[ حوار مع القائلين بمسح القدمين ]
فأما ما قيل به في مسح القدمين ، فَرَدٌّ لما في كتاب الله المبين، وكيف نَغسل، عند من يعقل، الوجه والذراعين للتطهير، ونترك الرجلين وهما أقرب إلى الوسخ والأقاذير ؟! إن في هذا من الضعف والاختلاف، لأضعف الضعف وأسرف الاسراف!! وما يجهل هذا والحمد لله، إلا مَن خزي وبَعُدَ من الله.
وقلنا لمن قال من الرافضة بمسح القدمين: من أين قلتم في هذا بخلاف جماعة ولد الحسن والحسين، صلوات الله عليهما ؟
فإن قالوا: لأنه قالت به الأئمة منهم، وهم الذين يلزم القبول عنهم.
قلنا فأعطتكم الأئمة من ذلك ما لم تُعطِ أبنآءها، وحملتكم من هدى الله فيه ما لم تُحمِّله أقربآءها ؟‍ فوصَلَت بذلك منكم البعيد الغريب، وقطعت من أرحامها القريب الحبيب، وقد قال الله لرسوله، صلى الله عليه وآله :? وأنذر عشيرتك الأقربين ?[الشعراء: 214]، فخصهم بإنذاره منهم دون المؤمنين، وسماهم جل ثناؤه دونهم الأقربين، وكان لهم بعدُ من النذارة ما لغيرهم، فاشتركوا هم وهم في رسولهم ونذيرهم، ولرسوله، صلى الله عليه وآله، ما يقول :? وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ?[طه: 132]. والصلاة فإنما هي صلاة بما جعل الله من الطهور، وأنتم فإنما قلتم بالمسح وقلتم منه بما قلتم، سماعا من أئمتكم زعمتم، فبالسماع علمتم منه ما علمتم، وما في أيدينا من السماع، أكثر من أهل الفُرقة والاجتماع، من أسود وأحمر، ومتطهر وغير متطهر، عن الرسول صلى الله عليه، خلاف ما أنتم من المسح فيه، وأئمتكم فمختلف فيها، وغير مجتمع آل محمد صلى الله عليه وعليهم أحد منها، وممن قَبِلَ عنها، ما يقروا ويبدوا إن كانوا صادقين فيه، وبترك ما اجتمع فيه المختلفون جميعاً كلهم عن رسول الله صلى الله عليه، إنهم إذاً أولى بالرسالة منه، لمن قبل عنهم ولم يقبل عنه.(2/464)


فإن قالوا أخذنا عن الله وكتابه، لأنه قال :? فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم ?[المائدة: 6]. فَأَلحقَ الأرجل بالرؤوس في المسح لحقا، وجعلهما لها في المسح نسقاً.
قلنا فبيننا وبينكم ما تلوتم من الآية، ففيها لنا ولكم من التبيان أكفى الكفاية، أليس إنما ذكر الله الرؤوس بالباء، فقال: ? برؤوسكم ?، وذكر الأرجل بالواو بالغسل في النسق، فأَنسِقُوا الأرجلَ بالوجوه والأيدي في اللحوق، والأرجلَ بالوجوه والأيدي في الواو أحق نسوقا، فيهما وأولى في النسق بهما لحوقا، ولو كان النسق للأرجل بالرؤوس لكان ? وبأرجلكم ? كما قيل ? برؤوسكم ?.
وكفى بهذا بيانا - إن أنصفتم - لكم، ودفعاً - والحمد لله - لقولكم، وأَلحِقُوا ذوات الواو بذوات الواو وأقروا ذات الباء إذا كانت واحدة فردا، فكفى بهذا لما قلتم رداً إن قبلتم فيه رشداً أو هدى، وقد وضعنا كتابا كبيرا في الطهارة كلها واستقصينا فيه , بما يكفيه، كفانا الله وإياكم بالحق كافية، وألبسنا وإياكم لباس عافيه.(2/465)


[ باب الوضوء ]
فإذا زالت الشمس ومالت، فضربت الظلال شرقا وطالت، فقل الحمد لله الذي أزال الشمس بعد استواء واعتدال، وجعل لها وفيها ما جعل من مختلف الظلال. ثم توضأ بعد الزوال متى شيت، وفي أي وقت الصلاة هويت، ولا تتوضأ أبدا قبلها، ولكن إذا أردت أن تقوم لها، فعند ذلك فتوضأ، وإنما تأويل الوضوء أن يتنقى، إلا أن يكون متوجها لها وإليها، ويريد القعود انتظارا أو محافظة عليها، أو يريد صلاة نافلة قبلها، فيجوز الوضوء لديها وبالإنتظار لها، فأما إن تشاغلت بعد الوضوء عنها بشغل من الأشغال، أو بعملٍ ما كان ليس لها من الأعمال، فلسنا نحب ذلك لك، ولا أن تخلط الشغل بما يشغلك.
وتبدأ - إن شاء الله - وضوءك بالماء، بالإفراغ على يدك اليمنى من الإناء، فإذا غسلت اليمنى، فأفرغ بها على اليسرى، فأنق بها ما أقبل وأدبر من دنس، ثم أنق من كل دنس أو درن يسراك، واغسل وجهك كله بها مع يمناك، واغسل بهما لحيتك وعنفقتك وشاربك، وأبدأ بالمضمضة والاستنشاق، ولا تلتفت إلى ما في أيديهم فيهما من الأخبار، فإنه زور، وباطل وغرور، لأن في ذلك من الأنف والفم والمنخرين، وغيرهما من اللحية والعنفقة والشاربين، من الوجه وأقسامه، فحكمهن كلهن في الغسل كأحكامه، يلزمهن كلهن من الغسل ما لزمه، إذ جعلهن الله كلهن منه، فمن ترك منهن كلهن شيا، لم يكن وضوءه له في صلاة مجزيا، وكان عليه الإعادة لكل صلاة صلاها، كما عليه الإعادة لو ترك ناحية من ذراعه فتعداها.
فإذا فرغت من وجهك كله، وغسلِ ما أمرك الله به من غسله، فاغسل يمنى يديك إلى المرفق بيسراهما، ثم يسرى يديك بيمناهما ، فإذا فرغت من غسل يديك فامسح بيمنى [ ويسرى يديك ]، رأسك كله وأذنيك، ما أقبل منهما وما أدبر، كما يُحلق في الحج ما عليهما من الشعر، ولأنهما من الرأس حلق ما عليهما من شعرهما، وكذلك هما فيما هما عليه من المسح كأحكامه، يلزمهما من المسح ما لزمه، ولذلك جعلنا أحكامهما حكمه.(2/466)


وبعدُ فإذا فرغت من مسح الرأس والأذنين، فاغسل بعد ذلك القدمين، تبدأ بيمناهما قبل يسراهما، غسلا سابغا يستقصى به انقاؤهما، فإن الله أمر بذلك فيهما، وحكم بالغسل عليهما، لقوله سبحانه :? فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق ? [المائدة: 6]، فاغسلوها، ? وأرجلكم إلى الكعبين ? فاغسلوها، فألحقهما بالوجه واليدين في النسق، وتابع بينهن كلهن جميعا في نسقهن باللَّحق، ليس بين ذلك كله فرق في فهم ولا تفسير، إلا ما في اللسان العربي من التقديم والتأخير. فتأويل: ? إلى المرافق ?، و? إلى الكعبين ?، فيما جعل الله في اللسان العربي من التبيين، كقول القائل: وحتى الكعبين، كما يقول القائل خرجت إلى الكوفة يريد دخلتها، وصرت إلى مكة، يعني دخلتها، فهذه حدود الوضوء، لكل طرف وعضو، ليس لأحد من الخلق كلهم أن ينتقصها، بعد الذي بيَّنها الله به من أمرها وخصها، ومن انتقص من حدودها شيا، لم يكن شيا من وضوءه له في صلاته مجزيا، ومن قدم منها مؤخرا، أو أخَّر من حدودها مقدما، لم تجزه طهارته، ولزمه إذا لم يضع كل شيء منها موضعه إعادته.(2/467)


[ أذكار وأدعية الوضوء والصلاة ]
وسنقول إن شاء الله بعد الذي حددنا في الوضوء والصلاة، ما يستحب أن يقال به من الذكر والتسبيح والأبواب المسماة.
يستحب أن يقال إذا أُخذ في الوضوء وابتدائه، وقبل أن يُدخَلَ في شيء من قسمه وأجزائه: باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فإذا فرغت من الوضوء كله، ومن غسل ما أمر الله بغسله، فقل: الله أكبر كبيرا، اللهم لك الحمد فيما هديت من هذا إليه، وفيما قويتنا من هذا برحمتك عليه، اللهم اجعلني من التوابين المتطهرين إنك رؤوف رحيم.
فإذا قمت إن شاء الله للصلاة، قلت في الافتتاح لها قبل التكبير والقراءة: الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل. فإذا فرغت إن شاء الله من هذا الافتتاح، لكل صلاة تصليها من صلوات النهار والليل والاصباح، كبرَّتَ ساعة ابتدأت في مكانك، وقرأت حينئذ ما تيسر من قرآءنك، غير محدود لك في شيء من القرآن بحد، ولا مقصود بك عن سورة كلها إلى قصد، لقول الله جل ثناؤه [ في البيان، ? فاقرأوا ما تيسر من القرآن ?[المزمل:20] ].(2/468)

179 / 201
ع
En
A+
A-