ثم أنزل الله ? من جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين ? [العنبكوت: 6]، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قد قضى الله على المؤمنين عند الفتنة بعدي الجهاد. فقال علي: يا رسول الله على ما يُجاهد الذين يقولون آمنا ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تُجاهدونهم على الإحداث في الدين. فقال علي: يا رسول الله إنك تقول تجاهدونهم كأني سأبقى بعدك إلى مجيء الفتنة، فأعوذ بالله والرسول أن أؤخر بعدك، فادع إلى ربك أن يتوفاني قبل ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه: ما كنتَ حقيقا أن تأمرني أن أدعو الله لك أن يقدم أجلك قبل ما أجَّل الله وقضى! والله يقول سبحانه: ? وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ? [آل عمران:145].
فقال علي رضي الله عنه: يا رسول الله فما هذه الأحداث التي نجاهدهم عليها ؟ قال: ما خالف القرآن وخالف سنتي، إذا عملوا في الدين بغير الدين، وإنما الدين أمر الرب ونهيه.
قال علي: يا رسول الله فإنك قلت يوم أحد إذ استشهد من المؤمنين من استشهد فأُخِّرت عني الشهادة فرأيت وجدي وأسفي: إن الشهادة من ورائك. فقال رسول الله صلى الله عليه: فإن ذلك إن شاء الله كذلك. وكيف ترى صبرك إذا خضبت هذه من هذا وأهوى بيده إلى لحيته ورأسه ؟!
فقال علي رضي الله عنه: ليس ذلك يا رسول الله حينئذ من مواطن الصبر، ولكنه من مواطن البشرى والشكر.(2/554)


فقال رسول الله صلى الله عليه: فأعدد قبل خصومتك فإنك مخاصِم. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله أرشدني إلى الفلج عند الخصومة ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه: آثرِ الهدى، واعطفه على الهوى من بعدي، إذا عطف قومك الهوى على الهدى وآثروه، واعطف القرآن على الرأي، إذا عطف قومك الرأي على القرآن، وحرفوا الكلم عن مواضعه بالأهواء العارضة، والآمال الطامحة، والأفئدة الناكثة، والغش المطوي، والإفك المؤذي، والغفلة عن ذكر الموت والمعاد، فلا يكونن خصومك أولى بالقرآن منك، فإن مِن الفلج في الدنيا أن يخالف خصمك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وأن يخالف القرآن بعمله، يقول الحق ويعمل بالباطل، وعند ذلك يُملأ لهم ليزدادوا إثما، ويضلوا ضلالا كبيرا، وعند ذلك لا يدين الناس بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يكون فيهم شهداء لله بالحق، وعند ذلك يتفاخرون بأموالهم وأنسابهم، ويزكون أنفسهم، ويتمنون رحمة ربهم، ويستحلون الحرام والمعاصي بالشبهات والأسماء الكاذبة، ويستحلون الربا بالبيع، والخمر بالنبيذ، والنجس بالزكاة، والسحت بالهدية، ويظهرون الباطل، ويتعاونون على أمرهم، ويزينون الجهلاء، ويفتنون العلماء من أولي الألباب، ويتخذونهم سخريا.
فقال علي: يا رسول الله بمنزلة ردة هم إذا فعلوا ذلك، أبمنزلة فتنة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل بمنزلة فتنة، لو كانوا بمنزلة ردة أتاهم رسول من بعدي يدعوهم إلى الرجعة من بعد الردة، ولكنها فتنة يستنقذهم الله منها إذا تأخرت آجال السعداء، بأولياء من أولياء الله فيهديهم بهم، ويُهتدى بهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.
فقال علي عليه السلام: من آل محمد الهداة أو من غيرهم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل بنا يختم الله كما فتح بنا، وبنا ينقذون من الفتنة، كما بنا أُنقذوا من الشرك، بعد عداوة الشرك فصاروا إخوانا في دينهم.(2/555)


262- [ وسئل:] عن من وطي امرأته في شهر رمضان ما عليه ؟
فقال: قد قيل نصف قُوتِه سنة، إلا أنه يلزمه حق الله في غلته.
263- [ وسئل:] أيحل له أخذ الزكاة والعشر، إذا كان فيها دخل عليه من غلة أرضه، أو يجب عليه بيع أرضه من الأصل كلها، حتى لا يبقى له قليل ولا كثير ؟
فقال: يحل له أخذ العشر والزكاة إذا احتاج إليها، وإن كان له مال، أو لم يكن له مال، وليس له أن يبيع جميع ماله، ويهلك نفسه.
264- وسئل: هل في الحيوان مثل البغال والحمير وغيرها من جميع الدواب شفعة ؟
قال: نعم، في كل ذلك شفعة، لأن الشريك أحق بذلك إذا أراد من غيره، لما له فيها من الشركة، فالواجب على من باع أن يعرض على شريكه إذا عزم يبيعها.
265- وسئل: هل يجب للمرأة شرب الدواء لأن لا تلد، ويسقي الرجل أَمَتَه لئلا تلد، ويشرب الرجل ليقطع شهوته ؟
فقال: لا يجوز لهم ذلك.
266- وسئل: عن من يقول بالتوحيد والعدل وامرأته لا تقول به ؟
فقال: ينبغي له أن يدعو امرأته جاهدا إلى التوحيد لله والإقرار بعدله، وليست المعانِدة في ذلك كالجاهلة، لأن المعانَدة، إباء وإلواء، والجاهلة غلط وخطأ، وقد يتوب المخطئ من خطئه، ويقبل من المهتدين من الهدى ما هو عليه من رأيه، والمعاند الذي لا يقبل ما يُلقى إليه من الحق في توحيد الله، ليس كالجاهل الذي يتوب من جهله، وينيب إلى الحق بعد ضلاله.
267- وسئل: عن رجل تزوج بامرأة وهما على غير ما ينبغي من الاستقامة، من الجهل بمعرفة الله، وغير ذلك مما لا يرضي الله، ثم تابا ورجعا أيجب عليهما تجديد النكاح أم لا ؟
قال: هما على نكاحهما الأول ثابتان، لأن النكاح إنما يثبت بالأولياء ويصح، والدليل على ذلك الواضح: أن رسول الله صلى الله عليه أقر جميع من أسلم من أصحابه، وكل من دخل من العرب وغيرهم في دينه، على نكاحهم الأول، ولم يأمر بأن يغير ولا يحدث ولا يبدل، وفي هذا ما كفى، في ما سألت عنه وشفا.(2/556)


268- وسئل: عن من ركب كبائر العصيان أيزول عنه اسم الايمان ؟
فقال: من ركب كبائر العصيان، زال عنه اسم الايمان.
269- وسئل: عن رجل أوصى إليه رجل أن يحج عنه من مال الموصي، فلم يفعل الرجل حتى جاء السلطان الجائر فأخذ المال منه ؟
فقال: قد أثم هذا الرجل، وظلم نفسه في ترك إنفاذ وصية الموصي، حتى أخذها واغتصبها الظالم العاصي، فَأَسلَمُ له فيما بينه وبين ربه أن يبدلها من ماله، إذا كان أبطلها بتوانيه وتغافله.
270- وسئل: عن التهلكة ؟
فقال: إن ذلك هو الاستسلام للعدو الظالم، الذي لا يخاف الله في ارتكاب المظالم.
271- وسئل: عن رجل سعى برجل إلى سلطان جائر: أن لفلان عليه كذا وكذا درهما، حتى أخذه السلطان ثأرا لما قال عليه الساعي، وكانت سعايته بزور وكذب، وأخذه لما قال عليه السعاة ظلما وعدوانا، فغصبه ماله ؟
فقال: السلطان الجائر هالك بمثل هذا الظلم للمسلمين، وقبوله لقول شهود الزور، وتلزم السعاة العقوبة الشديدة، وأن لا يقبل لهم شهادة إلا أن يتوبوا، وليس عليهم غير هذا.
272- وسئل: عن رجل حج حجة الإسلام، وهو بمعرفة الله وتوحيده جاهل، إلا أنه اعتقد أن يحج عن نفسه، ما أوجب الله من فرضه ؟
فقال: هذا هو مجزي عنه إن شاء الله، وإن جددها بأخرى بعد المعرفة فهو أحوط له.
273- وسئل: عن امرأة مؤمنة خطبها رجل مؤمن وليس لها ولي ؟
فقال: يزوجها أقرب من يليها من عشيرتها، وإن لم يكن لها قرابة فيتولى عقد نكاحها رجل من المؤمنين، ويحضر الشهود لا بد في النكاح والطلاق من الشهود، لخوف المظلمة والجحود.
274- وسئل: عن الشيخ الكبير يطلب رجلا يحج عنه، إذا كان لا يستطيع السبيل إلى الركوب لضعفه ؟
فقال: لا بأس بذلك، أن يطلب رجلا يحج عنه، إذا كان لا يستطيع السبيل لضعفه عن السفر.
275- وسئل: عن امرأة أسلمت مالها إلى بعض ولدها على أن يرزقها أيام حياتها، ثم إنها هلكت في السنة الأخرى أو الثانية ؟(2/557)


فقال: المال لورثتها جميعا، مع الابن الذي أفضت إليه.
276- وسئل: عن رجلين خرجا في طلب سلب الناس، فسلب أحدهما رجلا فأعطى الشريك من السلب ؟
فقال: الذي سلب ضامن غارم، وهو الدافع إلى صاحبه السلب، ولا يحل للمدفوع إليه أكل شيء مما أخذ ولا ينتفع به، وإن كان الشريكان تعاونا على الظلامة، لزمهما جميعا الغرامة.
277- وسئل: عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا تحل الصدقة لغني ولا قوي ولا لذي مِرَّة سوي ) ؟
فقال: اعلم أن قوله ذي مرة سوي، والمرة هاهنا القوة، والسوي هو الصحيح الذي ليس به مرض ولا علة، فتمنعه من اكتساب المعيشة والبلغة.
278- وسئل: عن رجل قتل ابنه ؟
فقال: لا يقتل والد بولده، ولا سيد بعبده، إلا أن يكون قتله ظلما، وفسادا في الأرض واعتداء، فيفعل في ذلك إمام المسلمين ما يرى، وأي ابن قتل أباه، فعلى الإمام في ذلك النظر بما يراه.
279- وسئل: هل للأب أخذ مال ابنه وهو غني عنه لا يحتاج إليه ؟
فقال: الأمر فيه ما جاء عن النبي صلى الله عليه من قوله: ( أنت ومالك لأبيك )، وإنما الولد رحمك الله هو هبة وهبها الله للأب، قال الله سبحانه: ? يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ? [الشورى:49]، وقال سبحانه في آدم صلى الله عليه: ? فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين ? [الأعراف:189]، فتفسير ? آتيتنا صالحا ? يعنيان: لئن وهبت لنا وأعطيتنا صالحا، ? لنكونن من الشاكرين ?، فَدَعَواه كما ترى عطية وموهبة لهما من رب العالمين، وكذلك قالت امرأة عمران: ? ربي إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني ? [آل عمران:35]، ولا محررا إلا ما هو لها موهبة وعطية من الله وماله كما قال رسول الله صلى الله عليه: لأبيه إلا أن يخرجه الأب بتزويج أو غيره من يده، فيقع المواريث والحقوق، فيأتي أمر مفروق.(2/558)

197 / 201
ع
En
A+
A-