? في صحف ? في كتب مبيّنة، ? مكرمة ? معظمة، ? مرفوعة ? مصونة ? مطهرة ? مُنقَّاة من الدنس الذميم، ومخصوصة بكل فضل كريم، ? بأيدي سفرة ? الملائكة عليهم السلام، ? كرام ? مكرمين ? بررة ? صادقة القول، ? قتل الإنسان ما أكفره ? معناه: لُعن الإنسان ما أشرَّه ! والإنسان معناه: الناس، يخص بذلك كل كافر كما قال: ? يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ?. ? من أي شي خلقه ? معناه: على تقليل النطفة، في معنى أنها لا شيء فصار منها شيء.
وقوله: ? من نطفة خلقه ? تذكرة له، وتوقيفا فيما مَنَّ به من الحياة عليه، ? فقدره ? معناه: فسوَّاه وعدله، ? ثم السبيل يسَّره ? معناه: الطريق الواضح سيَّره وعرَّفه، ? ثم أماته ? حكم عليه بالموت غصبا، ? فأقبره ? دل على قبرانه في التراب، ? ثم إذا شاء أنشره ? معناه: حتى إذا شاء بعثه ليوم نشوره، ? كلا لما يقض ما أمره ? كلا في موضع نعم، حتى يقضي ما أمره، أراد يحاسب على ما أُمر به من الطاعة فيحاسب على ما فرط فيه، ويجازى بالحسنة فيه على ما فعله، وقد يخرج ذلك على معنى: لا ما قضى. معناه: ما فعل ما أمره ولكن قَصَّرَ فيه، وهل يكون أحد إلا وهو مقصر.(2/409)
رجع إلى التعريف والتذكرة ? فلينظر الإنسان إلى طعامه ? إلى مأكله، ? إنا صببنا الماء صبا، ثم شققنا الأرض شقا ? معناه: أنزل الماء من السحاب، وشق الأرض به، وبالإغتصاص بشربه ? فأنبتنا فيها حبا ? حبا من الحبوب، ? وعنبا ? من ألوان صنوف العنوب، ? وقضبا ? من القضوب، ? وزيتونا ? خاص بزيتون الشام ؛ لما فيه من البركة يروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ? ونخلا ? المثمر للتمر وهو هذا النخل، ? وحدائق ? حوائط من كل الفواكه، ? غلبا ? معناه: قوية تخرج من التراب على ثقله وتضعف نباته، حتى تصير قوية، ? وفاكهة وأبا ? الأب: الشجر هذا الثمام، الذي ينبت في الأسناد والآكام، ألا ترى أنه يقول: ? متاعا لكم ولأنعامكم ? الفاكهة لكم، والمتاع والأب لكم لأنعامكم.
قوله تعالى: ? فإذا جاءت الصاخة ? المسمعة المصخة للأنفس من هولها، وما يرى فيها من عظمها فتصيخ لها النفوس، ? يوم يفر المرء ? هو الإنسان ? من أخيه ? ? و ? من ? أمه ? معناه: والدته، ? وأبيه ? الذي أولده، ? وصاحبته ? زوجته، ? وبنيه ? أولاده، ? لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ? يعني: لكلٍ على قدر ما قدم وأسلف فيما غبر من الدهر، ألا ترى ما فسره حين قال: ? وجوه يومئذ ? معناه: وجوهٌ ذلك اليوم وهو يوم القيامة، ? مسفرة ? معناه: ناضرة مشرقة حسنة، وهي وجوه المؤمنين، ? ضاحكة مستبشرة ? يبين لك في وجه المسفر الضحك ولعله لا يضحك، ويبين لك في وجه الكافر البكاء ولعله لا يبكي، وبلى كم من باك ندامة ! وكم من ضاحك استبشارا بما بشر به من نعم الله التامة ! ومعنى ? مستبشرة ?: متباشرة بما قد رأت من علامات الخير.
? ووجوه ? معناه: وجوه الكفرة، ? يومئذ ? تقدم تفسيره، ? عليها غبرة ? يعني: القتام، يلحق وجوه الكفرة والإظلام، ? ترهقها قترة ? تلحقها وتعلوها قترة، والقترة فهي: الغبرة المقترة المهلكة الكريهة، وهذا جرم ما يكون من الكسوف على الوجوه من الظلمة.(2/410)
ثم بيَّن فقال: ? أولئك هم الكفرة الفجرة ? الكفرة: فهم الكافرون لأنعم الله، والجاحدون لربوبيته أيضا ؛ لأن الكفر كفران، كفر نعمة وكفر جحدان، وكل أولئك صائر إلى سخط في عذاب أليم، ? الفجرة ? معناه: الفجرة في الدين، وأهل الإطراح لحقوق رب العالمين، والإفتتان فيما لا يحل لهم [من] محارم خالق الخلق أجمعين، وقد يكون الفجور، الإرتكاب لأكبر الشرور، من الفسق وأخبث الأخباث، من الإتيان للذكران والإناث، مما لم يأمر الله به، ولم يسوغه في قرآنه ولم يثبته.(2/411)
تفسير سورة النازعات
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله سبحانه: ? والنازعات غرقا، والناشطات نشطا، والسابحات سبحا، فالسابقات سبقا، فالمدبرات أمرا ?.
النازعات فيما أرى - والله أعلم - : فهن السحائب المنتزعات لماء الأمطار من البحار والأنهار، ومما في الأرض من الندوة والبخار، وكذلك صح في الروايات والأخبار.
معنى ? غرقا ? مغرقات لما أمطرن، وكذلك المغرق من كل شيء أيضا: الناهي فيه، تقول: أغرق في النزع، وهن ? الناشطات ? في نزعهن ? نشطا ?، والنشط والإغراق: هو القوة في النزع والصب، ومما ينتزع من المنتزع صكا.
ومعنى تنشط الماء: فهو تحيده وتطلعه، ونشطا: مصدر كمصادر الكلام، ? والسابحات ? هن: السحائب يسبحن في الهواء سَبْحاً، كما يسبح في الماء من كان سابحا يمينا ويسارا، وإقبالا وإدبارا، كما أراد الله عز وجل وشاء.
? سبحا ? مصدر أيضا، وهن أيضا ? السابقات ? بالمطر والغيث برحمة الله وفضله، غير مسبوقات بإمساك الله للمطر لو أمسكه عن الأرض وأهلها بعدله، وقد يكون السابقات هو: البرق ؛ لأن البرق أسرع شيء خفقا، وأحثه اختطافا وسبقا، والسحائب أيضا فهي ? المدبرات ?، بما جعل الله من الغيث فيهن للشجر والثمار والنبات، وفيما ذكرنا من هذا أعجب عجيب، لكل ذي حكمة ونظر مصيب.
قيل: والمعنى فيه: ? المدبرات أمرا ? الملائكة.
? يوم ترجف الراجفة، تتبعها الرادفة ? الراجفة: القيامة، سميت راجفة لهولها، يقال: نزل ببني فلان رجفة، والرادفة: مردفة بهول يتبع هؤلاء.
? قلوب يومئذ ? ذلك اليوم، ? واجفة ? أراد مضطربة، ? أبصارها خاشعة ? منكسة، ? يقولون أئنا لمردودون في الحافرة ? أولئك الذين كانوا يقولون، أراد يكذبون بالرد لهم في الحافرة، هم الذين تخشع أبصارهم وتذل، والحافرة: التي تحفر على السرائر وتظهرها، ? إذا كنا عظاما نخرة ? تعجبٌ منهم أنهم لا يرجعون إذا صاروا عظاما نخرة، والنخرة: البالية الدامرة.(2/412)
ثم قالوا: ? تلك إذا كرة خاسرة ? أرادوا: نطفة خاسرة، رد الله تكذيب قولهم بقوله عز وجل: ? فإنما هي زجرة واحدة ? تحقيقا أنها كانت مثل للزجرة، الزجرة - والله أعلم - مثل مضروب للحياة بعد الموت، كما يفزع النائم بالزجرة من الصوت.
? فإذا هم بالساهرة ? المتعبة لمن هو فيها، تقول: فلان ألحق بالساهرة، أي لم يخبر به.
قوله عزل وجل: ? هل أتاك حديث موسى، إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى، اذهب إلى فرعون إنه طغى، فقل هل لك إلى أن تزكى، وأهديك إلى ربك فتخشى، فأراه الآية الكبرى ?.
قال: ? هل ? خبر من الله عز وجل، ولفظه لفظ الإستفهام، ومعناه التوقيف على الخبر والإفهام، كأنه قال: قد أتاك خبر موسى.
ومعنى ? إذ ناداه ربه ? فكذلك يقول الله ناداه، وأنه أوجد كلاما به خاطبه وناجاه.
والواد المقدس: هو المكرم المنزه المعظم، وهو طوى.
ثم قال: ? اذهب إلى فرعون إنه طغى ? أي: جاوز قدره وعلا وطمى، وخرج إلى الظلم والجهل والعمى، فقال: ? هل لك إلى أن تزكى ? هل لك هو: ترغيب في الخير والهدى.
ومعنى قوله: ? إلى أن تزكى ? هو: الترغيب في التزكي والطهارة من قذر الدنيا، وقبائح ما كان عليه من الكفر والردى.
ومعنى قوله: ? وأهديك إلى ربك ? أي: أدلك إلى ربك، فيدخل في قلبك الخوف لسيدك.
? فأراه الآية الكبرى ? أي: الدلالة العظمى، ومعنى قوله: ? فحشر فنادى ? أي: جمع أصحابه ثم نادى، ? فقال أَنا ربكم الأعلى ? والفاء بمنزلة ثم، لأنهما من حروف النسق والعطف.
ومعنى قول فرعون اللعين: ? أنا ربكم الأعلى ? يريد: أنا سيدكم الشريف المرتفع في القدر والعلا، والرب عند العرب: السيد، قال الشاعر:
أم غاب ربك فاعترتك خصاصة
يؤوب مؤيدا
فلعل ربك أن يؤوب مؤيدا
ومعنى قوله: ? فأخذه الله نكال الآخرة والأولى ? فالأخذ هو العذاب من الله عز وجل، عذب عدوه عذاب الآخرة والدنيا.
? إن في ذلك عبرة لمن يخشى ? هي: الموعظة والتذكرة، قال الشاعر:(2/413)