تفسير سورة الشرح
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته صلوات عليه عن تفسير: ? ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك ?.
فقال: ? ألم نشرح لك صدرك ? فشرحه هو توسيعه لصدره، صلَّى الله علَيهِ وآلِه، وفسحه لما كان يضيق عنه كثير من الصدور، فيما حمل من التبليغ والأمور، ومن شرح الله أيضا لصدره، تيسيره في الدين لأمره، وما أعطاه فيه من معونته ونصره.
? ووضعنا عنك وزرك ? فوزره، هو ثقله ووقره، والوقر من كل شيء فهو الحمل، والحمل من كل شيء فهو الثقل. وإذا قيل لشيء: أَوزَرَه وِزرَه، فإنما يراد بذلك حمَّله وِقْرَه، وما حمل من الأثقال كلها والأمور، فإنما يحمل منه الحاملون على الظهور، وكلما يعمله المرء من خيره وشره، فإنما يحمله على ظهره، كما قال سبحانه: ? قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ? [الأنعام: 31]، وقال سبحانه: ? وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ? [العنكبوت: 13]، يريد سبحانه: ما حملوه من كفرهم وفجورهم. وليس يريد بذلك حمل أحمال، ولا ما يحمل على الظهور من الأثقال، وإنما هو مَثلٌ يضرب، من الأمثال مما كانت تضربه وتمثله العرب، وكذلك ما ذكره الله من الشرح لصدر نبيه، وما نزل في ذلك من وحيه، فذكره سبحانه لما ذكر من إنقاض الوزر لظهره، وما وضع سبحانه لما ذكر من وزره، فإنما هو تمثيل، وبيان ودليل، فليس يريد بشرح الصدر، ولا ما ذكر من الحمل على الظهر، شرح شيء يقطعه، ولا حمل ثقيل يضعه، وما حمل رسول الله صلَّى الله علَيهِ وآلِه وسلَّم من وزر على ظهره، وذلك فلا يكون إلا من زلل وخطيئة في أمره، وَوَضعُ الله لذلك عنه، فهو حطه لما أثقله منه، وحط الذنب فعفوه ومغفرته، وقد غفر الله لرسوله ذنبه كله وخطيئته، كما قال سبحانه له، صلوات الله عليه [وآله] : ? إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك(2/399)
الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا ? [الفتح: 1 – 3].
وتأويل ? ورفعنا لك ذكرك ?، فهو رفعه لذكره، بما أبقى في الغابرين إلى فناء الدنيا من أمره وقدره، ومن ذلك النداء في كل صلاة باسمه، وما جعل ( من الشرف به لقومه، فضلا عما منَّ به على ذريته وولده، ومن يشركه في الأقرب ) من نسبه ومحتده، فنحمد الله الذي رفع ذكره، وشرَّف أمره.
ثم أخبر سبحانه في السورة نفسها من أخبار غيوبه خبرا مكررا، فقال تبارك وتعالى: ? فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا ?، فبشره بأن له مع عسره يسرا في دنياه، وأن له مع ذلك يسرا لا يفنى في أخراه.
ثم أمره سبحانه إذا هو فرغ من أشغاله، ومما يقاسي في هذه الدنيا من عسر أحواله، فقال عز وجل: ? فإذا فرغت فانصب، وإلى ربك فارغب ? والنَّصَبُ: فهو الاجتهاد، والجد والاحتفاد، كما يقال: اللهم لك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد. فذكر أنه لما أنزل على رسوله ما أنزل في هذه السورة من آياته، فعَبَدَ رسولُ الله حتى عاد كالشن البالي في عبادته، شكرا لله وحمدا، وتذللا وتعبدا.(2/400)
تفسير سورة الضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألت أبي صلوات الله عليه عن تفسير: ? والضحى والليل إذا سجى ? ؟
فقال: والضحى إضحاء النهار وشدة ضوئه وظهوره، وسجوُّ الليل: فتراكب ظلمته وتكوُّرِه، كما قال سبحانه: ? يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ? [الزمر: 5].
وتأويل: ? ما ودعك ربك وما قلى، وللآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى ?، فخبر من الله لرسوله، صلَّى الله علَيهِ وعلى آلِه، عن أنه وإن لم يعطه ما يعطيه ويكثره أهل الدنيا في دنياه، فما تركه فمن حسن النظر في ذلك له لا لبغضه وقلاه. والقالي: فهو الشاني، والشانئ: فهو المبغض، وكل ذلك فهو بغض، ولكنه آثره بكرامته له في آخرته على أولاه.
وأخبره سبحانه أن سوف يعطيه، من عطايا الآخرة ما يسره ويرضيه، ثم ذكَّّره سبحانه بفضله ونعمته، وبما مَنَّ به عليه من رحمته، فقال تبارك وتعالى: ? ألم يجدك يتيما فآوى، ووجدك ضالا فهدى، ووجدك عائلا فأغنى، فأما اليتيم فلا تقهر، وأما السائل فلا تنهر ?، وقد علم الناس أنه قليل من الأيتام من يُؤْوَى، ? ووجدك عائلا فأغنى ? فأغناه، بما لم يستغن به غيره في دنياه، ? ووجدك ضالا فهدى ?، فَهَدَاهُ بما مَنَّ به عليه من الهدى.
ثم نهاه تعالى عن اليتيم أن يقهره، وعن السائل أن ينهره، وأمره من الحديث بنعمة ربه بما به أمره، أن ذكَّرَه من اليتم والفاقة بما ذَكَّرَه، وقرر بمعرفة ذلك بما قرره، فقال تبارك وتعالى: ? وأما بنعمة ربك فحدث ?، تأويل ? فحدث ? فهو فَخَبِّر، وانشر ذلك واذكره وكثِّر، فكان بمن الله لما ذُكِّرَ به ذاكرا، ولنعم الله فيها كلها شاكرا.(2/401)
تفسير سورة الليل
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته رحمة الله عليه عن تفسير: ? والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى ? ؟
فقال: ? والليل ? وغشيانه، فهو ظهوره وإتيانه. وتجلي النهار فهو ظهور شمسه، على وحشه وإنسه، وبظهوره وتجليه، يعيش أهل الأرض فيه، ويتحركون وينتشرون، ويُقبلون ويُدبرون، كما قال الله سبحانه: ? وجعل النهار نشورا ? [الفرقان: 47]، فجعله برحمته لخلقه ضياء ونورا، ليبتغوا فيه كما قال سبحانه: من فضله، ولمنته على أهله: ? ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ? [القصص: 73]، فكفى بما في الليل والنهار من الدلالة على الله دليلا لقوم يتفكرون.
وتأويل ? وما خلق الذكر والأنثى ?، فهو وما خلق به كل ذكر وأنثى من الأزواج المختلفة الشَّتَّى، أزواج الإنس والبهائم والأشجار، وكلما خلقه زوجا من الأصول والثمار، فأقسم بما خلق به جميع خليقته، من قدرته وحكمته وَمَنِّه ورحمته.
وقد قال غيرنا: إن تأويل ? وما خلق ?، هو ومن خلق، يريدون أن القسم كان بالله، جلَّ ثَنَاء الله، وليس - والله أعلم - ذلك، في القسم كذلك ؛ لأن الله تبارك وتعالى أقسم بالليل والنهار فقدمهما في قسمه، ولو كان تأويل ما خلق: هو ومن خلق لبدأ، الله في القسم باسمه لجلاله وذكره، وعظم اسمه وكبره، ولكنه إن شاء الله كما قلنا.
ثم قال سبحانه: ? إن سعيكم لشتى ?، فجعل عملهم متفرقا متشتتا، لأن عمل المتفرقين، من المبطلين والمحقين، بر وفجور، وصدق وزور، فهو كله شتى متفرق، هذا باطل في نفسه وهذا حق، أما تسمع كيف يقول الله سبحانه في تشتته، وتباينه في الدنيا والآخرة وتفاوته: ? فأما من أعطى واتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى ? فإعطاؤه هو لما يجب من الحقوق عليه، واتقاؤه فهو فيما أمر بالتقوى لله [فيه]، ? وصدق بالحسنى ?، فهو: تصديقه بأن سيجزى.(2/402)
وتأويل ? فسنيسره لليسرى ?، فهو: سنصيره من الكرامة والثواب إلى ما سيراه عند موته وفي حشره، وما سيعاينه في الموت والحشر من أمره.
وتأويل ? وأما من بخل واستغنى ? بما يراه عند نفسه غنى من ماله وكسبه، وبخل منه به عن ربه، ? وكذب بالحسنى ? فتكذيبه بالحسنى، هو تكذيبه بما وعد الله أهل التقوى.
وتأويل ? فسنيسره للعسرى ?، هو: سنصيره من الإهانة والعقاب إلى ما سوف يرى
وتأويل ? وما يغني عنه ماله ?، فهو وما ينفعه في الغناء ماله، ? إذا تردى ? تأويله : إذا هلك وردي، بعد أن كان قد أرشد وهدي، وما أغناه من دنياه، و[ما] ملَّكه الله إياه، فجعله الله له، فهو لله قبله، ألا تسمع كيف يقول في ذلك تعالى: ? إن علينا للهدى، وإن لنا للآخرة والأولى، فأنذرتكم نارا تلظى ?، وما كان من النيران يتلظى، فهو أشدها لهبا وسعيرا، وأَنْكَرُها في الحَرِّ والتحريق مصيرا.
ثم أخبر تبارك وتعالى من يصلاها، والإصلاء: فهو التحريق فيها، فقال: ? لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى ? كذب بالجزاء والمثوى، وتولى عن البر والتقوى، ثم أخبر سبحانه أن سيجنب هذه النار المتلظية من اتقى فقال جلَّ ثَنَاؤُهُ: ? وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله ? يؤتي: يعطي ماله ? يتزكى ?، تأويلها: ليطيب بها عند الله ويَزَّكَّى، ? وما لأحد عنده من نعمة تجزى ?، تأويله يريد: يكأفأ، ? إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى، ولسوف يرضى ? بما يُعطى ويُجزى، إذ أعطى ما أعطى لابتغاء وجه ربه، وما أراد من رضاءه به.(2/403)