أدى، ولزمه - بتقصيره - إعادة ما صلى. ووجب عليه الوضوء لما ترك منه مستقبلا.
وتأويل الوضوء في اللسان فإنما هو الإنقاء، كما قلنا لكل ما وضي أو توضأ.(2/419)


باب القول في المشرك
وكذلك إن أصاب شيئا من جسده، مشرك بثوبه أو يده، فهو في النجاسة كغيره، ولن يطهر أبدا إلا بتطهيره، فإن سقط مكان ما أصاب المشرك بجسده أو ثوبه عنه، ولم يثبت ذلك المكان بعينه ولم يوقنه، كان عليه غسل جسده كله، ولم يطهر أبدا إلا بغسله.
وكذلك كلما أصاب ناحية من جسده من ميتة الأنعام، أو ذبيحة أُهلَّ بها لغير الله في حل أو حرام، والحكم عليه في غسله وتطهيره، كالحكم عليه فيما ذكرنا من غيره، يغسله من مكانه إن علمه بعينه، وإلا غسل له جميع بدنه.
ومن أوكد ما على مَن لمس كل مشرك أو ثوبه، أو مجلسه أو مركبه، وكل من يشآق الله سبحانه بكبائر العصيان أو يعصيه، فلا يجوز أن يتخذه مؤمن قِبلة أو سُترة، لأنه ليس بطاهر وليس ممن له طهارة، ولو طهر بالماء وتطهر فأكثر - ما عتا في أمر الله واستكبر - لأن الطهارة عند الله سبحانه طهران، أحدهما طهر النفس والآخر طهر الأبدان.
فطهر الأنفس قبل أبدانهها، هو برآتها من كبائر عصيانها.
وطهر الأبدان هو ما حددنا من الوضوء، فيما أمر الله سبحانه بغسله من كل عضو، فمن لم يطهرهما جميعا لم يكن طاهرا ولا مطهرا، ولم يجز لمؤمن أن يتخذه قبلة ولا سترا، وكذلك هو أبدا حتى يتوب إلى الله سبحانه ويرجع، ويقصر عن مشآقته لله سبحانه وينزع.
فهذا ما لله على المصلي إذا صلى، فرضا كانت صلاته أو تنفلا، في الطهارة من لدن بطن قدميه إلى حاق ذوائب رأسه، ثم لله عليه بعد هذا كله إذا صلى في لباسه، ألا يصلي فرضا ولا تنفلا في شيء منه، حتى تزول عنه كلما ذكرنا من النجاسة كلها عنه، وأن يكون اللباس مع زوال نجاسته، غير فاحش المنظر في وسخه ولا دناسته، فإذا أنقى اللباس كله من كل نجس، وبري من كل ما ذكرنا من فاحش الوسخ والدنس، وطهّر ما يتوضأ به من الماء، وكلما يتطهر فيه من إناء.(2/420)


[طهارة الماء والمكان]
وطهارة الماء أن لا يتغير ريح ولا لون ولا طعم، وطهارة الإناء ألا تكون فيه نجاسة تعلم، فإذا أتم المتوضىء وضوءه هذا كله، وقام بما لله عليه فيه فأكمله، فهو حينئذ الطاهر غير شك ولا مرية، ثم لله عليه بعدُ أن لا يصلي من بقاع الأرض إلا في بقعة نقية، ولا يستتر بسترة من حجر أو مدر، إلا أن يكون طاهرا من كل نجس أو قذر. فإذا أتم هذا كله من أمره، فقد أتم ما أمره الله سبحانه به من وضوءه وطهره، فغسل دبره وقُبُلَه، وأنقى ذلك منه كله، وطهر منه ما أمره الله سبحانه بتطهيره، وقدم ما أمره الله بالتقديم له في الطهارة على غيره، وكان تقديم ما قدم منه على غيره في التطهير، دليلا على حكمةِ مَن حكم بتقديمه في التدبير، وشاهدا على أن مَن حكمه متعالي من غفلة المغاليط، وعالما بفرقة بين المحآب في الأشياء والمساخيط.
ولتقديمه على غيره، ما أمر الله به من وضوءه وتطهيره، ما يقول الله سبحانه، ما أوضح أمره وبيانه: ? أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء? [النساء: 43، المائدة: 6].
فأوجب سبحانه على كل متغوط من الوضوء إذا وجد الماء، ما أوجب من الغسل إذا اوجد في ملامسة النساء، وقد يعلم أن المجيء للغائط قد يكون للخلاء والأبوال، كما قد يعلم أن الملامسة قد تكون للنساء من الرجال.(2/421)


وكيف لا يرون من لم يغسله عنه من مجرده وهو هنالك نجس غير متطهر، وهم يزعمون ألا طهارة لمن كان في جسده أو ثوبه منه أصغر أثر، أفيتنجس عندهم منه بالقليل الأصغر، ويطهر في حكمهم منه مع الكثير أكثر، فأي منكر أنكر ؟ عند من يعقل أو يفكر ؟! مما قالوا أو ذكروا، وقبلوا فلم ينكروا!! فلقد كان أهل الجالهلية الأولى، ومن كان لأكل الميتة مستحلا، وإنه ليغسل عنه في جاهليته أثر البول والعذرة، وكيف لا يغسله وهو يغسل تنظفا غيره من الأشياء القذرة، وهما أقذر الأقاذير قذرا، وأ نتنه ريحا وأقبحه منظرا. وإن كانوا أهل الجاهلية إذا طافوا ببيت ربهم، ليلقون ما عليهم من ثيابهم، تطهرا لله بطرحها في طوافهم، فأين هذا مما في أيدي الجاهلية من اختلافهم ؟ وما يقولون به في البول والقذرة على من مضى من أسلافهم، ويضللون من أتى وخلف بعدُ من أخلافهم ؟! فنعوذ بالله من الجهالة في دينه والعمى، ومن العبث بما قالوا لمن كان مسلما، فلو ما قيل به من ذلك في السلف، قيل به في مشرك كان مشهورا بأكل الجيف، لعده عيبا فاحشا كبيرا، ولو أن ما يأكل معه من الجيف صغيرا! فكيف يقال به أو بمثله في مسلم أو إسلام ؟! أو يُتوهم حكما أو جائزا عند ذي الجلال والإكرام ؟! وهو يحكم لا شريك له، على كل مسلم في الدم بأن يغسله، والدم أطيب ريحا وأنقى منظرا، وأقل - عند من يعقل أو لا يعقل - نتنا وقذرا.
وكذلك الخمر وما يلزم غسله من الأنجاس كلها، فليس منه شيء كالعذرة في نتنها وقذرها، ولربما ظننت أنه ما وضع هذا القول ولا أصَّله، إلا من كان يستحله الإسلام وأهلهُ، ممن وتره المسلمون والإسلام، وكانت عبادته في جاهليته الأصنام، وما أحسبه قيل قط إلا عنهم، ولا أخذته هذه العامة المتحيرة إلا منهم، اسعافا لهم وطمعا في الدنيا، وإيثارا منهم على البصيرة العمياء.(2/422)


[الاغتسال من الجنابة أو النفاس]
وعلى من تطهر مما أمره الله بالتطهرة منه من الملامسة والاجتناب، أن يغسل جسده كله جميعا ولا يلتفت فيتخفف إلا فيما تجوز الصلاة فيه من الثياب ، مع ما أوجب الله سبحانه عليه من اغتساله، بما كان أوجبه الله عليه قبل من الوضوء على حاله، لأن الله سبحانه قد فرض الوضوء أولا وحَكَمَه ، كما فرض من الغسل في ملامسة النساء عليه فلزمه، فجعل الله الوضوء عليه للصلاة واجبا، كما أوجب عليه الغسل من الجنابة إذا كان جنبا. وعليه أن يقدم من الوضوء عند اغتساله وتطهره، ما قدمه الله عليه وبيَّنه له فيه من أمره، فإن انتقص شيئا مما عددنا من هذا كله، في طهارة لباسه أو في شيء مما حددناه من وضوءه وغسله، كان منتقصا لما أمر به، وعاصيا ـ فيما انتقص ـ الله ربه، وكان عليه في ذلك كله الإعادة لما ترك، وإلا كان هالكا عند الله سبحانه بتركه له فيمن هلك، ومنتقصا بما ترك منه لأمر الله وعهده، ومتعديا لما حدد الله في الطهارة من حده.(2/423)

170 / 201
ع
En
A+
A-