249- وسألته: عن نحل لرجل ثارت فذهبت، فأخذها رجل فجمعها، فجاء صاحبها الأول يطلبها ؟
فقال: النحل ذباب ليس كسائر ما ملَّك الله العبادَ من أموالهم، وأرجو ألا يكون على مَن أخذها بأس، وإن نوزع رجل فردها على صاحبها فهو أفضل إن شاء الله.
250- وسألته: عن أكل الحوت الذي يسمى الطير، وما أشبهها من الحيتان ؟
فقال: هو حلال طيب لا بأس به، وهو من صيد البحر الذي أحله [ الله] للعباد.
251- وسألته: عن مَن هدم مدينة من مدائن المسلمين بأمرِ كافر، وفيها ركز بيوت شرائهم أو عمل في هدمها ؟
فقال: إذا اتقى وخاف ولم يكن إلا المحضر ولم يهدم ولم يفسد، لم يكن عليه في ذلك شيء، فإن هدم وأفسد شيئا لأحد يعرفه فيستحله منه أو يصالحه، وإن لم يعرفه ولم يدر لمن هو تاب إلى الله في ما بينه وبينه، وسلم إن شاء الله من الإثم بتوبته.
252- وسألته: عن رجل فاتته صلاة حتى دخل وقت غيرها بأيهما يبدأ ؟
فقال: يبدأ إن شاء الله بالتي دخل فيها، ثم يصلي مثل الصلاة التي قبلها.
253- وسألته: عن الرجل يكون عنده الوديعة فيقلبها ويضمنها ويربح فيها، لمن يكون ربحها ؟
فقال: أحب شيء إلي إن فعله، ألا يكون شيء من الربح له، لأن الوديعة ليست له بمال، وكذلك ما نال بها فليس له بمال، وليس لصاحب الوديعة أن يقلبها إلا برضى صاحبها وإذنه، لأن تقليبه لها مخاطرة وظلم واعتداء، ويدفع الربح إلى الإمام فيفعل الإمام فيه ما يرى.
254- وسألته: [ عن قريش وفارس ؟
فقال:] إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( لله خيرتان من علمه من الناس، فخيرته من العرب قريش، وخيرته من العجم فارس ).
قال: وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( والذي نفسي بيده لو كان الدين منوطا بالثريا لنالته رجال من فارس، وأسعدهم به فارس ).
255- وسألته: [ عن نكاح نساء العجم ؟
فقال: ] ذُكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبني هاشم: ( اطلبوا الولد في نساء العجم فإن في أرحامهن بركة ).(2/549)
256- وسألته: عن من حج وهو فاسق في دين الله ؟
فقال: حجته غير مجزية له، ولا يقبلها عنه، لقول الله سبحانه: ? إنما يتقبل الله من المتقين ? [المائدة:27]، وليس بمتقي من كان الفاسقين.
257- وسألته: عن البيعة ؟
فقال: لا تجوز البيعة إلا لإمام قد بان بعلمه وفضله وثباته، وقال لا يجوز الغزو مع من ظلم وتعدى، لأن الغازي معه عون من أعوانه، على ما هو عليه من إفساده وعمايته.
258- وسألته: هل يجوز أن يختلف إمامان في عصر واحد ؟
فقال: لا يكون هذا أبدا.
وهل يجوز أن يتساويا في عصر في حكم واحد في كل الخصال، لا يفضل أحدهما صاحبه، فيستوجبان الإمامة ؟
فقال: هذا لا يكون أبدا، وفي بطلان هذا ما قال الله لا شريك له: ? وفوق كل ذي علم عليم ? [يوسف:76].
259- وسألته: متى يلزمني فرضه ؟
فقال: إذا عرفته فقد لزمك فرضه.
فقلت: الإمام يُعرِّف الناس بنفسه ؟
قال: يعرِّف الناس بنفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والواجب على الناس أن يطلبوه في معدنه.
قلت: فأين معدنه ؟
قال: آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، يكون أزهدهم وأعلمهم وأوروعهم، ويبين نفسه بالدعوة إلى الحق.
260- وسألته: عن الأرض هل تخلو من قائم لله بحجة ؟
فقال: لا تخلو من قائم لله بحجة، وذلك بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ كانت النبوة ختمت به.(2/550)
وقال أبو عبد الله محمد بن القاسم: كان أبي رضي الله عنه يقول في هذه المسألة: إن الأرض لا تخلو من حجة لله، والحجة عنده كتب الله وحقائق برهانه، وهذه حجة الله على جميع خلقه، وإنه لا بد أيضا في كل قرن من أن يكون فيهم عالم هو أفضلهم وأعلمهم، وإن لم يبلغ علم مَن مضى قبله، فهو في أيامه ودهره في فهمه وعلمه، وإن قصر [ عن ] مبلغ أفاضل العلماء من آل النبي الذين مضوا، في ما تقدم في أول الإسلام وخلا، لأنه لا يقول أحد يعقل وينصف: أن كان بعد علي عليه السلام من علماء آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، [من] كان من العلم والفقه على مثل ما كان عليٌّ صلى الله عليه قد أحاط به وآتاه، كما لم يكن علي عليه السلام في فضل علمه، يبلغ ما آتى الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فضائل الحكمة والعلم والفضل في جميع أحواله.(2/551)
وأما ما كان يروى: ( أن من مات لا إمام له مات ميتة جاهلية )، فتفسيره واضح مشروح، أن الله قد فرض على خلقه في كل حين، إقامة أحكامه وشرائعه التي نزل في كتابه وسنن نبيه، ولا يقيم ما فرض الله من الأحكام إلا أن يحكم بها الإمام، فإن لم يكن إمام يقيمها ويحكم بها، كان على الناس طلبه حتى يقيموه للأحكام وينفذها، فإذا كانت دار الإسلام قد علت عليها أئمة الجور، لزم أهل الإسلام مجاهدتهم وإزالتهم حتى يقيموا إماما عدلاً، يؤمهم ويقيم أحكامهم عليهم، وينفذ مقاسم الفيء التي أمر الله بقسمها فيهم، فإن كان الغالب عليهم الجورة من الأئمة الظلمة، كان الفرض من الله فيهم المحاربة والمجاهدة، فإنما الناس أبدا بين أمرين، إما إن يكون مع إمام حق يقوم بأحكام الله في الدين، فيكونوا مؤتمين بإمام حق ورشد في الدين، وإن كانوا في دولة الظالمين العاصين، فيلزمهم أن يكونوا لهم مجاهدين محاربين، فهم أيضا في هذه الحال مأمومين، والناس في كل حين بين فريضتين من الله لازمتين، فيما حكم الله به من أحكام الدين، فرضِ طاعةِ إمام حق إن كان ظاهرا قائما، أو فرضِ مجاهدةِ إمام جور إذا كان عاليا ظالما.
261- وسألته: من أين جاء فساد إمامين في عصر واحد ؟
فقال: أما الإمامان فلا يخلوان من أن يكون أحدهما أفضل من الآخر، فيكون المفضول بفضل الآخر عليه قد زالت إمامته، ويلزمه تقديم الفاضل في الدين والعلم وطاعته، وذلك أن الله يقول في كتابه: ? وفوق كل ذي علم عليم ? [يوسف:76]، وفي هذه المسألة جواب يكتفي به من كان ذا لب شافي، لأنه واضح مبين مفهوم كافي.
عن أبي إدريس، عن أبي الجحاف قال: قال علي رضي الله عنه: ( من مات ليس له إمام مات ميتة جاهلية إذا كان حرا تقيا ).(2/552)
عن أبي جعفر أنه كان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رجع من غزوة حنين وأنزلت عليه ? إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ?[الفتح:1-2]: ( يا علي ويا فاطمة قد جاء نصر والله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبحان ربي وبحمده إنه كان توابا، وإني لم أُؤمر أن أسبح ربي وأستغفره إلا لما حضرني من لقاء ربي ).
ثم أنزلت على إثرها ? ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون، ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ? [العنبكوت:2-3]، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي ويا فاطمة إن الله قد فصل الفتنة على الذين يقولون: إنا لنعلم الذين صدقوا في قولهم، ونعلم الكاذبين في إيمانهم، فهذا وعد واقع واجب.
ثم أنزلت ? أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون ? [ العنكبوت: 4]، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي ويا فاطمة قد علم الرب أن أقواما من بعدي عند الفتنة سيعملون السيئات ويحسبون أنهم سابقون.
فقال علي رحمة الله عليه: فكيف يحسبون أنهم يسبقون يا رسول الله ومن ورائهم الموت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا علي إنهم لم يسبقوا قضاء الله الذي قضى فيهم الموت.
ثم أنزل ? من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت وهو السميع العليم ? [ العنكبوت: 5]، بحق أن من رجا لقاء الله أن يستعد لأجَلِ الله، وأن يكون تائبا تابعا لطاعته، مجتنبا لخلاف الله ومعصيته، وأن يعلم أن الله يعلم ما يعمل، ويسمع ما يقول، ولذلك قال الله سبحانه: ? وهو السميع العليم ?.(2/553)