173- وسألت: عن أي سورة نزلت أولّ ما نزل من القرآن، وما نزل بمكة، وما نزل بالمدينة، وما آخر ما نزل من القرآن ؟
فقال: يقولون: أول ما نزل ? اقرأ باسم ربك ? [العلق:1]، وآخر ما نزل ? إذا جاء نصر الله ? [النصر:1]، وقد قيل: ? واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ? [البقرة:281] آخر آية.
174- وسألت: عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: ( أنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) ؟
فقال: يقول أنت تكفيني ما كان كفى موسى في قومه عند مخرجه عنه، وكذلك أنت فيما خلفتك عليه بعد مخرجي من أمتي، ودار هجرتي، وإنما قال هذا في مخرجه إلى تبوك.
175- وسألت: عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من كنت مولاه فعلي مولاه ومن كنت وليه فعلي وليه ) ؟
فقال: تأويله من كنت ناصره فعلي ناصره، وذلك أن المولى في لسان العرب هو النصير.
176- وسألت: عن قول الله عز وجل: ? لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ? [الفتح:18] ؟
فقال: ? لقد رضي الله عن المؤمنين ? فكل مؤمن زكي، بايعه مصطفى عند الله رضي، بايعه تحت الشجرة، فقد رضي الله عنه كما قال لا شريك له.
177- وسألت: عن قوله سبحانه: ? اليوم أكملت لكم دينكم ? [المائدة:3] ؟
فقال: إكمال الله لدينهم: فإسلامهم، ما فصل الله لهم في كتابه من حلالهم وحرامهم، وذلك بعد إكمال الله لا شريك له في تحريمه وتحليله، وقد قيل: إن هذه الآية نزلت في حجة الوداع، والحج آخر ما نزلت فريضته.
178- وسألت: ما الذي ادعت فاطمة رضي الله عنها في فدك، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهبه لها في حياته، وشهد لها علي وأم أيمن وما ادعا أبو بكر ؟
فقال: ادعت فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهب فدكا لها في حياته، وشهد لها به مؤمنان علي وأم أيمن.
179- وسألته: عن معنى خصومة علي والعباس إلى أبي بكر ثم إلى عمر فيما قد روي عنهما ؟(2/529)


فقال: ليس هذا بشيء ولا يصح ولا يلتفت إليه، قد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع إلى علي بغلته وفرسه ورمحه ودرعه وعمامته.
180- وسألته: هل كان أبو بكر وعمر في بعث أسامة بن زيد وكيف هذا ؟
فقال: قد كانا جميعا في جيشه وبعثه.
181- وسألته: كيف كان يأتي الوحي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟
فقال: كان إذا نظر إلى جبريل في أول نظرة يصيبه ما يصيبه، فأما الوحي من القرآن فإنما يقرأه عليه، فيأخذه من فيه لأن الله يقول: ? سنقرئك فلا تنسى ? [الأعلى:6]، وقال: ? إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ? [المزمل:5]، أي: كريما شريفا.
182- وسألته: ما ترى في شهادة أهل الخلاف وذبائحهم من المرجئة والمشبهة، والفساق وشربة الخمور، وفي أسواق العامة ؟
فقال: أما ذبائح أهل الملة كلهم فُتؤكل، إلا من كان لا ينفي عن الله التشبيه، فإني لا أحب أن تؤكل ذبيحته، وشهاداتهم إذا كانوا أهل ورع وأمانة، وإن كانوا أهل الخلاف فيجوز، إلا أنه قد ذكر أن الخطابية هم صنف من الروافض يتقارضون الشهادة فيما بينهم، فإن كانوا كما يذكر عنهم، فلا تجوز شهادتهم ولا نعمة عين.
183- وسألته: أين موضع الجنة والنار يوم القيامة ؟
فقال: خلقت الجنة والنار، وهما في غير سماء ولا أرض، ولو لم يخلقا لم يكن يقال: آخرة أنها قد خلت مع الدنيا.
184- وسألته: هل يصح ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( في ثقيف كذاب وميتم )، وهل يصح ما قيل في المختار إنه تنبأ ؟
وقال: ليس يصح في المختار ما يقولون، وقد كانت له أفعال وأيادي محمودة، وقد دعا له جميع آل محمد الرجال والنساء، حين بعث إليهم برأس عبيد الله بن زياد لعنة الله عليه.
185- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? فاسألوا أهل الذكر ?[النحل:43، الأنبياء:7] ومن هم ؟
فقال: أهل العلم والفقه، وقال وأهل الذكر: من نُزّل عليه كتبه من بني إسرائيل.
186- وسألته: ما معنى ما قالوا في اللوح والقلم ؟(2/530)


فقال: واللوح المحفوظ فهو علم الله الذي قد أحاط بجميع ما كان وما يكون، ليس هنالك لوح ولا قلم.
187- وسألته: هل يخرج من دخل النار بعد مدخله فيها ؟
فقال: لا يخرج منها من دخلها، ولا يدخلها من المؤمنين الأبرار أحد، والله محمود، لأن الله ذكر أن من دخلها خالد فيها، ولم يذكر خروج أحد.
188- وسألته: هل أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين في الخلافة، وهل أكرهه القوم على بيعتهم ؟
فقال: قد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما يكون في أمته من بعده في كتاب الجفر، من الملوك إلى نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه، وبما يكون في أمته من الإختلاف، ووصف كتاب الجفر، وذكر أنه تقطَّع وذَهَب وقد كان صار إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنيفة، ونسخته عند آل محمد يتوارثونه، وأما أمر القوم فقد عرفته، وما كان من تخليطهم والله المستعان.
189- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? وفي الأرض قطع متجاورات ? [الرعد:4] ؟
فقال: قطعة مالحة وقطعة لينة، وقطعة أعدى، وقطعة تسقى، وقطعة جَمال، وقطعة عمران، وقطعة خراب، بعضها إلى جنب بعض متجاورات، ثم وصف فوضع كفه في الأرض، ثم رفعها ووضع أيضا إلى جنب الموضع الذي كان وضعه أولا.
190- وسألته: عن عيسى عليه السلام ؟
وقد تعلم أرشدك الله أنه قد مات من قبل عيسى كثير ممن كذبه، ومات بعده كثير فكيف يؤمن به، ولم يحضر رجعته صلى الله عليه، ومن لم يدرك دهره. وحديث رجعته فما قد جآءت به الأخبار من أنه صلى الله عليه يرجع إلى الدنيا، نازلا من السماء، فيحتج الله سبحانه على خلقه بما أبلغهم أولا، ولرسوله محمد من الحق، ويحتج لمحمد صلى الله عليه بما أبلغ قومه فيه من الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه، من آيات الله وكتابه، ويأمرهم باتباع محمد صلى الله عليه ويبين لهم ما حرفوا من كتب الله في محمد صلى الله عليه، والسلطان سلطان آل محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم.(2/531)


وقالت المعتزلة: إنه لا يرجع إلى الدنيا وإنه توفاة الله، وتأولوا فيه قول الله لا شريك له: ? فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ? [المائدة:117]، وقوله: ? إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ? [آل عمران:55].
وقال: مَن خالفهم تأويل: ? إني متوفيك ? تسليمه له غير مجروح، ولا مكلوم ولا مصلوب، كما قال الذين لا يؤمنون إنه صلب وقتل، كذبهم الله تبارك وتعالى فقال: ? وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ? [ النساء: 157]، وأي القولين قيل، واحتج به محتج، فليس فيه بحمد الله ريعان ولا حرج، ولا تستكثر من الله تبارك وتعالى أي ذلك ما كان، لأن الله تبارك وتعالى ذو الحكمة والبيان.
191- وسألته: عن قول الله لا شريك له: ? الرحمن على العرش استوى ? [طه:5] ؟
فقال: هو مَلِكَ وعَلا، وكذلك تقول العرب فيمن ملك بلدا، وغلب ملكه فيه: إنه قد استوى عليه، إذ ملك وغلب فيه، وليس يتوهم ما ذكر الله من ذلك استواء مقعدٍ، ولا مشابهة في القعود بين الله وبين أحد، وكذلك ? ثم استوى إلى السماء ? [فصلت:11]، فهو عُلوُّه عليها، ونفاذ أمره وخلقه وصنعه فيها.
192- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? وكان عرشه على الماء ? [هود:7]، ? وسع كرسيه السموات والأرض ? [البقرة:255] ؟
فقال: العرش - رحمك الله - والكرسي فإنهما مُلك الله وسلطانه، كما العرش والكرسي مقعد كل مَلِك ومكانه، وليس يَتوهم من آمن بالله أن ما ذكر الله سبحانه من كرسيه وعرشه ككراسي خلقه وعروشهم، التي كانت تكون مقاعد لهم في ملكهم، ? وكان عرشه على الماء ? وكان ملك الله على الماء، إذ ليس إلا الماء، كما ملكه اليوم على الأرض والسماء، وعلى جميع ما فيهما من الأشياء.
وتأويل: ? كرسيه ? إنما هو: وسع ملكه السماوات والأرض، ووُسعُه لهما، إحاطته بهما، وقدرته عليهما، وعلى كل ما فيهما.
193- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ? [الشورى:51] ؟(2/532)


فقال: ليس يتوهم عاقل أن احتجاب الله بارخاء ستر ولا بإغلاق، ولكنه كما قال سبحانه لعجز الأبصار عن دركه بالرؤية والعيان، إذ يقول سبحانه: ? لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ? [الأنعام:103]، وهذا فهو أحجب الحجب، ومالا يكون إلا الله تبارك وتعالى.
194- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ? [الأنبياء:69] هل كان ذلك من الله للنار كلاما ؟
فقال: هو مثل قول الله سبحانه: ? إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ? [النحل:40]، يخبر سبحانه أنه لا يمتنع عليه إذا أمر أمرٌ ولا كونٌ. وكذلك قوله: ? يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ?، إنما هو ما صيَّره الله فيها من النجاة والتسليم، كما قال سبحانه: ? وما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار ? [العنكبوت:24].
195- وسألت: عن قول الله سبحانه: ? للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم، وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ? [البقرة:226-227] ؟
فقال: المولي الحالف بالله أو ببعض الأيمان ألا يقرب أهله، فَأَنظَره الله أربعة أشهر وأجَّله، فإن فاء والفيء أن يرجع إلى مداناة أهله، كان ذلك له، وكان الله غفورا رحيما فيما أخطأ به على نفسه من اليمين، وإن مضى لحاجته، لم يكن له إضرار بزوجته، فإن عزم على فراقها، فإن الله سبحانه كما قال: ? سميع عليم ?، ولم يذكر الله في الإيلاء كفارة، ولكنه قال: ? فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ?.
196- وسألته: عن قول الله سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: ? وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ? [طه:108] ؟
فقال: خشوعها سكونها، وأما الهمس فهو حس الأقدام، الذي ليس معه صوت ولا كلام، لما يدخل قلوبهم من الرعب والخوف والفزع، ولما عاينوا عند ظهور آيات الله في القيامة من الأمر الهائل المستفظع.(2/533)

192 / 201
ع
En
A+
A-