يقال لهم: أخبرونا عن القرآن كله ليس لأحد ينظر في كتاب الله، ولا يحتج به إلا الأئمة، ولا يتدبر إلا هم ؟
فإن قالوا : نعم.
فقل لهم: فَلِمَ يتعلم الناس كتاب الله وهم لا يتدبرونه ؟ وكيف وقد أكذب الله قولكم بقوله تبارك وتعالى :?أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها? [محمد: 24]. أَفَتَرَى هذا قول الله للأئمة ؟!
فإن قالوا: نعم.
فقل: أفلا ترون أن الله قد عاب أئمتكم إذ تركوا تدبر كتاب الله، وعابهم فقال :?أم على قلوب أقفالها? !
فإن قالوا: ليس هذا في الأئمة، وإنما هذا في العوام: أن ينظروا في كتاب الله ويتدبرون فيه.
يقال لهم : أفلا ترون أن الله ألزم العباد النظر في كتابه، وقد قال تبارك وتعالى :?نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم? [البقرة: 101]. أو ليس عابهم لما تركوا النظر في كتابه، ومعرفة ما أمرهم به، ونهاهم عنه، ومعرفة الأولياء من الأعداء، فَلَمَّا تركوه عابهم بذلك ! وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما رويتم وروينا : ( أيها الناس خلفت فيكم الثقلين فتمسكوا بهما لا تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) . وقد قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ( أيها الناس قد كُذِبَ على الأنبياء الذين كانوا من قبلي، وسيكذب علي من بعدي، فما أتاكم فاعرضوه على كتاب الله، فإن وافق كتاب الله فهو مني، وإن لم يوافق كتاب الله فليس مني ) فكيف يدعونا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويأمرنا بشيء ليس لنا فيه النظر ؟ لقوله: ( اعرضوه على كتاب الله ) .
وقوله صلى الله عليه وعلى آله: ( تمسكوا بالثقلين ) فإن كان الإمساك بالقرآن هو القراءة، فقد قرأه جميع أهل الأهواء، فهم ممن حفظ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتمسكوا بكتاب الله.
فإن زعموا أنه لا يكون التمسك إلا النظر فيه، والقيام بما فيه، والعمل به، فقد أطلقوا للخلق ينظرون فيه، ويعرفون الحق من الباطل، وقد وجدنا كتاب الله مكذبا لجميع دعواكم.(1/401)
ثم قالت الروافض: إن الإمامة وراثة يرث ابن عن أب، وتأولوا كتاب الله، وزعموا أن أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله.
فإن كان الأمر على ما وصفت الروافض، أفليس الابن أولى بالأب من الأخ، وأحق بالوراثة ؟ وأقرب رحما ؟ لأن الابن من الأب، والأخ ليس من الأخ أفليس على مذهب قولكم: أن الحسن بن الحسن أولى بأبيه من الحسين ؟! أو ليس لا يرث الحسين مع الحسن بن الحسن ؟! لقول الله تبارك وتعالى :?إن امرؤ هلك ليس له ولد? [النساء: 176]. أو ليس إذا كان الولد قطع ميراث الأخ والعم ؟! أو ليس الحسن بن الحسن قطع ميراث الحسين بن علي من الحسن ؟! إذا كانت الإمامة على ما وصفتم من الوراثة.
فإن زعموا أن حسينا أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقعد من حسن بن حسن.
يقال لهم: أو ليس قد خرج الأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى علي بن أبي طالب بعد موته ؟ وخرج من علي إلى الحسن، وكان يجب على الحسين طاعة حسن، والأمر للحسن دون الحسين، ويخرج من الحسن إلى الحسن، أو ليس ابن الحسن أولى بالحسن من حسين ؟
فإن زعموا أن الحسن والحسين هما مشتركان في هذا الأمر، وورثا عليا جميعا، فقد تركوا قولهم، ودعواهم بالوصية، إذا كانا مشتركين في هذا الأمر، فمن قام به فهو صاحبه.
فإن زعموا أنه ليس للحسين أن يقوم في وقت حسن، فقد قطعوا الأمر من الحسين في زمان الحسن، لأن طاعة حسن واجبة على حسين، وقد حاز الأمر الحسن دون الحسين، وورثه ابنه الحسن بن الحسن.(1/402)
فإن قالوا : لا يرث حسنُ بن حسن رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ وحسين قائم ؛ لأن الحسين أقعد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن كان أقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( وأقعد فهو أولى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقوله :?وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله? [الأنفال:75]. وإنما هذه الآية يعني بها أرحام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). وحسين أقرب رحما برسول الله عليه السلام من حسن بن حسن .
يقال لهم : قد بطلت دعواكم في صاحبكم، لأنه ليس في جميع آل أبي طالب أبعد رحما من صاحبكم، لا يلحق برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا بثمانية آباء، وصاحبكم التاسع، وفي ولد فاطمة من هو أقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه، من ليس بينه وبين النبي إلا أربعة آباء، أوليس هذا أقرب رحما، وأقرب قرابة برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ( من الذي زعمتم، فليس لصاحبكم مع هذا أمر ولا نهي ؛ لأن هذا أقرب قرابة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ). وأقعد، فهذا أبطل لدعواكم .
فإن زعمت الروافض أن الحسن بن الحسن كان صبيا، وحسين بالغ، ولا يكون إمام المسلمين إلا بالغا، فصدقتم. يقال لهم أخبرونا عن صاحبكم علي بن موسى حين مات، أليس كان ابنه ابن أربع سنين أو ثلاث ؟ وابنه محمد حين مات كان ابنه صغيرا ؟ فَلِم نصبتم الأطفال إذا لم يجز لطفل أن يكون إمام المسلمين ؟! هذا يبطل دعواكم، ويدخلكم فيما عِبتُم !!(1/403)
وزعمتم أنه لا يصلح حسن بن حسن أن يكون إماما لأنه طفل صغير، ثم نصبتم الأطفال، وزعمتم أنهم أئمة، وهما أصغر سنا من حسن بن حسن وكيفَ – ويْحَكُم – يكون طفل إمام المسلمين ؟! وليس في سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، ولا حكم الإسلام أن يصلى خلف طفل، ولا تؤكل ذبيحته، ولا تقبل شهادته، ولا يجوز بيعه ولا شرآؤه ولا نكاحه، ولا يُؤمن على ماله، فمن لم يُؤمن على هذه الأشياء، ولا تأمنه على ألف درهم أو أقل أو أكثر، فكيف يأمنه الله على أحكام دينه، ودماء عباده، وفروجهم ؟! ويقيمه مقام الأنبياء ؟! لقوله تبارك وتعالى :?حجة بالغة?. فلا تكون الحجة لله في أرضه إلا عند بلوغه .
وقوله تبارك وتعالى في الأطفال اليتامى :?حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم? [النساء:6]. فيا عجبا ممن لم يأمنه الله على ماله إلا عند بلوغه فكيف يأمنه على خلافته ؟!
وقد رويتم وروينا أن جعفر بن أبي طالب جلس بين يدي النجاشي فقرأ آية من الإنجيل ففهمها جعفر فضحك، فغضب النجاشي ! فقال: يا جعفر أبكتاب الله تهزأ ؟! والله إن الله أنزل على موسى في التوراة، وعلى داود في الزبور، وعلى عيسى في الإنجيل، وعلى نبيئك في القرآن (أن إذا ولي الخلائقَ الأطفالُ نزلت عليهم من السماء لعنة، أو أفرغت عليهم من السماء لعنة) فكيف - وَيْحَكُم - يكون الطفل إمام المسلمين .
وإن زعمت الروافض بأن يحيى بن زكريا كان صبيا وكان نبيئا !
يقال لهم: أحكمُ الأنبياء وحكمُ الأئمة واحد ؟
فإن قالوا : نعم .(1/404)
يقال لهم : فَبِمَ بان الأنبياء من غيرهم ؟ إلا أن الأنبياء أعطوا ما لم يُعط غيرهم من الأئمة، وأعطي الأئمة ما بانوا به من سواهم من الخلائق. مع أن يحيى بن زكريا لم يُرسل إلى أحد من خلق الله، وكان نبيا ولم يكن مرسلا، ولم يل أحكام الأمة، وكانت الأحكام إلى غيره ـ إلى زكريا ـ مع أن يحيى دعاءُ زكريا إذ قال :?فهب لي من لدنك وليا? [مريم: 5]. وقال :?وزكريا إذ نادى ربه قال رب لاتذرني فردا وأنت خير الوارثين? [الأنبياء: 89]. وقال :?رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء? [آل عمران: 38]. فوهب الله يحيى إجابة لزكرياء، وكان في وقت يحيى الحجةُ زكرياءَ.
فإن زعمت الروافض أن عيسى بن مريم تكلم في المهد صبيا .
يقال لهم: أفتزعمون أن عيسى بن مريم، وصاحبكم شيء واحد ؟! ألا ترى أن الله يُعجِّب به خلقه، وأخبرهم بقدرته إذ قال :?ويكلم الناس في المهد وكهلا. ? [آل عمران:46]. وقال تبارك وتعالى :?وجعلنا ابن مريم وأمه آية? [المؤمنون: 50]. لأنه لم يكن في ولد آدم خلقٌ مثله، خُلق من غير أب، ولم يقل: إن صاحبكم آية منه مع أنه يستبين من صاحبكم للناس خلاف ما استبان من عيسى ويحيى وهما نبيان، فتحتجون علينا بحجة الأنبياء، وتساوون أصحابكم بالأنبياء، ونرى أفاعيلهم خلاف أفاعيل الأنبياء، إذ أخذوا التَّقيَّة من المخلوقين دينا، وهذا يحيى بن زكرياء لم يخف غير الله، ولم يُدارِ في دينه، استبقاء على بدنه، حتى قتل صلى الله عليه، ومع أن يحيى لم يلبس الَّليِّن، ولم يأكل الطيب، وكان باكيا آثار الدموع بخديه، حتى مضى إلى الله، صلى الله عليه وسلم.(1/405)