فتأويل تمنى: هو قرأ، وألقى الشيطان في أمنيته، تأويله: ألقى الشيطان في قراءته، وقراءته عليه السلام فهو ما ألقى من القرآن إلى أمته، وألقى الشيطان فيما كانوا يقرؤون من القرآن وآياته، هو إلقاء من الشيطان في أمنيته وقراءته، والإلقاء في القراءة من الشيطان، ليس إلقاء في قلب الرسول ولا فيما جعل الله له من اللسان، ولكنه إلقاء من الشيطان في القراءة بزيادة منه في القراءة أو نقصان، وقد رأينا في دهرنا هذا بين من يقرأ آيات القرآن، اختلافا كثيرا في الزيادة والنقصان، فما كان من ذلك صدقا وحقا فمن القرآن، وما كان منه كذبا وباطلا فهو من الشيطان، في أيدي الروافض من ذلك والغلاة، ما قد سمعت وسمعنا والله المستعان من القراة.
فأما ( تلك الغرانيق العلا، وإن شفاعتها ترتجا )، فقد فهمنا منه ما ذكرت، وسمعنا منه بعض ما سمعت، وهو كلام مُغوِر فاسد لا يتكلم بمثله حكيم، ولا ماجد كريم، لا يُشتبه بفساده في تأليفه، وقبحه في نفسه وضعفه، أن يكون من بليغ من بلغاء العرب، فكيف من الرسول أو الرب، الذي لا تدركه بتحديدٍ العقول، ولا يشبه قولَه في الحكمة قول.
117- وسألته: عن قول إبراهيم صلى الله عليه: ? والله خلقكم وما تعملون ? [الصافات:69] ؟
فالله خلقكم وحجارة الأصنام التي كانوا يعبدون، وكما قال صلى الله عليه: ? أتعبدون ما تنحتون ?[الصافات:68]، وسواء قوله: ? وما تنحتون ? وقوله: ? وما تعملون ?.
118- وسألته: عن: ? فردوا أيديهم في أفواههم ? [إبراهيم:9] ؟
فهو عضهم على الأيدي بأسنانهم، وهو شيء يفعله المغتاظ، إذا غضب أو اغتاظ، ويفعله أيضا المتحير المتفكر، إذا التبس عليه ما يفكر فيه وينظر.
119- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ? [الفرقان:72] ؟(2/514)
فالشهادة هي الحضور، والزور من الأشياء فهو البور، وهو الباطل والكذب، واللغو فهو الغفلة واللعب، فذلك كله وما كان منه فلا يشهدونه، وإذا مروا به أعرضوا عنه.
120- وسألته: عن قول الله: ? ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ? [هود:118] ؟
فذلك فلن يزالوا كما قال الله سبحانه مختلفين، لأن الاختلاف لا يزال أبدا بين المحقين والمبطلين، وهو خبر من الله عما يكون، وأنهم لن يزالوا مختلفين فيما يستأنفون، فالاختلاف منهم وفيهم، ولذلك نسبه الله إليهم، وقوله: ? إلا من رحم ربك ? يريد من المؤمنين، فإنهم في دينهم متآلفون غير مختلفين. وقوله تبارك وتعالى: ? ولذلك خلقهم ? يقول سبحانه للمُكنة، مما يجب به الثواب والعقاب من السيئة والحسنة، ولولا خلقه لهم كذلك، وعلى ما فطرهم عليه من ذلك، لما اختلفوا في شي، ولما نزل عليهم أمر ولا نهي، ولا كان فيهم مسيء ولا محسن، ولا منهم كافر ولا مؤمن، ولكانوا كالموات الذي لا يحسن ولا يسيء، ولا يفجر عند الله ولا يتقي.
121- وسألته: عن: ? وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي ? [النحل:68] ؟
فقد يكون الإيحاء إلهاما، ويكون الإيحاء من الوحي كلاما، ويكون الإلهام تعريفا وفطرة، ويكون الكلام تعليما وتذكرة، وأي ذلك كان، فعلم وبيان، لا ينكره ولا يدفعه بالله مقر، ولا يأباه إلا ملحد في الله متكبر، لا ينكر صاغرا وإن كابر بالانكار في أن للنحل وأشباهه احتيالا، وأن لها صنعا محكما وأعمالا، فيما يُرى مِن شُهدها، وعجيب ما فيه مِن عقدها.
122- وسألته: عن قوله: ? وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة ? [النساء:102] ؟(2/515)
فتأويلها ? فإذا كنت فيهم ? يريد في سفر وخوف معهم، فأقمت الصلاة لهم، ? فلتقم طائفة منهم معك ?، يقول سبحانه من جميعهم معك، وليأخذوا أسلحتهم كلهم، من قام معك في الصلاة ومن لم يقم معك منهم، ? فإذا سجدوا ? يعني الذين معه في صلاتهم آخر سجدة منها فأتموا، وفرغوا من صلاتهم كلها وسلموا، ? فلتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ? كلهم، من صلى معك ومن لم يصل منهم، ولا يقال للطائفة الآخرة لم يصلوا، إلا والطائفة الأولى قد صلوا.
ولا تصلى صلاة الخوف إلا في سفر، ولا يصلى شيء منها في حضر، لأن أهل الحضر في بيوتهم وحصونهم مستترون، وأهل السفر لعدوهم بارزون مصحرون. وصلاة الخوف أن يصلي الإمام بإحدى الطائفتين ركعة واحدة ثم يقومون، فيتمون الركعة الثانية ثم يسلمون، والطائفة الأخرى الواقفة للعدو في سلاحهم مستلمون، وليس لهم شغلٌ من صلاة ولا غيرها سوى المواقفة، والحراسة لأنفسهم وإخوانهم من عدوهم بالمصآفة، فإذا رجعوا إليهم من صلاتهم، وقعدوا للعدو موقفهم، ولم يزايلوا أبدا مواضعهم، حتى يتم إخوانهم من آخر الصلاة ما أتموا، ويسلموا من صلاتهم كما سلموا، فتكون كل واحدة من الطائفتين قد حرست كما حرست، وأخذت منهما من الحراسة ما أخذت، وأعطت من الحراسة ما أعطت، وصلى بها من الصلاة مع الإمام ما صلت، فهذا عندنا أحسن ما سقط إلينا في صلاة الخوف.
وكذلك صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما بلغنا صلاة الخوف في غزوة له غزاها يقال لها: ذات الرقاع.
وفقنا الله وإياك للتقوى، في كل محنة نزلت بنا أو بلوى، وصلى الله على محمد وآله الأبرار، الطيبين الأخيار.(2/516)
123- وسألت: وفقنا الله وإياك لمرضاته، ولعلم ما أوجب الله علينا وعليك علمه من آياته، عن قول الله جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله: ? إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا ? [ الأحزاب:72] ما وجه ما أراد الله بذلك من المقال، ومن أين جاز أن يقال: أَبَينَ وأشفقن السماوات والأرض وهن موات لا ينطق، وشيء لا يأبى ولا يشفق ؟
فقد يحتمل وجه ما أراد الله تبارك وتعالى بذلك وتنزيله، ما أبانه الله من تظليم الإنسان بما بناه الله عليه من تبيينه للخيانة في الأمانات، والتأدية ما صغر حليته في الخلقة والتركيب، من قدر ما ذكر الله من الخلق العجيب، وأنت رحمك الله فقد تعلم أنك لو عرضت بفكرك، وفي تقديرك ونظرك، فضلا عما قد تعلمه يقينا بقلبك، على ما قد تعرفه من السماوات، أمانة من الأمانات، لما حملتها، ولا شيئا منها، إذ كن عندك في علمك غير ناطقات، وهن فإذا كن كذلك فهن لحمل الأمانات غير مطيقات، فإذا كن من ذلك لنفس خلقهن وما بُنِينَ عليه من ضعفهن ممتنعات، أفضل مما يقول به منها قائل، أو يتحير من علمائها عالم.
وقد يحتمل أيضا أن يكون إنما أريد السماوات والأرض والجبال: أهلهن، ومن جعل ساكنا لهن، مما ينطق، ويأبى ويشفق، كما قال إخوة يوسف واسأل العير وليسوا يريدون إبلها، فهذا وجه من الوجوه، ليس بسيء ولا مكروه، مفهوم معقول، يجوز بمثله في العرب القول.
124- وسألت: عن: ? المؤمن المهيمن ? [الحشر:23]؟
فالله هو المؤمن لأوليائه من سخطه، والمهيمن: الشهيد، والله هو الشهيد على أعدائه بمعصيته.
125- [ وسألت: عن الحمَّى أهي من الضربة أم من الطبيعة ]؟(2/517)
وأما الحمَّى عن الضربة الموجعة، فإن الله جعلها تكون من الطبيعة، فالضربة من الضارب، والحمى فمن الطبائع، ألا ترى أن الحمى لو كانت من الضارب لزمه فيها القصاص والقود، وهذا مما ليس يدرك حقيقته أحد، وقد قال الله سبحانه: ? والجروح قصاص ? [المائدة: 45] والجروح من الجارح، وليس الحمى بعمل شيء من الجوارح، فهو علم الله المعلوم.
126- وسألت: عن: ? زرتم المقابر ? [التكاثر:2ٍ] ؟
فهو دخلتم المقابر.
127- وسألت: عن زرع الأرض المغتصبة ؟
فلا يجوز الزرع فيها لغاصبها ولا غير غاصبها، إلا أن يزرع بإذن صاحبها.
128- وسألت: عن شراء اللحم من اليهود والنصارى ؟
فإنا لا نرى أن يباع منهم ولا يشترى، فإنهم ليسوا ممن يؤمن عليه، أن يخلطوا مالا يحل فيه.
129- [ وسألت: عن القصر من غير خوف ]؟
وأما القصر من غير خوف فيقصر كل من سافر آمن أو خائف، أو كان فاجرا أو برا.
130- [ وسألت: عن التشهد]؟
وأما التشهد فما قيل الذي يذكر عن ابن عباس، وما يذكر من ذلك عن ابن مسعود، وأحسن ما سمعنا به في ذلك عن علي وزيد بن علي، بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها الله، أشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، والصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
131- [ وسألت: عن آمين ]؟
وقد سمعنا في آمين ما سمعت، ولم أسمع أحدا من العرب يتكلم [بها] في كلامه، ولا أحسبها إلا من اللسان العبراني، وإنا لنمسك عنها، وعن القول بها.
132- [ وسألت: عن الدعاء في الصلاة ]؟
وأما الدعاء في المكتوبة في أمر الدنيا والآخرة فجائز حسن، وهو في: ? الحمد لله رب العالمين، إياك نعبد وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم ? [الفاتحة]، فهذا كله دعاء.
133- [ وسألت: عن سجود السهو في الصلاة ]؟(2/518)