كمل كتاب الطهارة والحمد لله كثيرا طيبا.(2/444)
كتاب صلاة يوم وليلة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق فسوى، وسدد لأمره كله فقوَّى، ولم يكلف من فرائض أمره أحداً من خلقه عسيراً، ونوَّر ما فرض من ذلك كله على عباده تنويراً، ولم يلبس من ذلك كله عليهم شيئا فيخفى، رأفة منه تبارك وتعالى ولطفاً، وتسهيلا لسبل طرقه، وتخفيفا منه على خلقه.(2/445)
[أول الواجبات العقليةٍ]
وكان أول ما كلفهم به من فرائضه توحيده بالربوبية، وإخلاصه تبارك وتعالى بالوحدانية، فأبان لهم ما فرض من إخلاصه بالوحدانية عليهم، وما حكم به من توحيده بالربوبية فيهم، بدلائل جمة لا تحصى، وشواهد كثيرة لا تستقصى، من سمائه وأرضه وما بينهما، ومن أنفسهم التي هي أقرب إليهم منهما، تحقيقا في ذلك لتكليفه، وتقريبا فيه لسبيل تعريفه، فقال رحمة منه للعالمين، ? وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون، وفي السماء رزقكم وما توعدون، فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ? [الذريات: 20 – 23]، وقال سبحانه :? إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السموات والأرض لآيات لقوم يتقون ? [يونس: 6]، والآيات فهن الشواهد والدلالات، ثم لم يتركهم مع ذلك كله من إرساله رسله فيهم بالرسالات، رأفة منه بهم ورحمة، وإحسانا منه إليهم ونعمة، بعد أن أخبرهم سبحانه أن بيان ما كلفهم في ذلك من حقه، مثل بيان ما بيَّن لأحدهم إذا نطق من نطقه، كل ذلك إعذاراً منه بالبيان المنير إليهم، واحتجاجاً منه لخلقه بالبرهان المبين عليهم، ? ليهلك - كما قال سبحانه - من هلك عن بينة ويحيي من حيي عن بينة وإن الله لسميع عليم ?[الأنفال: 42]. فتبارك رب العالمين.(2/446)
[الواجبات الشرعية]
ثم فرض سبحانه عليهم بعد توحيده وما فهم من فرائض حقه، الصلاة سياسة بما فرض منها بحقه، وإحياء بها لذكره وتعظيمه، ولما فيها من خشوع كل مؤمن وتقويمه، لطاعة الله وأمره وإجلاله، عند ما يخطر فيها من ذكر الله بباله، ولما له ما كان فيها وبها من العصمة والبركة، والنجاة عند قيامه إليها وفيها من كل معصية مهلكة، من كل فحشاء أو منكر، أو استكبارِ متكبرٍ، ولها وفيها، ولدعائه إليها، ما يقول سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وعلى وآله :? اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر - ثم قال سبحانه: ولذكر الله أكبر ?[العنكبوت: 45]. وأنهى لمن كان لأمر الله منتهيا عن كل فحشاء أو منكر، ومستكبرَ من معصية الله أو مستصغَر. فصدق الله لا شريك له في خلق ولا أمر، ولا حكمٍ لخاطرة ذكر أكبر، وأنهى لمن آمن به عن كل معصية وجرم، أزجر من كل كبير من الأمور أو ناهية، وأجل وأعلى من كل جليل وعالية، ازدجر بها مزدجر فانتهى، وَوُفَّق لها مُوَفَّق فاهتدى.
ولما جعل الله له من الصلاة من ذكره، فيها للرسل ما تقدم من أمره، فلم تَحُلْ رسل الله من أمر الله به فيها، ولم تزل رسل الله صلوات الله عليها، تدعو الأمم في سالف الدهور إليها، فقال تبارك وتعالى في إسماعيل رسوله، صلى الله عليه وعلى جميع رسله :? وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا ? [مريم: 55].
وقال عيسى صلى الله عليه :? وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ? [مريم: 31].(2/447)
وقال تبارك وتعالى لموسى فيها قبل وصيته لعيسى صلوات الله عليهما، والحمد لله على ما جعل من الرسالة فيهما: ? وأقم الصلاة لذكري إن الساعة آتية أكاد أخفيها ? [طه:15]. فأخبر سبحانه بما جعل من ذكره بها وفيها، وإنما الذكر يقول من أجل ما فيها، من إجلال أمري وما يكون من القيام لها وإليها، من خواطر ذكري وإجلالي فيها، كما يقال فعلتُ ذلك لذلك، كذلك فُرضت الصلاة لما قلنا من هذا، وكان ما قلنا من علل ما جعلت له الصلاة فرضا، ما يقول سبحانه لرسوله، صلى الله عليه وآله :? وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ?[طه: 132 ]. فكفى بهذا في تعظيم الصلاة تبياناً ونوراً من كل ظلمة وعشوى، وكانت عند الله قربة من مُصلِّيها وطاعة ورضى.
وفي الصلاة وأمره بها ما يقول مرارا كثيرة رب العالمين، لمن استجاب له بالايمان من المؤمنين: ? وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون ? [النور: 56]. وفيها وفي فرضها وتكريمها، وما ذكر من أمرها وتعظيمها، ما يقول سبحانه: ? فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون ?[التوبة: 11]. فلم يعقد سبحانه الإخاء والولاء، إلا بين من زكى وصلى.
ومما يدل من فهم عن الله تبارك وتعالى على تعظيم، قدر الصلاة ما قال العليم الحكيم : ? فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ?[التوبة: 5]. فلم يُزِل - سبحانه وتعالى حكمه بتقتيلهم، ولم يأمر تبارك وتعالى بتخلية سبيلهم، وإن تابوا ولم يشركوا - حتى يصلوا ويزكوا.(2/448)