فقال: إن الولاية واجبة من الله عز وجل بتنزيله في كتابه لكل فاضل على كل مفضول، ولكل عالم من الخلق على كل مجهول، وأولى الناس بها أقربهم إلى الله قربة، وأرفعهم عند الله منزلة ودرجة، وأولئك هم السابقون كما قال الله سبحانه: ? والسابقون السابقون أولئك المقربون ? [ الواقعة:10-11]، فأولاهم بها أقربهم إلى ربهم، وإمامهم فهو أعلمهم، وأعلمهم فهو أسبقهم إلى الإيمان والإحسان، وأعرفهم وأحكمهم بما نزل الله في الفرقان.
وفي ذلك وكذلك ما يقول الله سبحانه: ? وفوق كل ذي علم عليم ? [يوسف:76]، ويقول سبحانه: ? أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون ? [يونس:35]، في كل هذا يخبر أن الولاة والأئمة في كل قرن وزمان هم الذين يعلمون، وفي كل هذا وما لم يذكر من أمثاله مما نزل في الكتاب، دلالة بينة ظاهرة نيِّره لأولي الألباب.
وأما الصلاة فلا يجوز فيها أن يؤتم إلا بكل زكي، برٍّ بريء من الملاعب كلها والملاهي. ومن لم يعرض عن اللغو، وهو كل لعب ولهو، فليس من عباد الله، وعباد الله الذين ذكرهم بالإعراض عن اللغو فهم العباد لله، كما قال سبحانه: ? وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما... إلى قوله: والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ? [الفرقان:63-72]، وقوله سبحانه: ? وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ? [القصص:55].
ومن الزور، ولهو الأمور، الغناء والدف، واللعب والعزف، وما يُعرض عن ذلك مَن سَمِعَه وحضَرَه، ولا من لم ينكر منكره. وقد ذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول: ( صوتان ملعونان فاجران في الدنيا والآخرة، صوت عند نعمة، لعب ولهو ومزامير شيطان، وصوت عند مصيبة، خمش وجه وشق جيب ورنة شيطان ).(2/539)


فمن اشتبه عليه مُدَّكر الإمامة، وما حكم الله به من ذلك على الأمة، ولم يدر أَفَرَضَ الله ذلك عليه أو لم يفرضه، ولم يعلم من ذلك ما يلزمه، فهو ضآل غير مهتدي، وأمره في ذلك مسخوط عند الله غير مرضي، لأن الله كلفه العلم كما كلفه العمل، فجهل من ذلك ما عُلم فعليه أن يتعلم ما جهل، فإن لم يفعل كان مقصرا، ولم يكن مهتديا ولا برا.
112- [ وسألته: عن لمس ] ثوب كافر أو جسد كافر وهو مبتلٌّ ؟
فقال: ? إنما المشركون نجس - كما قال الله سبحانه - فلا يقربوا المسجد الحرام ? [التوبة:28]، وهو في النجاسة كالدم المسفوح الكثير، وكالميتة ولحم الخنزير، وإن أصاب شيء من ذلك كله من المشرك أو غيره جسد مسلم أو ثوبه، أو مصلى مسلم أو مسجده، فبان في شيء من ذلك قذر أو نتن، ظاهر مبيَّن، غسل ذلك وطهَّرَ[ه]، كما يغسل البول والعذرة، وإن لم يَبِن من ذلك أثر، ولم يظهر به قذر، ولا نتن، كان كما لم يكن، وكما يبقى من ماء الغُدران، وما يكون في الأودية من ماء الأمطار، الذي يكون فيه الدم المسفوح الكثير، والميتة والجيف ولحم الخنزير، فلا يتبين في الماء أثر، ولا يظهر فيه نتن ولا قذر، فلا بأس بشربه، ولا في الوضوء به، لأن اسم الماء لازم له، وقد قال الله سبحانه: ? ماء طهورا ? [الفرقان:28]، وما لزم الماء اسمه، كانت له طهارته وحكمه، وقد ذُكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( كان يتوضىء من بئر بالمدينة يقال لها بضاعة، وكان يلقى فيها الميتة والجِيَف وخِرَق الحيضة )، لأنه لا يبين في البير، شيء من النتن والأقاذير، وكذلك ما مس المشرك أو لباسه، من ماء مسلم أو ثيابه، فليس على المسلم غسله ولا تطهيره، إلا أن يبين نتنه وقذره ويغيره، ولا ينبغي لمسلم أن يمس المشرك جسدا أو لباسا، لأن الله جعل المشركين أنجاسا، وليس ينبغي أن يمس المسلم ولا يلمسه، وقد ذكر عن بعض السلف الماضين منهم الحسن بن أبي الحسن البصري، أنه كان يتوضأ من مصافحة اليهود(2/540)


والمجوس والنصارى، ولسنا نحن نوجب ما أوجب الحسن.
213- وسألته: عن رجل كان في حداثته وغرته، لا يتأهب لوضوء ولا يتنزه من بوله والخمر والمسكر، أيجب عليه أن يعيد ما صلى في تلك الحال ؟
قال: من كان كما قلت - رحمك الله - تاب إلى الله من ماضي إساءته وتقصيره، وحافظ فيما يستقبل على ما أمره الله بالمحافظة عليه من أمر الصلاة وغيره، وكان بذلك إن شاء الله مجتزيا، وفيما بينه وبين الله في التوبة مكتفيا.
214- وسألته: عن رجل ترك الصلاة في حداثته عشر سنين، وكان شارب مسكر ثم تاب، أيعيد الصلاة أم كيف يصنع ؟
فأجاب فقال: من ترك صلاته عشر سنين مُقِلاً كان في الترك أم مكثرا، تاب إلى الله فيما يستقبل من ترك صلاته، كما يتوب إلى الله من غير ذلك من سيئاته، وإن كانت توبته إلى الله من ذلك في نهار، صلى مثل ما ترك من صلاة النهار كله، وإن كانت توبته إلى الله من ذلك ليلا صلى مثل ما ترك من صلاة ليله، وليس عليه ما مضى من السنين، إذا تاب إلى الله رب العالمين، ولو لزمه قضاء الصلوات، لزمه قضاء غير ذلك من الفرائض الواجبات.
215- وسألته: عن رجل له أبوان وأولاد فساق، فماتوا أو مات منهم ميت أيستغفر لهم ؟
قال: من كان والده أو ولده فسقة أو فجرة، لم يحل له أن يستغفر لهم، لأن الاستغفار طلب وشفاعة، وقد قال الله سبحانه في الملائكة الذين اصطفاهم: ? ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ?، وقال سبحانه في إبراهيم صلوات الله عليه: ? وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم ? [التوبة:114].(2/541)


وقال سبحانه: ? ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ? [التوبة:113]، فكذلك الاستغفار لا يحل لمن وعده الله بالعذاب الأليم، لأن في ذلك طلبا لإخلاف الوعد والوعيد، ولا يجوز طلب ذلك من الله الولي الحميد المجيد، الذي لا يخلف وعده، ولا يظلم أبدا عبده، ولا تستوي منزلة الأبرار والفجار عنده، كما قال سبحانه: ? أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار ? [ص:28]، وقال سبحانه: ? أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون ? [القلم:35-36]، يريد سبحانه: ما لكم لا تفقهون ولا تعلمون.
216- وسألته: عن رجل مات وعليه صلوات كثيرة فاتته، أيقضيها عنه ولده من بعده ؟
قال: الصلاة - يرحمك الله - لا يقضيها ولد عن والد، ولا أحد من الناس كلهم عن أحد، لأن الصلاة لا تكون أبدا إلا من مصليها، ومَن قصد إلى الله بها وخشع فيها، وليست كالحج لأن الحج له بُلغةٌ ومعونة، وفي الحج نفقة للحاج وكلفة ومئونة.
217- وسألته: عن رجل له قرابات فسقة لا يصلون ولا يصلحون، أيقطعهم أم يصلهم، فإن قطعهم أيكون قاطعا لرحمه أم لا ؟
قال: ليس لأحد من المؤمنين أن يوآد أحدا من الفاسقين، كان أبا أو ابنا أو أخا أو قرابة، لقول الله سبحانه: ? لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوآدون من حآد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم ? [المجادلة:22]، ولقوله سبحانه: ? فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ? [النجم:29]، والإعراض: فهو الهجرة والمجابنة، وسواء في ذلك القرابة وغير القرابة.
218- وسألته: عن الأعجمي الذي لا يقيم القراءة، وعن المرأة التي لا تحسن القرآن، أتجزي عنهم صلاة ؟(2/542)


قال: على الأعجمي - رحمك الله - وعلى النساء الأعجميات أن يقرأوا في صلاتهم ما تيسر من القرآن بالعربية، لأن الله سبحانه يقول: ? فاقرأوا ما تيسر من القرآن ? [المزمل:20].
219- وسألته: عن رجل له جيران فساق يعلنون الشرب، ويأتون المنكر، فإن أنكر عليهم ساءوه وآذوه، أيجوز له الكف عنهم ؟
قال: ينكر المنكر على من أتاه، وإن ذلك خالفه وأسخطه وساه، إلا أن يتقي منه تقية، أو يخشى منه مضرة أو بلية، لقول الله سبحانه: ? لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ? [آل عمران:28].
220- وسألته: عن رجل صلى خلف إمام مخالف، أيقتدي بصلاته أم كيف يصنع ؟
قال: من صلى مع إمام لا يُقتدى به لم يصل بصلاته، وصلى صلاته لنفسه، وكذلك كان يفعل الصالحون من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأن المصلي إنما يصلي صلاته على عقدة ونية وعلى مهله، فإن صلى الصلاة بغير ذلك لم يكن له صلاة، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( لا يؤمن فاجر برا، ولا أعرابي مهاجرا )، وقال صلى الله عليه: ( إن سركم أن تزكو صلاتكم فقدموا خياركم )، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ( صلاتكم صلاة إمامكم، إن صلى قاعدا فصلوا قعودا، وإن صلى قائما فصلوا قياما )، وإذا لم يقبل صلاة الإمام لم يقبل صلاة من خلفه، وإنما يقبل صلاة من اتقاه وخافه، والتقوى هي الإيمان، والبر والإحسان، ولا يثبت الإيمان بحكمه ولا باسمه، إلا لمن عرف به، والمعرفة بذلك فلا تكون إلا بأحد الوجوه الثلاثة، إما بعيان لذلك ومشاهدة، وإما بأخبار متَواترة مترافدة، وإما بخبر من ذي ديانة، وثقة وطهارة وأمانة، فمن لم يكن معرفة إيمانه بأحد هذه الوجوه الثلاثة الموصوفة، لم يكن حقيقة إيمانه أبدا عند أحد بمعلومة ولا معروفة.
221- سئل: لأي معنى كره حف الشوارب ؟(2/543)

194 / 201
ع
En
A+
A-