إلا من كان مريدا فيه لربه، والحمد لله رب العالمين لا شريك له ).(2/359)


تفسير سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
سألت أبي رحمه الله عن قول الله سبحانه: ? قل هو الله أحد ? ؟
فقال: الأحد: هو الواحد.
وعن قوله سبحانه: ? الصمد ? ؟
فقال: الصمد: هو النهاية والمعتمد، الذي ليس وراءه مصمود، ولا سواه إله معبود، ? لم يلد ? تبارك وتعالى ولدا ؛ فيكون لولده أصلا ومحتدا، ? ولم يولد ? فيكون حدثا مولودا، ويكون والده قبله شيئا موجودا، ? ولم يكن له كفؤا أحد ? والكفؤ: فهو المثل والنظير، والأحد: فهو ما قد تقدم فيه منّا البيان والتفسير، فهو الله الأحد الواحد الذي ليس كالآحاد ؛ فيكون له ند في وحدانيته من الأنداد، وأنه هو الأحد الصمد، والنهاية في الخيرات والمعتمد، الذي ? ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، يعلم ما في السماوات والأرض وهو العليم الخبير ? [ الشورى:11- 12].(2/360)


تفسير سورة المسد
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته رحمة الله عليه عن قوله: ? تبَّت يدا أبِي لهبٍ وتبَّ ? ؟
فقال: أبو لهب: هو عبد العزى بن عبد المطلب، وتأويل ? تبت ? فهو: خابت وخسرت، فيما رَجَتْ وقدَّرت. واليدان: فهما اليدان المعروفتان، وهما مَثَلٌ قد كان يضرب به لمن خاب وخسر فيما يطلب، ? وتب ? يعني: أبا لهب كله، فيما عليه من أمره وماله.
? ما أغنى عنه مالُه وما كسبَ ? تأويله: ما أجزأ عنه ماله وكسبه إذ هلك عند الله سبحانه وعطب بضلاله، وسيء أعماله.
? سيصلى ناراً ذات لهبٍ ? وذات اللهب من النيران: فهي ذات التوقد الشديد والإستعار، ? وامرأته حمَّالة الحطب ?، تأويله: فقد تبت امرأته معه تَبَابَه في الهلكة والعطب، وتأويل ? حمالة الحطب ?، فقد يكون: حملها للنمائم والكذب، الذي كانت تكذبه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتأتي به زوجها وتنقله إليه، وتنقله إلى غيره ممن كان من الكفر في مثل ما هي وما هو فيه، لتفسد بكذبها وتغري، وتكثر نمائمها وتسري، على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله، كما يكثر ويسري الكذوب النمام ? في جيدها حبل من مسد ? وجيدها: فهو عنقها، والجيداء من النساء: فهي التي قد تم في طول العنق خلقها.
وتأويل ? حبل من مسد ?، فهو: الحبل الوثيق المحصد، وقد يكون حبل من قِدّ، والقدُّ: فقد يكون من جلود الإبل، وهو أوثق ما يكون من الأحبال، وهو مَثلٌ يضرب لمن يحمل كذبا أو زورا، ليلقي به بين] الناس عداوة وشرورا.
وقد قال بعض من فسر فيما ذكرنا من امرأة أبي لهب وأمرِها: إن تفسير حملها للحطب إنما كانت تحمل الشوك فتطرحه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ممره ومسلكه، وقالوا: إن ? حبل من مسد ? هو حبل من ليف.(2/361)


تفسير سورة النصر
بسم الله الرحمن الرحيم
وسألته أيضا رحمة الله عليه عن قول الله سبحانه: ? إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا ? ؟
فقال: تأويل جاء: هو أتى، وتأويل النصر: هو ما يفعل من الظهور والقهر، والفتح من الله فهو: حكم الله بالإمضاء، فيما حكم به وأوجبه من الجزاء، لمن أحسن بإحسانه، ومن عصى بعصيانه، وهو الذي طلب شعيب عليه السلام ومن آمن معه من الله فقالوا: ? ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ?[الأعراف:89]، يريدون احكم بيننا وبينهم بالحق يا خير الحاكمين، فاجزهم جزاءهم، وعجل إخزاءهم.
وتأويل ? ورأيت الناس ? فهو: رؤيتهم يدخلون، فيما جئت به من الملة والدين. والأفواج من الناس: فهو ما يرى من الجماعات، التي تأتي من القبائل والنواحي المختلفات، شبيه بما كان يفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وفود القبائل والبلدان، من عقيل وتميم وأهل البحرين وعمان، ومن كل الأمم فقد كان وفد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقدم، فآمن بالله جل ثناؤه وبرسوله وأسلم.
? فسبح بحمد ربك ? تأويل فسبح: فاخشع واشكر لله حامدا له فيما يرى بعينه، من إظهار الله له ولدينه، وصدق وعده في إظهاره على من ناواه، وما أراه من ذلك بنصره له بكل من والاه، في أيام حياته، وقبل حِمَامِ وفاته.(2/362)


وتأويل ? واستغفره إنه كان توابا ? فأمره بالإستغفار، إذ تم ما وعده الله من الإظهار، وتأويل التواب: فهو العوَّاد بالرحمة، وبالنعمة منه بعد النعمة، وقد ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أنزلت ? إذا جاء نصر الله والفتح ? إليه وأُمر فيها بالإستغفار، ورأى ما رأى من الإظهار، قال عليه السلام: (نعيت إليَّ نفسي وأخبرت بعلامات موتي)، فصدق في ذلك كله نصر الله من الله الخبر، حين أتاه من الله الفتح والنصر، فتوفي صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرا منصورا، وقبضه إليه بعد أن جعل ذنبه كله له عنده مغفورا، وفي ذلك ما يقول الله سبحانه فيه، صلوات الله عليه: ? إنا فتحنا لك فتحا مبينا، ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما، وينصرك الله نصرا عزيزا ? [ الفتح: 1-3]، فنحمد الله على ما خصه في ذلك من نعمائه، ونسأل الله أن يزيده في الدنيا والآخرة من كراماته.(2/363)

158 / 201
ع
En
A+
A-