أيها الخاطئون العاصون، أيها المفسدون، أيها المذنبون، مالكم لا تتوبون ؟! مالكم لا ترجعون ؟! ( مالكم لا تخافون ؟ أمعكم صبر على النار ؟ ألكم في ذلك اعتذار )، ألا تخافون نار الجحيم ؟! وشراب الحميم ؟! وطعام الزقوم ؟! ولباس القطران ؟! ألا إن جهنم حرها لا يبرد، وعذابها لا ينفذ، ولهبها لا يخمد، إلى كم هذه الغفلة ؟! ( كم تنقضون العهود ؟ كم تَعَدَّون الحدود ؟ ) كم تعصون المعبود، ارجعوا إلى الله في وقت المهَل، قبل أن ينقطع الأجل ويرفع العمل، فإن الله يقبل التوبة، ويمحو الحوبة. التوبة تمحو عظائم الذنوب، وتقرب العبد إلى علام الغيوب، توبوا إلى الله قبل أن يغلق الباب، ويحصل الحساب، ويقع العذاب، احذروا الله، خافوا الله، راقبوا الله، بادروا بالتوبة قبل الندم، قبل زلة القدم، قبل الأخذ بالكظَم.
تب أيها العاصي، قبل أن تصبح من رحمة الله قاصي، قبل الأخذ بالنواصي، ارجعوا إلى الله بالقلوب، من قبل أن يكون الباب محجوب، أَيْ أهل التوحيد، تقربوا إلى الملك الحميد، تنجوا من العذاب الشديد، يا أهل القرآن تقربوا بالقرآن، إلى الملك الديان، تنجوا به من عذاب النيران، هو الشفيع فيكم، هو الرفيق لكم، هو الشاهد عليكم، هو الدليل، هو السبيل، هو الحجة، هو المحجة، اعرضوا أعمالكم عليه، وردُّوا أقوالكم إليه، أكثروا قراءته بالليل والنهار، وفي وقت الأسحار، فإن الملائكة معكم عند قراءته قعود، وعلى ما تنطقون به شهود.
لا تُخسروا الميزان، لا تحلفوا الأيمان، لا تذكروا البهتان، لا تبخسوا المكيال، لا تشِيبُوا الأعمال، لا تصحبوا الأنذال، لا تضيعوا الصلاة، لا تغلُّوا الزكاة، لا تحلوا المحرمات، لا تؤذوا الجيران، لا تطيعوا الشيطان.
أيها المضيعون للصلوات، توبوا إلى المطلع على أعمالكم في الخلوات، أيها الخائن بالعين والفؤاد، تب إلى الملك الجواد، قبل أن يُسلط عليك ملائكة غلاظ شداد.(2/329)


أيها المؤذي للجيران، تب إلى الملك الديان، قبل سرابيل القطران .
أيها المانعون للزكوات، توبوا إلى الله ( قبل نزول النقمات والسطوات. أيها المتبعون للشهوات، توبوا إلى الله ) من اكتساب السيئات، وتضرعوا إليه بالدعوات.
يا صاحب الكذب والزور، تب إلى الله قبل الويل والثبور. أيها الباهت المغتاب، تب إلى الملك الوهاب، قبل أن تذوق أليم العقاب. أيها الحالف بالأيمان، تب إلى الله قبل نزول النيران.
وقال في ذلك:
أسلفت من عمرك ما قد مضى .... منهمكاً في غمرات الخطل
حتى إذا القوة زالت وقد .... أقعدك العجز وحل الفشل
تبت إلينا في صدار الحيا .... مستعجماً فيك فنون الخجل
فأنت عندي بمحل الرضى .... وقد غفرنا لك كل الزلل
وقال آخر:
إذا لم تصن عرضا ولم تخش خالقا .... ولم ترض مخلوقا فما شئت فاصنع
وقال غيره:
إذا أمسى وسادي من تراب .... وبت مجاور الرب الرحيم
فهنأني أصيحابي وقالوا .... لك البشرى قدمت على كريم(2/330)


[صفات التائب]
قال الوافد: صف لي هيئة التائب ؟
قال العالم: هيئة التائب، العزم على أن لا يعود، إلى عصيان المعبود، ويأسف على ما اقترف، ويندم على ما أسلف، ويرجع مما عرف، يندم بالقلب، على ما قدم من الذنب، يرجع إلى اليقين، ويبكي ويستكين، يكثر الصوم، ويقل النوم. فهو مشفق من عصيانه، مطرق بين إخوانه، ظاهر خشوعه، متبادر دموعه، منقطع كلامه، قليل منامه، دائم كرمه، مستهام قلبه، يسيرٌ أكله، كثير شغله، صحيح قوله، لا ينقض عهده، ولا يخلف وعده، ولا يمنع رفده، يطلب خلاصه، ويعرف انتقاصه، إن طلبته وجدته في فكرته، وإن سألته خاطبك بعبرته، لا تسكن حرقته، ولا تزول رقته، ولا تكف دمعته. من رآه انتبه من غفلته، ومن جالسه تاب من زلته، فهو حقير في نفسه، غريب في أهل جنسه، كريم على ربه، نادم على ذنبه، ملتمس لما به، طامع في ثوابه، رافض لأسبابه، باكي على شبابه، كثير الوجع، عظيم الفزع، متين الورع، ظاهر خشوعه، غزير دموعه، صادق رجوعه، معتبرٌ متفكرٌ، شاكرٌ ذاكرٌ، خجلٌ، وجلٌ، واجدٌ، ساجد، تضيق به البلاد، ويسأم من صحبته العباد، ينتظر المعاد، ويطلب تحقيق الوداد، جهده شديد، وعمله كل يوم يزيد، وحزنه في كل نَفَس جديد، يتجرع الغصص، ولا يطلب الرخص، دائم الطلب، ملازم الكُرب، مواضب على التعب، رافض للطلب، ظاهر الحزن والنَّصَب، ضيق الأوقات، مغتنم الساعات، قليل الإلتفات، حذر من كل الجهات، ماله هدوء ولا سكون، خائف غير أمون، وجِلٌ محزون، كأنه مقيد مسجون، لونه أصفر من هيبة الرحمن، ونفسه ذائبة من خوف الهجران، نحيف البدن، خفيف المؤن، سقيم الأركان، سليم الجَنان، مستقيم اللسان، حريص على طلب الجِنان، لا تصده العوائق، ولا يُبالي بالخلائق، منقطع من العلائق، متمسك بالحقائق، فهو في الطلب، إلى أن يصير إلى الطرب، وينجو من التعب.(2/331)


قال الوافد: بئس العبد عبد سها ولها، ( بئس العبد عبد طغى وبغى، بئس العبد [عبد] جاوز الحد وتعدى )، بئس العبد عبد ظلم واعتدى.
أيها العالم الحكيم، والسيد الحليم، قد وصفت أهل النجاة، فأبلغت في الصفات، وحذرت مما هو آت، فجزاك الله عني خيراً، وبوأك سرورا.(2/332)


[صفات المحب لله]
صف لي المحب لربه ؟ النادم على ذنبه ؟
قال العالم: أوصاف المحبين: يحبهم الله ( كرماً، ويحبونه ألماً، يحبهم إرادة، ويحبونه عبادة، يحبهم رحمة، ويحبونه خدمة، يحبهم تفضلا، ويحبونه تذللاً )، إذا أحبك سترك، وإذا أحببته قربك وشرفك، إذا أحبك أغناك، وسترك وآواك، المحب عينه لا تنام، همته الصلاة والصيام، أهل المحبة إذا جنَّهم الليل أَرِقُوا، وإذا أضاءهم الصبح فَرَقوا، وإذا قُرئ القرآن صاحوا، وإذا ذكروا ذنوبهم ناحوا، ( من كان بالله أعرف، كان من الله أخوف، من رجا طلب، ومن أحب تقرب، ومن خاف هرب، ينام الناس ولا ينام، ويضحك الناس ولا يضحك، المصاب الذي يدعو ولا يجاب، الأحزان تهد الأركان، وتشيد الإيمان )، إن الله يحب كل قلب حزين، الحزن عمارة القلب الخراب، المحزون يفتح له الباب، كلام المحزون في خلوته يقول: كأني بك وقد تجرعت مرارة المذاق، وقيل: إلى ربك المساق، كأني بالغطاء وقد كشف، وبالعطاء وقد صرف، كأني بالوعد وقد اقترب، وبالوعيد وقد وجب، كأني بك في اللحود، مُضَِاجع للدود، كأني بالمظلوم، وقد تعلق بالظالم، كأني بهذا الضياء وقد أظلم، وبهذا العمر وقد انصرم، كأني بالمنادي وقد نادى، وبالليل والنهار وقد بَادَا، ( كأني بهذا الجسد وقد ذهب عنه النشاط، وطوي من تحته البساط ).
قال الوافد: صف لي التجربة ؟
قال العالم : تصحب أهل المعرفة، وتحفظ التجارب حتى تكون معلم التجربة، واطلب مرادك بالصدق، لأن ذلك للصادقين المريدين لله.
قلت: فبأي شيء أجد الإرادة ؟
قال: بالصدق واستماع الحكمة.
قلت: أي حكمة ؟
قال: حكمة الذين يدعونك إلى رب العالمين.(2/333)

152 / 201
ع
En
A+
A-