تفسيرسورة الكافرون
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته أيضا رحمة الله عليه عن تفسير: ? قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين ? ؟
فقال: أمر من الله جلَّ ثناؤه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لمن كفر بربه، ولم يوقن بما أيقن من توحيد الله به: لستُ أيها الكافرون بعابد ما تعبدون مع الله، ولستم عابدين من التوحيد بما أنا به عابد لله، وما أنا على حال بعابد لما تعبدون من الأصنام، ولا أنتم بعابدين لله بالتوحيد والإسلام، وكذلك من الله، الأمر فيمن أشرك بالله، ما كانت الدنيا والى يوم التناد، فليس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعابد لغير الله، ولا هم بالتوحيد لله بعابدين، والصدق بحمد لله ذي المن والطول، في ما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول به من القول، لا مرية في ذلك ولا شبهة، ولا يختلف فيه بمنِّ الله وجهة، ولذلك وَكدَّ فيه من القول ما أكد، وردد فيه من التنزيل ما ردد.(2/364)
تفسير سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته عن تأويل: ? إنا أعطيناك الكوثر ? ؟
فقال: تأويله: آتيناك، وآتيناك: هي وهبناك الكوثر، والكوثر: فهو العطاء الأكبر، وإنما قيل: كوثر من الكثرة، كما يقال: غفران من المغفرة، فعرَّف الله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وغيره من عباده، بما مَنَّ الله عليه من نعمته ومنّه وإرشاده، التي أقلُّها برحمة الله كثير، وأصغرها بِمَنِّ الله فكبير، لا يُظْفَر به إلا بِمَنِّ الله، ولا يُصَابُ أبداً إلا بالله.
وتأويل ? فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر ?: فأمرٌ منه سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يصلي صلاته كلها لربه، وربه: فهو الله تبارك وتعالى الذي أنعم عليه من النعم والكرامة بما أنعم به ؛ لأنه قد يصلي كثير من المصلين لغير الله مما يعبدون، ويصلي أيضا بعض أهل الملة بالرياء وإن كانوا يقرون ويوحدون.
وأمره سبحانه إذا نحر شيئا من النحائر قربانا لربه، ألا ينحره عند نحره له إلا لله وحده ربه ؛ لأنه قد كان ينحر أهل الجاهلية للأصنام والأوثان، ويشركون في نحائرهم بينها وبين الرحمن، ويذكرون أسماء آلهتهم عند نحرها، ويذكرون الله جلَّ ثناؤه عند ذكرها، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: ? ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه ? [الأنعام:121]، يعني اسمه خالصا، وما لم يكن له جلَّ ثَنَاؤُهُ من النحائر والذبائح خالصا.(2/365)
وأخبر سبحانه رسوله صلَّى الله علَيهِ وآلِه وسلَّم أن من شنأه فأبغضه من البشر، فهو مخذول ذليل أبتر، ليس له عِزٌّ مع بغضه له وشنئنه ولا مُنتَصر، إكراما من الله جل ثناؤه لرسوله، صلَّى الله علَيهِ وعلى آله، وإخزاء لمن شَنِئَه وأبغضه، ولم يؤد إلى الله في محبته فرضه، فنحمد الله على ما خص به رسوله من كراماته، وأوجب على العباد من محبته وولايته، وقد قيل: إن الكوثر نهر في الجنة خص الله رسوله به، وجعله جلَّ ثَنَاؤُهُ في الجنة له، وقالوا: إن شانئه الأبتر المذكور في هذه الآية قصده هو عمرو بن العاص السهمي خاصة، وتأويل ذلك إن شاء الله وتفسيره، هو كل من شَنئَه عمرو كان أو غيره.(2/366)
تفسير سورة الماعون
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته صلوات الله عليه عن تأويل: ? أرأيت الذي يكذب بالدين، فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين، فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون، الذين هم يرآؤن ويمنعون الماعون ? ؟
فقال: تأويل ? أرأيت ? هو تعريف، وتبيين من الله وتوقيف، لرسول الله صلَّى الله علَيهِ وآلِه، ولمن آمن بما أنزل من الوحي والكتاب إليه، لا رؤية مشاهدة وعيان، ولكن رؤية علم وإيقان، كما يقول القائل لمن يريد أن يعرفه شيئا إذا لم يكن ذلك الشيء له ظاهرا جليا: أرأيت كذا وكذا يعلم علمه، يريد بأرأيت توقيفه على أن يعرفه ويعلمه، على حدود ما فهمه منه وأعلمه، فأعلم الله سبحانه رسوله صلَّى الله علَيهِ وآله وسلم ومن نزل عليه معه وبعده هذا البيان، أن الذي يكذب بيوم الدين من الناس أجمعين، ويوم الدين: فهو يوم يجزي الله جلَّ ثَنَاؤُهُ العاملين، بما كان من أعمالهم، في هداهم وضلالهم، وهو يوم البعث حين يدان كل امرء بدينه، ويرى المحسن والمسيء جزاء العامل منهما يومئذ بعينه، وتكذيب المكذب بيوم الدين، فهو: ارتيابه وإنكاره فيه لليقين، وذلك، ومن كان كذلك، فهو الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين، ولارتيابه فيه وتكذيبه، ولقلة يقينه به، دَعَّ اليتيم ودَعُّه له: هو دفعه، عن حقه ومنعُه، وتكذيب المكذب بالدين، لم يحض غيره على إطعام المسكين، وفيه وفي أمثاله ما يقول الرحمن الرحيم: ? ويل للمصلين ?، يعني: من غير أبرار المتقين، وهم الفجرة الظلمة المنافقون، ? الذين هم ? كما قال الله سبحانه: ? عن صلاتهم ساهون ?، والساهون: فهم الذين هم عن صلاتهم ووقتها لاهون، ليس لهم عليها إقبال، ولا لهم بحدود تأديتها اشتغال، فنفوسهم عن ذكر الله بها ساهية، وقلوبهم بغير ذكر الله فيها لاهية، ? الذين هم يرآؤن ? وهم: المراؤن الذي ترى منهم عيانا الصلاة، وقلوبهم بالسهو والغفلة عن ذكر الله مُملاة.(2/367)
? ويمنعون الماعون ? هو ما جعل الله فيه العون من المرافق كلها، التي يجب العون فيها لأهلها، من غير مفروض واجب الزكوات، وما ليس فيه كثير مؤنة من المعونات، مثل نار تقتبس، أو رحى أو دلو يلتمس، وليس في بذله، إضرار بأهله، وكل ذلك وما أشبهه، فماعون يتعاون به، ويتباذله بينهم المؤمنون، ومانعوه بمنعه له مِنْ طالبه فمانعون، وهم كلهم بمنعه لغيرهم فذامون.
وما ذكر الله سبحانه من قوله: ? فويل للمصلين ? فقول لمن كان قبله، من ذكره بمنع الماعون، موصول في الذم والتقبيح، وما يعرف في التقبيح فصغيره صغيره، وكبيره كبيره، وكله عند الله فمسخوط غير رضي، وخلق دني من أهله غير زكي، تجب مباينته، ولا تحل مقارنته، إلا لعذر فيه بَيِّن، وأمر فيه نَيِّر، والحمد لله مقبح القبائح، والمنان على جميع خلقه بالنصائح، الذي أمر بالبيان والإحسان، ونهى عن التظالم والعدوان.(2/368)