197- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? ومن دونهما جنتان ? [الرحمن:62] ؟
هاتان أخروان بعد الجنتين المذكورتين، وهذه الجنان كلها فهي في الجنة، غير أنها مواضعُ تنعيم مرتبةٌ، والجنة تجمع هذه الجنان كلها.
198- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? والذين يرمون المحصنات ? [النور:4] ؟
فقال: يرمون يقذفون المحصنات بأن ينسبوا إليهن، الفاحشة التي لا تكون منهن، فأخبر الله سبحانه أن من قال فيهن، رميا لهن وكذبا عليهن، ثم لم يأت بشهود أربعة، وجب عليه الحد ثمانين جلدة، وسقطت منه العدالة، ولم تجز له شهادة، إلا أن يُحدث له توبة.
199- وسألته: عن قول الله لا شريك له: ? وأحسن نديا ? [مريم:73] ؟
فقال: الندي: المجلس، وكذلك الندي والنادي، ولذلك قال الله في لوط صلى الله عليه حين قال لقومه: ? وتأتون في ناديكم المنكر ? [العنكبوت:29]، يعني بالنادي: المجلس.
200- وسألته: [عن ] ? أو تسمع لهم ركزا ? [مريم:98] ؟
فقال: الركز هو: الحس.
201- وسألته: عن قول الله: ? ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون ? [الأنبياء:35] ؟
فقال: في هذا ونحوه الاختبار، بالخير والشر، والخير ما يكون من الله ليس من أفعال العباد، الخير من ذلك: الخصب، وكثرة الأمطار، وصحة الزمان، ورخص الأسعار، وقلة الأمراض، وطول الأعمار، وكثرة الأولاد، وسعة الرزق، وزيادة الثمار. والشر أفعال أُخر: كالخوف والجوع، ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فطوبى للصابرين كما قال الله سبحانه: ? وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المفلحون ? [البقرة:155-156].
202- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ? [الأحزاب:33] ؟(2/534)


فقال: الرجس الفعل الردي النجس من المعاصي والأدناس، والأسفاه التي تكون في بعض الناس، فأمر الله سبحانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمر أهل بيته بتقواه وطاعته، وترك الرجس من جميع معصيته، بما أذهب عنهم من كل رجس أو دنس، وبعَّدهم به من كل معصية ونجس، وطهرهم كما قال الله سبحانه: ? تطهيرا ?، وجعل لهم بما نزل فيهم من هذه الآية ذكرا عليا وشرفا كبيرا.
203- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن ? [البقرة:228] ؟
فهو ما جعل الله في الأرحام من طمثهن وحملهن، لأن ينقطع به ما بين الأزواج وبينهن إذا كان من أزواجهن، فينقطع بينهم الميراث والرجعة، وربما كرهت المرأة من زوجها المراجعة، التي للزوج عليها ملك ما لم تستكمل العدة ويكون رأي زوجها لو علم له منها بحمل أن يرتجعها، ويكون ذلك له عليها ما لم تضع حملها، فتكتم لكراهتها لزوجها، ما خلق الله من الولد في رحمها، حتى تضع وتلد، فلا يكون له عليها ملك ولا رد، فتكون بذلك لزوجها مضآرة وبه مضرة، وبأمر الله فيما أمرها به من ذلك غير مؤتمرة، وكذلك إن كتمت ما خلق الله في رحمها من طمثها وحيضها، الذي تنقضي به عدتها، وتزول نفقتها وموارثتها، كانت في ذلك كله لله عاصية، وعن أمره ونهيه عاتية.
204- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? وآتوا النساء صدقاتهن نحلة ? [النساء:4] ؟
فقال: صدقاتهن مهورهن، ومهورهن فأجورهن، ونحلة: فإنما هي هبة مسلمة لهن، فأمرهم الله أن يؤدوا ذلك إليهن، وجعله حقا عليهم لهن، لا يسعهم حبس شيء منه عنهن، إلا بطيب نفس منهن، أو هبة يهبنها للأزواج عن طيب من أنفسهن، فقال سبحانه: ? فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ? [النساء:4].
205- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون ? [النساء:33] ؟(2/535)


فقال: إن الموالي هم الولاة والقرابة المتوارثون، ولأنه قد يرث غير القريب، وإنما أراد الله بالموالي في هذه الآية كل نسب، ألا ترون أن الزوج والزوجة قد يرثان وإن لم يكن بينهما نسب، لأن لكل من كان [ كذلك ] حقا وحرمة ونسبا.
206- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه ? [الأنعا:145] ؟
فإنما هو خلاف على اليهود فيما كانوا يحرمون ما لم يحرم الله من أشياء كانوا يحرمونها، وخلاف على أهل الجاهلية أيضا في تحريم أشياء كانوا يفترون على الله فيها الكذب فلا يستحلونها، وهي أشياء تكثر عن أن تعد فيما كتبنا لكم من هذا الكتاب، وليس مما يحتاج إليه فيما سألتم عنه من الجواب، وليس يحرم في مأكل ولا مطعم، إلا ما حرم الله في كتابه المحكم، ومن ذلك ما ذكر في هذه الآية وغيرها، من أشياء كثيرة لا يحتاج في جوابكم هذا إلى تفسيرها.
منها: أكل أموال اليتامى ظلما.
ومنها: أكل ما جعله الله من الربا محرما.(2/536)


ومنها: أكل أموال الناس بالباطل، كثيرا مما نهى الله عن أكله لكل آكل، فقال سبحانه: ? ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون ? [البقرة:188]، وقال سبحانه: ? يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون ? [آل عمران:130]، وقال سبحانه: ? ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما، ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا ? [النساء: 29-30]، فحرم الله هذا كله إذا كان لمسلم ملكا ومالا، مواتا كان أو حيوانا، ولم يحرم سبحانه على طاعم أن يطعمه من حيوان الأنعام، إلا ما ذكر الله في الآية مما خصه بالذكر من الحرام، فأحل سبحانه ذلك كله مستحلا، ولم يحرم شيئا منه تحريما، فأحل ما حرم منه وفيه، لمن اضطر من المؤمنين إليه، وفي إجلاله لذلك وإفضاله، وما منَّ به فيه من جلاله، ما يقول سبحانه: ? فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ? [البقرة:173]، وليست المغفرة هاهنا من ذنب، ولا عن حرام مرتكب، ولكنها مغفرة تخفيف، ورحمة فيما وضع من التكليف.
207- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض ? [هود:107-108] ؟(2/537)


فهي سماوات الآخرة وأرضها الباقية، وليست سماوات هذه الدنيا ولا أرضها التي هي زائلة فانية. وأما ? إلا ما شاء ربك ? [هود:107-108]، فإنما هو [ إخبار ] عن قدرة الله على إفنائها إن شاء، وذلك فهو كذلك إذ كان هو الذي خلق وأنشأ، لأنه لا يقدر أحد أبدا على أن يُبقي شيئا تخليدَه وإبقاه، إلا من يقدر أن يفنيه فلم يشاء سبحانه إفناه، ولكنه شاء تخليده وإبقاه، وأخبر بقدرته إن شاء على الإفناء، كما قدر على الإبقاء، وأن أهل الجنة فيها بإبقائه لهم باقون، فإنهم خالدون فيها أبدا لا يفنون، وكما لا تفنى أرضهم فيها ولا سماؤهم، فلذلك لا يفنى - ما بقيت الجنة - بقاؤهم، والحمد لله الذي لا يخلف وعده، ولا يَخلد من الأشياء إلا ما خلَّده.
208- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ? [يس:12] ؟
فقال: فإنه يقول سبحانه في علم عليم، ولا يتوهم أن ذلك إمام من الكتب، وأن اللوح لوح من خشب، فإنما يراد بها ومثلها، إحاطة الله بعلمها كلها، لأن أحفظ ما يحفظ الآدميون، ما يوقعون في الكتب ويكتبون، فمثَّل الله ذلك لهم من علمه وحفظه بما يعرفون، وأخبرهم أن الذي عنده سبحانه من ذلك وفيه كله على خلاف ما يصفون، لفرق ما بينه وبين خلقه في كل صفة، وليعرفوه في ذلك كله من الفرق بما يجب من المعرفة.
209- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? سلام عليكم ? [الأنعام:54، الأعراف:46، الرعد:24، النحل:32، القصص:55، الزمر:73] ؟
فليست عليهم بتحية ولا تسليم، ولكنها جهرة لهم وقطعة بينه وبينهم وتكليم.
210- [ وسألت: عن ? والنجم والشجر يسجدان ? [الرحمن:6] ]؟
وأما ما سألت عنه من ? والنجم والشجر يسجدان ? [الرحمن:6]، فتأويله يخضعان لله ويذلان، بكل ما فيهما من أصل وفرع، أو مفترق من أفنانهما أو مجتمع.
211- وسألت في إثبات الإمامة عن الإمام هل تجوز الصلاة خلفه إذا كان موافقا في غيرها من أمر الدين ؟(2/538)

193 / 201
ع
En
A+
A-