فتأويل ذلك: أن الله قادر على ما شاء، من مغفرة أو تعذيب لمن خلق وأنشاء، وليس ذلك خبرا من الأخبار، أنه غير معذب لمن وعده بالنار، لأنه جل ثناؤه لو لم يعذب من وعده بالعذاب، من أهل الكبائر لكان في ذلك خُلف وإكذاب، لما وعد به في ذلك من الميعاد، وفيما ذكر سبحانه من وفاء ميعاده ووعده في ذلك، ما يقول سبحانه في كتابه: ? ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريبا من دارهم حتى يأتي وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد ? [الرعد: 31] ليس بين قوله سبحانه: ? لا يغفر ? وبين ? يعذب ? فرق، لأن من لا يغفر له فقد عذبه، ومن عذبه فلم يغفر له.
66- وسألته: عن ? مقاليد السماوات والأرض ? [الزمر: 63، الشورى: 12] ؟
فالمقاليد هي: المفاتيح، ومفاتيح الغيب فهي المقاليد.
67- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ? [الحديد: 22] ؟
فالمصيبة في الأرض فهو: ما يكون في الأرض عامة، والمصيبة في الأنفس فهو: ما يكون في الأنفس خاصة، والكتاب فهو علم الله بذلك كله، وما أحاط بالأرض والأرض يقينا من علمه، فكل ذلك كما قال الله لا شريك له لا يؤوده منه عِلمُ ما عَلِمَ، وقوله ? من قبل أن نبرأها ?، فهو: من قبل أن يخلق الأنفس وإنشائها.
68- وسألته: [عن] ? وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ? [الإسراء:13] ؟
وطائره فهو: ما يلحقه وما يلزمه من خيره وشره، فكله مكتوب محفوظ عليه، إذا لقي الله وصار إليه، كما قال الله سبحانه: ? نُخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ? [الإسراء: 13].
69- وسألته: عن قوله: ? يوم ندعو كل أناس بإمامهم ? [الإسراء: 71] ؟(2/489)
فإمامهم هو: ما كتب عليهم ولهم، من سالف أعمالهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فهو عن يمينه، وتأويل ? من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ? [الإسراء: 72] فهو: أن من كان في الدنيا ضالا، فهو في الآخرة أضل ضلالا، إنه ليس بعد البعث ضلال ولا هدى، فمن ضل في الدنيا أو اهتدى، فهو مهتدي أو ضال أبدا.
70- وسألته: عن قول الله سبحانه: ? قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنواولكن قولوا أسلمنا ? [الحجرات: 14] ؟
فالاسلام هو: الاستسلام والذلة والإذعان، يعني الإجابة والطاعة والإيمان، فهو سر أو إعلان، فسره في القلوب الباطنة، وعلانيته في الأعمال الظاهرة، ألا تسمع كيف يقول سبحانه: ? ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ? [ الحجرات: 14 ].
71- وسألته: عن قول الله سبحانه ? وتلك الأيام نداولها بين الناس ? [ آل عمران: 140 ] ؟
والأيام أيام الدول فهي بين الناس كما قال الله عقبٌ، وما فيها من إحسان أو إساءة فأعمال، لمن عملها من العمال، يثاب المحسن منها على حسنته، ويعاقب المسيء فيها بسيئته.
72- وسألته: عن قوله: ? والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ? [الفرقان: 67 ] ؟
فالقوام من النفقة بين السرف والإقتار، وهو السيرة التي رضيها الله في النفقة للأبرار.
73- وسألته: عن حديث الثقلين ؟(2/490)
وهو حديث صحيح مذكور، كثير في أيدي الرواة مشهور، ومن تمسك كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهما فلن يضل أبدا، لما جعل الله فيهما ومعهما من النور والهدى، وكتاب الله تبارك وتعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو أحدهما وفيه الشفاء والبرهان والنور، وأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلهم مجمعون فمنهم عدلٌ أبدا بمنِّ الله لا يجور، فمن تمسك بالمتقين منهم لم يضل، ولم يَجُز عن الحق ولم يمل، وكيف يضل متبعُ مَن يعدل في اتباعه على عدله، وهو فيه كمثله. وحديث سفينة نوح من ذلك، وهي النجاة بها كذلك، ومثل أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم، وفيما ذكر من التمسك بهم، كمثلها في نجاة من نجا، وفيما ذكر من الضلالة والهدى.
74- وسئل: عن المسح على الخفين والقدمين ؟
فقال: وأما المسح على الخفين فإن أهل البيت مجمعون أنه فاسد لا يجوز، وأما المسح على القدمين فليس فيه إلا ما يقول أصحاب الإمامية عن من يقولون به عنه، ولم ندرك أحدا من آل الرسول إلا وهو يفعل بخلاف ما قالوا به، فيغسل ولا يمسح.
75- وسألته: عن السماوات والأرض، كيف الأرض والسماء بعضها فوق بعض ؟
وكذلك ما سألت عنه من الأرض فأعلى السماوات آخرها وأول السماوات أولها، وكذلك أول الأرض أعلاها وآخرها أسفلها.
76- وسألت: أبي رضوان الله عليه، عن قول الله عز وجل ثناؤه: ? ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما ?[ الإسراء: 97 ] ؟(2/491)
فقال: تأويل ذلك إن شاء الله: أنهم يبعثون يوم القيامة حين يجمعون ويحشرون على صورهم التي فارقوا الدنيا عليها وهيآتهم، فعلى ما فارقوا الحياة عليه من ضلالهم وعماهم، فمن فارق دنياه وهو أعمى في بصره، بعث كذلك عند حشره، وكذلك يبعث الأبكم وهو الأخرس اللسان، وكذلك الأصم من صمم الآذان، فكلٌ يبعث ويحشر على ما كان عليه في دنياه من الأحوال، وكذلك يبعثون على ما كانوا عليه في الدنيا من الهدى والضلال، وليس تأويل ? على وجوههم ? - إن شاء الله - ما يذهب إليه أهل الجهالات، من تبديل الله في يوم القيامة للخلق والهيآت، التي كانوا عليها في الدنيا بُديا، وكيف يُتوهمون صما وبكما وعميا !؟ والله يقول سبحانه في ذلك اليوم: ? ولا يسأل حميم حميما، يبصرونهم ? [المعارج: 10-11]، هو: يرونهم، وكيف يتوهمون صما بكما خرسا! ؟ وهم يقولون: ? يا ويلينا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ? [الكهف: 49]، وكيف يتوهمون ذلك وهم يقولون في يوم الحساب: ? ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا ? [السجدة: 12] ؟! فكفى بما بيَّن الله من هذا ومثله بيانا لقوم يعقلون. على أن الأمر في ذلك ليس كما يتوهم الجهلة ولا كما يظنون.
77- [ وسئل: عن قوله سبحانه: ? وقرآنا فرقناه ? [الإسراء:106] ؟
فقال:] ? وقرآنا فرقناه ? تأويله: فرقناه قطعا، وفرقنا[ه] وجعلنا[ه] مفرقا ? لتقرأه على الناس على مكث ? [الإسراء: 106] وهو على مهل وبمكث، وتأويل ? نزلناه ? فهو قليلا قليلا، كذلك يُذكر - والله أعلم - أن جبريل صلى الله عليه كان يُعلِّم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما علمه من القرآن خمس آيات، خمس آيات، لما أراد الله إن شاء الله بذلك لفؤاده من الثبات، كما قال الله سبحانه: ? كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ? [الفرقان: 32 ] تأويله: ونزلناه تنزيلا، والتنزيل، هو الإبانة والتفصيل.(2/492)
? ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون ? [الدخان: 17 ] فقال: يقول اختبرنا وعذبنا، لأن الفتنة اختبار ومحنة، وتعذيب وعقوبة.
وقوله سبحانه: ? لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ? [ الفتح: 17 ] فقال: خبر عن رضى الله عمن بايع تحت الشجرة إنما هو لقد رضي الله عمن آمن بالله، ألا ترى كيف يقول رب العالمين: ? لقد رضي الله عن المؤمنين ? [الفتح: 17 ] فذكر أن رضاه تبارك اسمه إنما هو عمن آمن ممن بايعه، وشايعه في البيعة وطاوعه.
وقوله ? ثم ليقضوا تفثهم ? [الحج: 29] فقال: التفث لهو الشعث، وشعثه: امتناعه مما يُمنع منه المحرم من الطيب وغيره، وما يلزمه ما كان محرما في إحرامه، حتى يطوف بالبيت العتيق كما أمره الله بالطواف.
[وقال] القاسم بن إبراهيم عليه السلام: أحسن الله رشدك وتوفيقك، وقوَّم لقصد الحق طريقك، وبلغك صالح الأمل برحمته، وأتم عليك وفيك ما وهب من نعمته، قد فهمت - استَمتِعُ الله بك - ما وصفت، وتعرفت من مذاهبك بما تعرفت، فقرَّب الله قربك، ووصل - بحقه - سببك، فبمثلك - بمنِّ الله - يُتوصل إلينا، فكيف تطلب لنفسك الأذن علينا.
78- وسألت: سددنا الله وإياك للرشد والاهتداء، عن المخادعة من الله والمكر والاستهزاء ؟
فأما المخادعة وفقك الله، فليس يجوز القول بها على الله، ولا ينسب شيء منها كلها إلى الله، ولا تحتملها في الله الألباب، ولم ينزل بها من كتب الله كتاب، لأن المخادعة إنما هي حيل من المحتال، فيما يخادع به مِن كذب في فعل أو مقال، ولعجز المخادع عن كثير مما يريد، كاد فيه بالمخادعة من يكيد، والله جل ثناؤه متعال، عن كل مخادعة واحتيال، لا يجوز شيء من ذلك عليه، ولا يصح القول بشيء منه فيه، وأما الخدع من الله لمن خادع الله والاختداع، فليس في القول به على الله جل جلاله عيب ولا شناع، وفيه ما يقول الله سبحانه: ? إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ? [النساء: 142] ولم يقل جل ثناؤه وهو مخادعهم.(2/493)