خلاف ما يعلم ؟ أو ليس من رأى فعله من المستضعفين اقتدى به، لما يعاينون من ظاهر فعله، فهم مصيبون إذ غاب عن المستضعفين الناصر ؛ إذا اقتدى بالإمام.
فإن قلتم: نعم. فقد وجب لمن خالفكم الإيمان. وإن قلتم: إن الذي رأيتم من الإمام هو التقية، والذي أخبركم خلاف الحق، والحق ما تقولون، وإنما كتَمْتُم الحق تقية منكم، أ فليس تدعونا إلى أن نصدقكم على ما قلتم ونكذبه فيما قال لنا ؟ فأنتم إذن أولى بالصدق منه، وأنتم أئمة إذ تأمروننا أن نقتدي بما تقولون، ونترك ما قال .
فإن زعمتم أنه على الحق، وقد رأى الناس خلاف ما تقولون، ورووا منه خلاف ما تنسبون، وسمعوا منه خلاف ما تدعون، فاقتدُوا به إذ زعمتم بأنه إمام افترضت طاعته ! أو ليس يجب على الناس أن يطيعوه فيما يأمرهم، ويمتنعوا عما ينهاهم، ثم تكلفون الناس أن يتبعوا قولكم، ويتركوا قوله، فأنتم إذاً الذين افترض الله طاعتكم، وأنتم الصادقون ليس هو !
ثم زعمتم أنه إمام مفترض الطاعة، أفليس على مذهب قولكم هو إمام هدى وإمام ضلالة، إذ هداكم وأضل غيركم آخرين، حين أفتاكم بالحق، وأفتى غيركم بالباطل، وعلمكم حكم الله، وعلم غيركم خلاف حكم الله ؟‍‍‍‍
وكيف وقد قال تبارك وتعالى :?ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون? [المائدة: 44]. أفتَرَى جميع الحكمين سواء، حكم ما أخبرك، وحكم ما أخبر غيرك ؟ هما جميعا من حكم الله، وهما حكمان متضآدان، إلا أن تقولوا: إنه حجة على بعض دون بعض، لناس مخصوصين، وليس حجة على الآخرين.(1/411)


[الحجة الغائبة]
فإن زعمتم أنه حجة على الكل، فالواجب عليه أن يهديهم أجمعين، ويدلهم ويبصرهم، ويعرفهم بنفسه.
وكيف يكون حجة يحجب نفسه من الناس، ولا يبين لهم ؟! أرأيتم إذا وقفوا بين يدي الله بم يحتج عليهم ؟ أبما دعاهم فعصوه ؟ أم بما بيَّن لهم فخالفوه ؟ أو بما حجبهم نفسه فجهلوه ؟ فكيف تثبت له عليهم حجة، ولم تبلغهم حججه، ولم يعرفوا اسمه، ولم يُعرِّف بنفسه.
فإن زعمتم بأن له أن يكتم، لأن الله قال في محكم كتابه :?رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه? [فاطر: 28]. وهو قال لهم:?رجل? ولم يكن الرجل بحجة، لأن الحجج فيما مضى أنبياء وأوصياء الأنبياء، وهذا رجل مؤمن أثنى الله عليه، ولم يكن بنبي ولا حجة.
فإن زعموا أن صاحبنا يكتم كما كتم المؤمن.
يقال لهم: أو ليس زعمتم أن صاحبكم حجة، وهل للمؤمنين أن يبينواما بَيَّن الحجج، يسع المؤمن أن يكتم، ولا يسع الحجة أن يكتم ؟! مع أن مؤمن آل فرعون كتم الإيمان قبل أن يبين الله لخلقه، فلما بَيَّن الله لخلقه لم يسعه الكتمان بعد البيان، مع أنه كان في عبدة الأوثان، وفي دار من يدعي الربوبية من دون الله، ويجحد رب العالمين، وصاحبكم في دار الإقرار والمعرفة، وتصديق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن جهلوا الأحكام والشرائع، فليس لأحد أن يكتم العلم من طالبه بعد بيان الأنبياء، وليس الحجة حجة إلا من احتج على خلق الله، ولم يُلبِّس دين الله.
فإن زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتم حين ظهر.(1/412)


يقال لهم : ومتى كتم رسول الله صلى الله عليه ؟ أوليس قال الله لنبيئه :?يا أيها المدثر قم فأنذر? [المدثر: 1 – 2]. وقال رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وهو مستند إلى الكعبة، والناس يومئذ مشركون جهال، عبدة أوثان، فقال: ?يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا? [الأعراف: 158]. لم يتق أحدا من خلقه، فاحتمل الأذى، وصدع بأمر الله، وقام بحق الله، واحتج على خلق الله، وصبر على ما أصابه، حتى أبلغ صلى الله عليه وآله وسلم السامع والعاصي، والخاص والعام، والأبيض والأسود، فمرة يرمون ساقيه، وأخرى يرمونه، ويتشاورون في قتله، فثبتت حجته على الخلق.
فإن زعمتم أن الأئمة يقومون مقام الأنبياء، فالواجب عليهم أن يحتملوا الأذى كما احتمله الأنبياء.(1/413)


[صفة الإمام]
ولا يكون حجة إلا داعيا إلى الله مجتهدا، زاهدا فيما في أيديكم، عالما بحلال الله وحرامه، أقوم خلق الله، وأبصره بدينه، وأرأفه بالرعية، وأقومه لدين الله، أمين الله في أرضه، صادق اللسان، سخي النفس، راغبا فيما عند الله، زاهدا في الدنيا، مشتاقا إلى لقاء الله.
فإن زعموا: أن هذا في صاحبهم.
يقال لهم: أوليس إظهار التقية استبقاء على نفسه من الموت، ورغبة في دار الدنيا، على أن يُترك فيها، ولا يُفطن له فيقتل ؟ فليس هذا الزهد، ولا الرغبة، إذ أظهر من نفسه خلاف ما يعلم من الحق. فسبحان الله ما أبين تكذيب دعواكم! وأبطل قولكم! وعبث ما أنتم فيه ! إذ نرى فيكم ضعفاء فقراء محاويج، من شيخ ضعيف، أو أرملة ضعيفة، أو يتيم طفل، أو مديون مغموم، أو غريب محتاج إلى النكاح، أو فقير محتاج لا حيلة له، ولا مبيت عنده، وزعمتم أنه يعرف مكانكم، ويرى أفاعيلكم، ويعلم حالكم، أو ليس عليه أن يغيِّر حالكم، ويفرِّج على مغمومكم، ويقضي عن مديونكم ؟! إذ زعمتم أنه قام مقام النبيئين.(1/414)


وقد قال الله تبارك وتعالى :?وكان بالمؤمنين رحيما? [الأحزاب: 43]. فكان صلى الله عليه وآله وسلم يعطي ضعفاء أمته حتى يستأثرهم على نفسه وعياله، وقد قال الله تبارك وتعالى في أهل بيته صلى الله عليه وعليهم وسلم :?ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا? [الإنسان: 8] . فلم يبخلوا بطعامهم على الأسير، وهو كافر، واستأثروا على أنفسهم. فكيف كان ينبغي لصاحبكم أن يستأثر بالمال على المستضعفين الفقراء من أصحابه ؟ وقد قال الله سبحانه في أهل بيت نبيئه صلى الله عليه وعليهم :?ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون? [الحشر:9، التغابن: 16]. وقد قال في المؤمنين :?محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم? [الفتح: 29]، فقد وصف المؤمنين بالرحمة بعضهم لبعض، فكيف يسع حجة الله، إذ كان حجة على ما وصفتم أن يستغل الألوف، ويأخذ خمس أموالكم، ويُوَكِّل في كل بلاد لقبض الأموال، ولا يُفرِّج على أحد من خلق الله، ولا يقسمها في الفقراء والمساكين ؟! فلم يُر منه صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ قال الله سبحانه :?وكان بالمؤمنين رحيما? [الأحزاب: 43]. ?بالمؤمنين رؤوف رحيم? [التوبة: 128]. ولم يُر منه صفة المؤمنين من أصحاب النبي عليه السلام إذ قال الله فيهم :?رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا? [الفتح: 29]. ?وينصرون الله ورسوله? [الحشر: 2].
فلا يرى فيه أن يفرج على أحد من فقراء المؤمنين إن ظلم أو قتل، ولم يُر فيه النَّصْبُ حربا لأعداء الله، ولا يسير فيما يسخط الأعداء، ولم ير قط إلا طلب أخذ الأموال من غير أن يقسمها في المستضعفين! فكيف يسعنا أن نقول فيه : هو حجة، وليس يرى فيه صفة الحجج ؟!(1/415)

83 / 201
ع
En
A+
A-