة كالزوج العطوف، يعادي القريب في ذات الله، ويوالي البعيد في ذات الله، لا يبخل بشيء مما عنده مما تحتاج إليه الأمة، من أتاه من مسترشد أرشده، ومن أتاه متعلما علَّمه، يدعو الناس مجتهدا إلى طاعة الله، ويُبَصِّرهم عيوب ما فيه غيهم، ويُرَغِّبهم فيما عندالله، لايحتجب عن من طلبه، فهو من نفسه في تعب من شدة الإجتهاد، و الناس منه في أدب، فمثله كمثل الماء الذي هو حياة كل شيء حياته تمضي، وعلمه يبقى، يصدق فعلُه قولَه، يغرف منه الخاص والعام، لا ينكر فضله من خالفه، ولا يجحد علمه من خالطه، كتاب الله شاهد له ومصدق له، وفعله مصدق لدعواه، وشواهده في كتاب الله، والدليل عليه كتاب الله، يقول الله تبارك وتعالى لنبيئه صلى الله عليه وآله: ?قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني? [يوسف:108] من الدعاة من أهل بيتي .
أليس وصف لنا رب العالمين، بأن حجته داع إليه، كما بدأ برسول الله صلى الله عليه وآله، فقال :?قل هذه سبيل أدعو إلى الله على بصيرة?. فقال رب العالمين : إن الحجج هم الدعاة، فمن رأيتم من أهل بيت نبيئكم دعا إلى الله علانية غير مكتتم إلا ما قلنا، فإن أنكرتم لم تنكره الأمة، الذين قالوا بخلاف قولنا وقولكم، فلنا عليكم البيان من غير أهل مقالتنا ومقالتكم، بأن قوما من أهل بيت النبي مخصوصين، بأنهم دعوا إلى الله، وجاهدوا في سبيل الله، وقاتلوا وقتلوا، ومضوا إلى الله على سبيل جدهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعلي، والحسن، والحسين، الذين جاهدوا في الله حق جهاده حتى أتاهم اليقين .(1/426)
وقال الله تبارك وتعالى في الأئمة من أهل بيته :?كونوا قوامين بالقسط شهداء لله? [النساء:135] وقال :?جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا? [البقرة:143] فبما يكونون شهداء عليهم، بما دعوا الأمة فخالفوهم وعصوهم ؟! أو بما لم يدعوهم وجلسوا في بيوتهم ؟! أَفَتَرى بما يشهدون عليهم يوم القيامة، بكتمانهم الحق وجلوسهم في منازلهم، وإظهارهم التقية، أو في إظهارهم الحق ودعائهم إلى الله، وبيان الحق ؟ فأيهم أحق، وأولى أن يكون شاهدا في كل زمان، مَن أظهر وبَيَّنَ ودعا، أو من كتم ؟! وأوفى شواهدنا في كتاب الله من دلائل الإمام، قال الله تبارك وتعالى :?كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله? [آل عمران:110] فهل شك أحد من خلق الله في زيد بن علي ؟ ومن قام مقامه من أهل بيت نبيئه، ومن مضى من أهل بيته من الأئمة، أنهم أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وجاهدوا في الله حق جهاده، علانية غير سر، فيا ويحكم أليس هذه دلائل من كتاب الله ؟! ينبغي للعاقل أن يكتفي بها إن شاء الله .
تم الرد على الروافض، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وسلم.(1/427)
مديح القرآن الكبير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي منَّ علينا بوحي كتابه وتنزيله، وبما وَلِيَ تبارك وتعالى من أحكامه وتفصيله، بالإعراب والتبيين، وبما جعل فيه من دلائل اليقين، على وحدانيته ودينه، وبما نوَّر في ذلك من تبيينه، وقوَّم سبحانه من صراطه وسبيله، بما شرع فيه من تحريمه وتحليله، وأقام به على كل صالحةٍ مرشدةٍ من دليله، وفصَّل سبحانه من كلامه فيه وقيله، ومن أصدق من الله قيلاً، وأحكم لكل شيء تفصيلاً، فنزله بنور هداه تنزيلاً، فلم يغب في ذلك كله عنه من الهدى غائب، ولم يَخِب من طلاب الهدىبه ولا فيه قط خائب، فيعدم من الهدى مراد مطلوب، ولا يحتجب عن الطالب له من هداه محجوب، أنزله الله بتفصيله إنزالاً، فقال تبارك وتعالى، فيما نزَّل منه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: ?أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِيْ حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفصَّلاً? [الأنعام: 114]. فجعله منه بفضله ورحمته وحياً منزلاً، وقال سبحانه فيه: ?وَلَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ? [الأعراف: 52]. وقال سبحانه في تنزيله، وما منَّ به فيه من تفصيله: ?حَم، تَنْزِيْلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحيمْ، كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عربيا لِقَوْمٍ يَعْلَمُوْنَ، بَشِيراً وَنَذِيْرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ? [فصلت: 1ـ 4]. فجعله سبحانه لعباده بشيراً ونذيراً، ووضعه للمؤمنين برحمته سراجاً منيراً.(2/1)
[أهل الذكر]
فمن أراد سرَّ الأسرار، وعلانيةَ مكتومِ الأخبار، التي أظهرها الله لصفوته من الأبرار، وخصَّ بعلمها من انتجبه لها من الأخيار، فحباهم بفهمها واستخراجها، ودلَّ منهم بها من استدلَّ على منهاجها، فكشف لهم منها عن أنوار النور، وبَيَّنَ لهم منها ما التبس على غيرهم من الأمور، فظهر لمن هَداه الله بهم منها مكتومُها، وأسفر بعون الله لمن طلب علمها معلومُها، فسكنت إليها الأنفس، ونطق بها البكم الخرس، فقالوا: بها ناطقين، ونطقوا بها صادقين، وَحَيوا بروحها بمنِّ الله من كل هلكةٍ وموت، وتحركوا بحياتها من بعد خمود وخفوت، ومشوا بنورها مبصرين في الناس، وخرجوا بضيائها من الظلمات والالتباس، كما قال سبحانه: ?أَفَمَنْ كَانَ مَيِّتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوْراً يَمْشِيْ بِهِ فِيْ النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِيْ الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلكَافِرِيْنَ مَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ? [الأنعام: 112]. وفيما بَيَّن الله سبحانه من آياته، لمن آمن به، ما يقول تبارك وتعالى: ? قَدْ بَيَّنَا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُوْنَ? [الحديد: 17].
وفي أن وحي الله حياة مِن أمر الله وروح، ونور وهدى ورشد ساطع يلوح، ما يقول سبحانه في وحيه، وفيما نزَّل منه على نبيه: ?وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوْحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِيْ مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيْمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوْراً نَهْدِيْ بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ، صِرَاطِ اللهِ الَّذِيْ لَهُ مَا فِيْ السَّمَاوَاتِ وَمَا فِيْ الأَرْضِ أَلآ إِلَى اللهِ تَصِيْرُ الأُمُوْرُ? [الشورى: 51 ـ 53]. فجعله روحاً مُحيِياً لمن قَبِلَه، ونوراً مضيئاً لمن تأمَله، فنحمد الله على ما جعل فيه لأهله من الحياة، ووهب لهم به من الفوز والنجاة.(2/2)
وقد ظن من ليس بِبَرٍّ ولا تقيّ، من كلِّ ضلِّيلٍ تائهٍ شقي، بجهله وضلاله واحتياره، وقلّة علمه بكتاب الله وأسراره، وعندما اقتصر عليه من نظره، ونقصِ فكره وتحيُّرِه، ولتركه علم ما خفي عليه من آياته، عند من جعله الله معدناً لعلم خفياته، ممن انتجب واصطفى، وجعل له المنزلة - عنده - الزلفى، أن في كتاب الله تناقضاً واختلافاً، وأنه إنما اعتسف القول فيه اعتسافاً، فقاده جهله بالكتاب، إلى جهل رب الأرباب، لأن من جهل صنع الله للكتاب في آية واحدة من آياته، كمن جهل صنع الله في أرضه وسماواته، لا فرق بين ذلك في حكمة ولا حكمٍ، وواحدٌذلك كله في الخطيئة والجُرم، فمن جهل أن كل ما سمع من آية الكتاب فوحي الله وتنزيله، وأن كل آية منه فلا يحتملها ولا يحكمها إلا حكمة الله وتفصيله، فهو بكتاب الله من الجاهلين، وعن حكمة الله فيه من الضالين، بل هو بالله في جهله ذلك إن جهله من الكافرين، ولأكثر نعم الله عليه فمن غير الشاكرين، والحمد لله فيه لا شريك له رب العالمين، ونعوذ بالله في كتابه من عماية العمين، ونسأله أن يجعلنا لهداه فيه من المتبعين، وبما نزل فيه من حكمته ورحمته من المنتفعين.
وفيما أمر به من اتباعه، في الإنصات له واستماعه، ما يقول الله سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله: ?اتَّبِعْ مَا يُوْحَى إِلَيْكَ مِنْ ربِّكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِيْنَ? [الأنعام: 106].
وفي ذلك أيضاً ما يقول لرسوله، صلى الله عليه وعلى أهله، : ?ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيْعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِيْنَ لاَ يَعْلَمُوْنَ? [الجاثية:18].
وفي الإنصات والاستماع ما يقول سبحانه: ?وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوْا لَهُ وَأَنْصِتُوْا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْنَ? [الأعراف: 204].(2/3)