في آل برمك عبرة وعجائب .... ومواعظ للعاقل المتزهد
ومعنى قوله عز وجل: ? أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها ? أي: رفع محلها وموضعها، والسمك: هو المحل المرتفع العالي، قال الشاعر:
إن الذي سمك السماء بنى لنا .... بيتا دعائمه أعز وأطول
معنى سمك السماء: أي رفعها، وقال آخر:
وما إن بيتهم إن عد بيت .... وطال السمك وارتفع البناء
ومعنى ? فسواها ?، أي: عدل صورتها وهيأها.
ومعنى ? وأغطش ليلها، وأخرج ضحاها ? فالإغطاش: هو الظلام.
ومعنى قوله: ? والجبال أرساها، متاعا لكم ولأنعامكم ? هو أسكنها وأثبتها وأهدأها، قال الشاعر:
ألقى مراسيه بتهلكة .... ثبتت رواسيها فما تجري
وفي هذا الكلام تقديم وتأخير، والتنزيل قول الله عز وجل: ? أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها، متاعا لكم ? فعل تمتيعا لكم، والتأويل والمعنى: هو أخرج منها ماءها ومرعاها، متاعا لكم والجبال أرساها، ولكن لا يجوز أن يقرأ كتاب الله إلا على ما أنزل الله سبحانه، وعز عن كل شأن شأنه، لأنه لم يفعل ذلك إلا لأسباب من الصواب، ولولا ذلك لبين جميع الكتاب.
ومعنى قوله عز وجل: ? فإذا جاءت الطامة الكبرى ? يعني القيامة، وإنما سميت طامة لعلوها ورفعتها، وهولها عند وقعها ووثوبها بغتة وسرعتها، وأصل الطم في الإرتفاع في الهواء سريعا معا، قال الشاعر:
أتاكم طم فوق كل طم
إذا العكاضي كثافي اليم
? يوم يتذكر الإنسان ما سعى ?، يريد: أنه يتذكر ما عمل في الدنيا، وأصل السعي هو الجد والإجتهاد، والإقبال والإدبار والتحدر والإصعاد، قال سيد العابدين علي بن الحسين صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين:
فإن امرأ يسعى لدنياه جاهدا .... ويذهل عن أخراه لا شك خاسر
ومعنى ? وبرزت الجحيم لمن يرى ? هو: أُخرجت وأُظهرت، ومعنى ? لمن يرى ? هو: لمن يرى عز وجل ويعلم أنه يستحق العذاب.(2/414)


ومعنى قوله: ? فأما من طغى ? هو جاوز الحد في ظلم نفسه بكفر أو فسق، ? وآثر الحياة الدنيا ? قدمها على الآخرة، ? فإن الجحيم هي المأوى ? أي: المَنْزِل والمحل والمثوى.
? وأما من خاف مقام ربه ? أي: موقفه الذي يقوم فيه العباد للحساب.
? ونهى النفس عن الهوى، فإن الجنة هي المأوى ? أي: نهى نفسه عن إتباع الهوى، فأما الهوى في نفسه فلا يقدر أحد على تركه ؛ لأن الهوى في ذاته إنما هو الشهوة، والشهوة لا يقدر أحد على تركها، وإنما يقدر على خلافها، ويمكنه الإمتناع من طاعتها، وهذا من الإختصار، وهو كثير موجود في القرآن، وهو عند أهله بيِّنٌ غاية البيان، فالحمد لله على ما علمنا من الفرقان، ونسأله أن يزيدنا برحمته من البرهان.
? يسألونك عن الساعة أيان مرساها ? أي: متى حلولها، وهجومها على البرية ونزولها ؟ وأيان في اللغة بمنزلة متى ؟ قال الشاعر:
أيان تدفع بالرماح عليهم
يا مال قبل منيتي وذهابي
ومعنى قوله: ? فيم أنت من ذكراها ?، يريد بذلك: التوقيف للناس على خوف رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وما هو فيه من الفزع والحزن عند ذكره لها، وعند ما يخطر على باله من هولها.
ومعنى ? إلى ربك منتهاها ?، أي: عند ربك نهايتها ووقت هجومها، وغاية ما يكون في آخر تلك الساعة، ومصير الأبرار إلى سعادتها، ومصير الفجار إلى إشقائها ونكدها، والساعة في تلك الواقعة التي يحكم الله فيها بين العباد، ويصير كل إلى داره التي يستحق بعمله من الضلال والرشاد.(2/415)


ومعنى قوله: ? إنما أنت منذر من يخشاها، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها ? يريد: كأنهم في ذلك اليوم لم يقيموا في الدنيا إلا عشية من عشاياها، أو ضحوة من ضحاها، لقصر ما فات من الدنيا، وكذلك الإنسان عند الموت والفناء، كأنه لم يعمر ولم يخلق، إلا في تلك الساعة التي يقبض فيها ويوثق، ولكن هذه البرية أبت إلا العمى، والتقصير عما أراد الله بها من اتباع الحكماء، ومالوا إلى اللعب والجهل والردى، وزهدوا في الحق والدين والهدى، فزادهم الله تبابا وبعدا، ولا وفقوا للخير أبدا.
إلى هنا انتهى تفسير شيخ آل الرسول القاسم بن إبراهيم عليه السلام، وعاقه عن التمام، شواغل منعته إلى أن نزل به الحمام، رحمة الله عليه.
وكل ما تقدم من رواية ابنه محمد بن القاسم عليهما السلام(2/416)


كتاب الطهارة
بسم الله الرحمن الرحيم
من الحجة ما كفى فكيف قلتم في طهارة هذه الأشياء، بخلاف ما قلتم به في طهارة الأعضاء، وأمر الله في الأعضاء وتطهيرها، أوكد من أمره في تطهير غيرها. هذا والله المستعان مما يناقض عليكم به أصولكم، وتأباه عليكم ـ إن أنصفتم أقل النصف ـ عقولكم.(2/417)


[الوضوء]
فعلى المتوضي إذا ابتدأ في الوضوء، وأخذ في غسل ما أمره الله به من كل عضو، أن يصب ـ إن شاء الله ـ على يده اليمنى من الماء، قبل أن يدخل يده فيما يريد أن يتوضأ منه من الإناء، فيغسلها بالماء حتى تنقى، من كل ما كان فيها من نجس أوأذى، ثم يغرف بها ويفرغها على يده اليسرى، فيغسل بها كل ما يحتاج إلى غسل، من كل ما أُمر بغسله من دبر أو قُبُل، حتى يطهر ذلك كله وينقيه، من كل نجس أو أذى كان فيه، ثم يغسل فرجه الأعلى، غسلا نظيفا طيبا، ثم انحدر فغسل فرجه الأسفل حتى يميط ما عليه من الأدران والأذى، ثم يتمضمض ـ إن شاء الله ـ ثم يستنثر بغرفة من الماء ـ يفرغها بيمنى يديه ـ واحدة، ولا يفرد ـ إن شاء ـ بغرفة الماء استنثارا ولا مضمضة على حدة، ثم يغسل بعدُ وجهه كله، اعلاه وجوانبه وأسفله، يبدأ في غسله لوجهه من أعلى جبهته، وأطراف ما طلع عليها من شعر رأسه وصدغيه إلى ما ظهر من لحيته، كلها على دقنه وأطراف لحيته، ويجمع لحيته عند ذلك في بطون كفيه، فإذا أتى على ذلك كله بما حددنا من غسله غسل ما أمر بغسله من يديه، إلى آخر مناهي ما حُدد له من مرفقيه، ثم يمسح برأسه وأذنيه، مقبلا في ذلك ومدبرا ببطون يديه، حتى ينقى الرأس والأذنان، مما عليهما من الأدران، فإذا فرغ من مسح الرأس والأذنين، غسل ما أمر الله سبحانه بغسله من الرجلين، فأفرغ عليهما بيديه أو بإنائه أو غيره إفراغا، وغسلهما بيسرى يديه غسلا منقيا سابغا، يأتي به على حدود مناهي الكعبين، ومسح باطن الرجلين، وظاهرهما بيسرى يديه، وخلل بالماء في إفراغه له ما بين أصابع رجليه، فإنهما أولى أعضائه كلها بالغسل والوضوء والتطهير، لمباشرته بهما الأماكن الدنس والأقاذير، يبدأ في غسله لرجليه بيمناهما، قبل غسله ليسراهما، فإذا فعل ذلك كله، فقد أتم بإذن الله طهوره وأكمله. ومن لم يغسل من ذلك كله، ما أمر الله بغسله، فهو عندنا في ذلك كمن لم يتوضأ، ولم ينتفع مع تركه لذلك بما(2/418)

169 / 201
ع
En
A+
A-