فإن لم يجد المتوضىء المغتسل، أو المتوضىء الذي لا يغتسل، ماء طهورا يتطهران لصلاتهما به، تيمما صعيدا طيبا لا يشكان في طهارته وطيبه، فمسحا إذا لم يشكا في طهارته منه بوجوههما وأيديهما، فإذا فعلا ذلك فقد أديا فرض الله في الطهارة عليهما، ولا يطهرهما في التيمم ويجزيهما مسح وجوههما وأيديهما، حتى يعلق التراب بهما وعليهما ما يبين به أثر التراب فيهما. ومكان ما للوجه من الحد في مسحه من الصعيد، مكان ماله من الوضوء سواء وفقا من التحديد، وحد مسح متيمم الصعيد إذا مسح بيديه، أن يمسح باطنهما وظاهرهما إلى مرفقيه، ولا يَطْهُر أبدا إلا من أتم طهارته بيقين لا شك فيه، ولا ينقض وضوءه ولا طهارته بعد يقينه بها إلا يقين بنقضها ثابت ويصير إليه، وإلا فطهارته أبدا ووضؤه وتطهيره، لا يزيل يقينه بها شك منه ولا حيرة، ولا ينقض ماله بها من حكم التطهر، إلا ما خرج من قُبُل أو دبر، أو حدث من دم سائل يقطر، أو يسفح من أي جسده خرج فينحدر، فأما ما خرج منه من البدن يعلق ولا يدفع، أو يسبح من متعلقه في البدن فينقطع، فليس مما يحتسب به ولا يعد، ولا مما ينقض الطهارة ولا يفسد. وكل ما يجب على الرجل في التطهرة والوضوء، فواجب مثله سواء، على كل مَرَةٍ حرة كانت أو أَمة، لأنهم كلهم ملة وأُمة.
ونفاس المرأة وحيضها فما كان بعدُ من دمها، فهو فيما ينقض عليها من طهارتها كالدماء وحكمها، فإذا انتهى حيضها ووقف، ونقيت منه حتى تنظف، فعليها الغسل من ذلك كله، لا تطهر أبدا إلا بغسله.
فإن خرج بها وقت طمثها أو نفاسها عما تعرف فعليها الغسل من ذلك من عدة أيامه، خرجت من حكم الطمث والنفاس وكان كغيره من الدم وأحكامه، يُغسل منه غسلا واحدا، ثم يُتوضأ بعد كل صلاة وضوءا فردا، فإذا عاد وقت طمثها إليها، عدَّت ما كانت تعرف من وقت قرء واحد من أقرائها، ثم اغتسلت عنده، ثم عادت للوضوء بعده.(2/424)


الاعتقاد
وعلى من قام من الرجال أو النساء لصلاة واحدة أو أكثر منها أن يتوضأ لها كلما قام إليها أبدا، وهي وإن اجتمعت فإنما فرض الله فيها وعند القيام لها وإليها على من يريد أن يصليها وضوءا واحدا، فإن هو فرق بين قيامه لصلاته بإقبال أو إدبار في شيء من حاجاته، انتقض عليه بذلك عقد وضوءه لصلاته وطهارته، ولزمه الوضوء كلما قام إلى شيء مفروق أو مجموع من صلواته، وإن ثبت بعد الوضوء في مسجد من مساجد الله أو بيت من بيوت ذكره، فهو ـ ما ثبت فيه وأقام أبدا ـ ثابت على وضوءه وطهره، لأنه إذا كان كذلك فهو قائم إليها، منتظر لها بعدُ ومقبل عليها.
ألا ترى كيف يقول الله سبحانه: ? يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون ? [الجمعة: 9]، فما أمر الله به من السعي إلى ذكره والجُمَع فهو قبلها.
ومن القيام إلى الصلاة قعودُ مَن قعد لها منتظرا أو عليها مقبلا، ولم يكن بغيرها من أمور الدنيا عنها مشتغلا، فهو قائم في ذلك ـ وإن طال ـ إليها، وكأنه بذكره لله في ذلك قد دخل فيها، فوضوءه أبدا ما كان كذلك وعلى ذلك غير منتقض، وهو في ذلك مؤدي لما عليه من الطهارة لها من الفرض، فهذا فيما به قلنا، وما به في قولنا استدللنا.(2/425)


[لباس المصلي]
وأوجبنا اللباس في الصلاة على كل مصلي، وحرمنا على كل من صلى من المؤمنين كل تعري، بدت منه عورة مستورة، أو ظهرت معه فيه منه عورة، لقول الله سبحانه: ? يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون ? [الأعراف: 26]. واللباس ما وارى العورات وغطَّاها، والرياش فزيادة اللباس على ما سترها وواراها، ومما أوجبنا له ذلك أيضا، ما أوجبه الله تبارك وتعالى منه على بني آدم ففرضه عليهم فرضا، فقال سبحانه: ? يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ? [الأعراف: 31].
فأمر تبارك وتعالى جميع الناس، بالأخذ عند كل مسجد لزينة اللباس، وفيما قلنا به من هذا من منزل القرآن، ما كفى وأغنى كل ذي رشد وإيمان.
ولا يجوز لأحد أن يصلي شيئا من صلاته بشيء سرقه من ماء ولا لباس، لأن الله سبحانه قد حرم الصلاة عليه به كما حرمها عليه بغيرها من الأنجاس.(2/426)


[الاحتلام]
ومن اجتنب في منامه، حتى يمني مما رأى في احتلامه، وجب عليه من ذلك الغسل في امنائه، ما يجب على اليقظان في إنزاله لمائه. ومن كان نائما فلم ينزل ولم يمن، أجزأه في ذلك كله من الوضوء ما يجزي كل متوض، فإن غشي أهله فأكسل ولم يمن، لزمه الغسل في ذلك كما يلزمه في الإمناء سواء، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: ( إذا التقا الختانان وجب الغسل )، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه ? ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا ?[النساء: 43]، والجنب فإنما هو الممني، المعرض لإمنائه عن أهله المنتحي، ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه:? والجار ذي القربى والجار الجنب ? [النساء: 36] ، والجار الجنب، فهو القاصي المنتحي بغير ما مرية ولا كذب، لا يمُتُّه بقربى وهي في الرحم مآسة، والإجناب فهو ما ذكره الله سبحانه من الملامسة، لأن الله سبحانه يقول تبارك وتعالى في هذه الآية، ما يدل على أنها الاجناب بغير شك ولا مرية: ? وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ? [المائدة: 6]. ولو لم يكن الاجناب هو ملامسة النساء، لما احتيج في هذه الآية إلى ذكر وجود الماء، فقال سبحانه :? فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا ?، وطيب الصعيد لا يكون قذرا ولا قشبا.
وسواء احتلم فأمنى في احتلامه. أو لامس النساء فأمنى في غير منامه، ومن اغتسل في اكساله، لم يكن مذموما على اغتساله.(2/427)


باب القول في السرقة
وأوجبنا على من سرق سرقة ألا يتوضا بها ولا يصلي فيها، لأنه عندنا في حكم الله ملعون عند الله بها وعليها، ومنهي منها أشد النهي من الله عن حبسها عن أهلها طرفة عين، ومحكوم عليه فيها بالقطع فيما شرعه الله من أحكام الدين، وكيف يجوز أن يصلي على سرقة ؟! أو في سرقة من سرقاته، أو يتوضأ بما قد سرقه، فيكون بما كان من وضوءه من ذلك، عند الله في أهلك المهالك، قد أحبط الله به عمله وأجره، وأبطل بما ركب من ذلك طهره، فلا وضوء ولا طهارة له، وكيف يكون طاهرا أو متطهرا وقد أبطل عمله، بما فارق فيه من التقوى، وركب فيه بما ركب من كبائر الأسواء، ولا يقبل الله إلا من المتقين، ولا يصلح الله عمل المفسدين، فعمله غوآء فاسد، وهو عن التقوى عاند.
وكيف يصلح الله وضوءه وطهره، وقد أحبطه الله ودمَّره ؟! وكيف يطيب ذلك أو يطهر به، وقد أبطل الله سعيه وعمله، فلم يتقبله جل ثناؤه عنه، ولم يصلح له ما عمل منه.
وكذلك، ومن ذلك، كل أرضِ مسجدٍ أو مكان ما كان أخذ من أهله غصبا، أو مسجد بني بمال سرق أو غلب عليه أهله من المؤمنين أو الذميين غلبا، فلا يحل لأحد أن يأتيه، ولا يَسَعُ مؤمنا أن يصلي فيه، لأنه اتُّخذ بكُفرٍ في دين الله ومعصية، وأُسس بأسباب لله سبحانه غير مرضية.(2/428)

171 / 201
ع
En
A+
A-