والذين كانوا يُعبدون فهم من عُبدوا من الملائكة المقربين، ومن كانوا يُعبدون من دونه من الآدميين، ومَن عَبد مِن الناس أحدا من الشياطين، هؤلاء كلهم فهم عباد أمثالهم، وقد عبدوا من عبدوا من العباد، ما كانوا يعبدون من الأصنام، والتماثيل والأوثان، التي ليس لها أرجل ولا أيدي ولا أعين ولا أسماع، ولا عندها لأحد عَبَدَهَا أو لم يعبدها ضر ولا انتفاع، وفي الأصنام ما يقول الرحمن، له الكبرياء والجلال: ? ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها ?، وما ذكر من غير ذلك عند ذكرها، وليس شيء من ذلك كله لها، فكيف يعبدونها مع زوال ذلك كله عنها، وهو أفضل في ذلك كله منها، إلا لفعلهم الفاسد المدخول، بالمكابرة لحجة العقول.
158- وسألت: عن قوله: ? يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أُجبتم قالوا لا علم لنا ?[المائدة:109] ؟
ومسألة الرسل من الله عن ما أجيبوا في يوم البعث، فمسئلة عن الله ذات حقيقة وحكمة ورحمة بَرِيَّةٍ من كل جهل وعبث، وإنما هي تقرير لهم ولأممهم وتعريف وتوقيف، وإبانة أنه لا يأخذ أممهم إلا بجرمهم لأنه هو الله الرحيم الرؤوف، وأنه علام ما خفي عن الرسل من غيرهم، فيما كان من الجواب لهم في حسناتهم وذنوبهم.
159- وسألت: عن قوله سبحانه لرسوله صلى الله عليه: ? فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فسئل الذين يقرأون الكتاب من قبلكم ? [يونس:94] ؟(2/524)
ليس قوله سبحانه: ? فإن كنت في شك ? أنه فيه، ولا أنه يشك في شيء مما نزله الله إليه، ولكنه تنزيه له من ذلك كله، وتثبيت ليقينه ولتفضله فيه على غيره، ألا ترى أنه يقال لمن كان موقنا يقينا صادقا، وكان فيما اعتقده منه كله معتقدا عقدا محقا، إن كنت يا هذا في شك من أمرك، فتثبَّت فيه بغيرك، فيغضب على من قال له ذلك ليقينه، كان موقنا بذلك في دنياه أو دينه، وقد يكون من أسباب اليقين لغيره برسالته، وما نزله الله عليه من حكمه وآياته، ما في أيدي أهل كتب الله من ذكره، وهدايته في دينه وأمره، فقال سبحانه: ? إن كنت ? ولم يقل إن كان غيرك ممن آمن أو لم يؤمن في شك أو ارتياب، فاسأل عن أمرك أهل الكتاب.
160- وسألت: عن قوله: ? يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم... ? الآية [المائدة:106] ؟(2/525)
? شهادة بينكم ? هو الشهادة بينكم في قضاياهم وموارثيهم عند نزول الموت وحضوره، عندما يكون في ذلك للميت من أموره، أن يستشهدوا عند الموت شهيدين من أنفسهم، أو آخرَين من غيرهم، إن لم يحضر مسلمان عند الموت من غيرهم، لأنه ربما حضر الموت الرجل المسلم، في السفر أو غيره وليس عنده إلا كافر أو مجرم، فيضطر إلى شهادتهما، وإن هو لم يرض بهما، فإذا كانا معروفين في دينهما بالتحرج من الزور والظلم، استشهدا على الوصية وغيرها إذا لم يُظفر بمسلم، ? فإن عثر ? وهو: ظهر على أنهما آثمان، وأنهما ليسا بصادقين فيما عليه يشهدان، حبسا بعد صلاة من الصلوات، وحبسهما وقفهما فأقسما في وقت مما ذكر الله من الأوقات، و ? إن ارتبتم ? هو: ظننتم أنهما كذبا، فزادا أو نقصا، فَلْيَحلِفان بالله لا نشتري بشهادتنا وقولنا ثمنا، ولا نشهد بغير الحق لأحد ولو كان ذا قربى، ولئن فعلنا فكتمنا شهادتنا ? إنا إذا لمن الآثمين ?، يريد: إنا إذا لمن الظالمين، وفيما في الشهادة من الظلم، بالإخفاء لها في الكتم، ما يقول الله سبحانه: ? ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ? [البقرة:283]، فإن استحق أنهما كاذبان، حلف من المظلومين آخران.
161- وسألت يرحمك الله عن قول الله سبحانه: ? فإنا قد فتنا قومك من بعدك وأضلهم السامري ? [طه:85] ؟
فقال: فتنهم في بلوى الله لهم من بعد موسى، بما كان من العمل فيهم، وإضلال السامري لهم، فهو بدعائه إياهم إلى ما قالوا به من العجل، أن يقولوا ? هذا إلهكم وإله موسى ? [طه:88]، وبما ألقى من القبضة التي أخذها من أثر الرسول، فنبذها في جوف العجل فخار، فكان لهم في ذلك من الفتنة ما كان، وكان قولهم في ذلك، ولما رأوا منه في العجل بما قالوا، فلما سمعوا صوت خواره ضلوا به، كما ضلوا إذ قالوا فيه بما قالوا.
162- وسألت: عن قول الله سبحانه: ? وما أنزل على الملكين ببابل... إلى قوله: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ? [البقرة:102] ؟(2/526)
فقال: الأذن من الله في هذا الموضع هو التخلية، والاستطاعة التي جعلها الله في السامري والتقوية، وليس بإذن من الله ولا رضى.
163- وسألت: عن قوله: ? ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ? [البقرة:6-7] ؟
فقال: الختم من الله على قلوبهم وعلى سمعهم وما جعل على أبصارهم من الغشاوة كالران الذي قال الله: ? كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ?[المطففين:14]، والختم فهو الإقفال وهو الطبع، فمعنى هذه كله واحد فيهم، وهو بما وجب من لعنة الله عليهم.
164- وسألت: عن قوله: ? ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا ? [الأنعام:25] ؟
فقال: والأكنة هي الحجب، وهي مثل الطبع والختم.
165- وسألت: عن قول الله سبحانه: ? ما أنتم عليه بفاتنين، إلا من هو صال الجحيم ? [الصافات:162-163] ؟
فقال: تقول الملائكة ما أنتم عليه بغالبين، ولا إليه بجارِّين، إلا من هو صال الجحيم، يقول لا يحببكم إليه، ولا يرضى قولكم فيه، إلا من هو أهل النار والعذاب الأليم.
166- وسألت: عن قوله: ? ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ? [المائدة:41] ؟
فقال: ومن يرد الله فتنته من بريته إِبتِلاه أو إِضلاله أو إِخزاه، ممن شآقه وعصاه، فلن تملك له من الله في ذلك شيئا، والملك في ذلك والقدرة لله وحده.
? لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ? يريد سبحانه: أنه لم يرد تزكية قلوبهم ولا تطييبها بما هم عليه من معصيته، لأنه إنما يُطيِّب ويزكي قلوب أهل طاعته، فأما من لم يرد توبته ولا أمره، فليس يزكي قلبه ولا يطهره.
167- وسألت: عن قول الله تعالى: ? فأين تذهبون، إن هو إلا ذكر للعالمين، لمن شاء منكم أن يستقيم، وما تشاءون إلا أن يشاء الله ? [التكوير:26-29] ؟(2/527)
فقال: ولذلك ما يشاء الاستقامة، إلا وقد شآءها الله قبله، ورضيها فيما نزل تبارك وتعالى وقواه عليها، ودله جل جلاله إليها.
168- وسألت: هل يصح الحديث الذي جاء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( الأئمة من قريش ) ؟
فقال: الأئمة كذلك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الإسلام منهم، وهو صلى الله عليه وآله وسلم وولده وذريته فمن قريش لا من غيرهم.
169- وسألت: عن قوله سبحانه: ? قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون ? [الفتح:16] من هؤلاء ؟
فقال: هم هوازن، وهم أشد الناس بأسا، وقد قالوا: فارس والروم، وقالوا: بنوا حنيفة.
170- وسألت: ما تفسير الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب المرجئة والقدرية ) ؟
فقال: المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل، وغير ذلك من الأقاويل المختلفة لهم ما قد عرفت، القدرية فهم المجبرة.
171- وسألت: عن قوله سبحانه: ? يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ? [النساء:59] ؟
فقال: أولوا الأمر أمراء السرايا، وعلماء القبائل، وحلماء العشائر، والحكماء الذين يأمرون بالمعروف والهدى، وينهون عن الردى، لما أمروا بما أمر به رب العالمين. وأبرار آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعلماؤهم، وهم فولاة الأمر منهم، لما فضلهم الله به على غيرهم، من قرابة رسول الله، ومشاركتهم لأهل البر فيه، فلهم من القرابة ما ليس لغيرهم، وهم شركاء الأبرار في برهم.
172- وسألت: هل ذهب من القرآن شيء وما يروى في المعوذتين ؟
فقال: المعوذتان من القرآن، وقال وكيف يذهب من القرآن شيء وقد قال الله: ? إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ? [الحجر:9]، وقال: ? قرآن مجيد في لوح محفوظ ? [البروج:22-23].(2/528)