وصحيح أضحى يعود سقيما .... وهو أدنى للموت ممن يعود
وصبي من بعدهم لحقوهم .... ضل عنهم نزولهم والصعود
أين أهل الديار من قوم نوح .... ثم عادٍ من بعدهم وثمود
بين ما هم على النمارق والد يباج .... أفضت إلى التراب الخدود
ثم لم يَنقضِ الحديث ولكن .... بعد ذاك الوعد ثم الوعيد
فأجابه العالم وهو يقول:
أفنيت عمرك إدباراً وإقبالاً .... تبغي البنين وتبغي الأهل والمالا
فالموت هول فكن ما عشت ملتمسا .... من هوله حيلة إن كنت محتالاً
فلست ترتاح من موت ومن نصب .... حتى تعاين بعد الموت أهوالا
أملت بالجهل عمراً لست تدركه .... والعمر لا بد أن يفنى وإن طالا
كم من ملوك مضى ريب الزمان بهم .... قد أصبحوا عبرا فينا وأمثالا(2/304)
[الصلاة معراج المؤمن]
قال الوافد: حد لي الصلاة يرحمك الله ؟
قال العالم: الصلاة صلة بين العبد والرب، وستر للعيب وكفارة للذنب، الصلاة صلة بلا مسافة، وطهارة كل خطيئة وآفة، الصلاة مواصلة ومصافاة، ومداناة ومناجاة، المصلي يقرع باب الله ويطمع في ثوابه، وهو على بساط الله عز وجل.
إذا كبر العبد تكبيرة الإحرام، تساقط عنه الأوزار والآثام، وإذا توجه العبد إلى القبلة، فقد أبدى من نفسه الخضوع والذلة، واتبع الشرع والملة، إذا أخلص العبد في الصلاة بنيته، كفر الله عنه ذنبه وخطيئته، وأجزل له عطيته، وإذا أخلص العبد القراءة والتلاوة، سطع في قلبه النور والحلاوة، وإذا قرأ الفاتحة، أدرك الصفقة الرابحة، وإذا أتبعها بالسورة، كثر في الآخرة سروره، وكفاه الله محذوره، وإذا انحنى للركوع، فقد أظهر لله الخضوع، وإذا قام للإعتدال، فقد نفى عنه الإشتغال، وإذا هوى للسجود، فقد خرج من الجحود، واستحق من الله الجود، وإذا تشهَّد على التمام، سلَّمت عليه الملائكة الكرام، وبشروه بدار السلام.
الصلاة شرح الصدور، وفَرَجٌ من جميع الأمور، الصلاة نور في الفؤاد، وسرور يوم المعاد، الصلاة للقلوب منهاج، وللأرواح معراج، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتؤمِن صاحبها من نكير ومنكر، الصلاة تغني من الإفلاس، وتُلبس العبد الإيناس، الصلاة قرة العين، وجلاء الرَّين، المصلي على بساط المولى، يناجي الملك الأعلى.
الصلاة ضياء في الصدور، وفسحة في القبور، وبهاء في الحشر والنشور، الصلاة تُجوِّز على الصراط، وتورث في قلب صاحبها النشاط، الصلاة تنزع قساوة القلوب، وتكفر الذنوب، الصلاة تسهل العسير، وتمحو الذنب الكبير، الصلاة توسع الأرزاق، وتطيب الأخلاق، الصلاة تقرب العبد إلى المولى، وتؤمنه من البلوى . من لزم المحراب قرع الباب، ومن قرع الباب أتاه الجواب، صحة الإرادة، لزوم المساجد للعبادة.(2/305)
الصلاة تخفف الأوزار، وتؤمن من النار، أقرب ما يكون إلى ربه مَن سجد وقام، وزكى وصام، لو علم المصلي مَن يناجي لما التفت في صلاته، من سهى في صلاته فقد ضيع أشرف أوقاته.
اخضع لربك في الصلاة ذليلا .... واذكر وقوفك في الحساب طويلا
لو علمت بين يدي من تقوم، كنت تلازم بابه وتدوم.
عجبا لمن يناجي القاهر! كيف يُخطر في قلبه الخواطر، ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل، ولا تُرفع صلاته إذا غفل، عفِّر وجهك بالتراب، فلعله يفتح لك الباب، أحضر في الصلاة باطنك، كما أحضرت ظاهرك، طهِّر قلبك، كما تطهر ثيابك.
عجبا ممن يسأل الخلق! وباب مولاه مفتوح لكل سائل! عجبا ممن يتذلل للعبيد! وله عند سيده ما يريد، من أطال لله القيام، أزال عنه الأوزار والآثام، من أخَّر الصلاة عن الأوقات، من غير علة من العلات، حرم الخيرات والصالحات، مَن ترك الصلاة إلى الليل، حلَّ به الذل والويل، من حافظ على الصلوات، تتابعت عليه الخيرات، ورُفعت له الدرجات، وصُرفت عنه النقمات.
من لم تكن الصلاة من باله وعزمه، لم يُبَارَك له في رزقه وتركه الله بهمِّه، مَن ضيَّع صلاته لم تقبل حسناته، وكثرت عند الموت سكراته، من غفل عن الصلاة والذكر، ضيق عليه في القبر، الصلاة عمود الدين، وتمامها صحة اليقين.(2/306)
[قيام الليل]
قال الوافد: ما للذي يقوم الليل ؟ صف لي ثوابه ؟
قال العالم: من قام الليل وسهر، نجاه الله من الأمر العسر، من خاف البيات، لم تغلبه السيئات، من حذر الحِمام، شرد عنه المنام، من اغتنم الليالي والأيام، لم يقطعها بالبطالة والمنام، ( من أطال الرقاد، فقد طمس النور من الفؤاد، من دام رقاده، عدم مراده )، مَن أَلِفَ الوطا والمهاد، خرج إلى الآخرة بغير زاد، مَن تعوَّد الوسادة، لم يؤد حق العبادة، من خاف اللحد، لم ينم على الخد، من عصى مولاه، كانت الجحيم مأواه، من فزع من يوم القصاص، تضرع إلى ربه بالإخلاص، من تحقق أن الرب مطلع في المعصية عليه، أسبل الدموع على خديه، من علم أن إلى ربه مرجعه، هجر في الليل نومه ومضجعه، من تحقق أن إلى ربه الرجوع، أكثر من السجود والركوع، ( من تفكر في قبيح الرجوع، شرد عن عينيه الهجوع، وأسبل من مقلتيه الدموع )، مَن علم أنه مأخوذ مطلوب، كان له في الليل تهجد وهبوب، ( من عرف عصيانه، داوم أحزانه، من داوم أحزانه، لم تنطبق بالليل أجفانه )، من غلب على قلبه الحزن، منع من عينيه الوسن، من تحقق الإفلاس، شرد عنه النعاس، من علم أن الله يدعوه، لم يزل يخافه ويرجوه، فإن الله تعالى يقول: ( هل من داع فأجيب ؟ هل من مطيع فأثيب ؟ هل من متقرب فإني منه قريب ؟ هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من سائل فأُفضِل عليه، هل من متوكل فأسوق الرزق إليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من مستعين فأعينه ؟ هل من مستجير فأجيره ).
يا أهل الليل أبشروا بالسرور والجمال، يا أهل الليل كفيتم جميع الأهوال، ( يا أهل الليل أمنتم الأفزاع والأشغال )، يا أهل الليل تقر أعينكم عند انقضاء الآجال، يا أهل الليل أكثروا التضرع والإبتهال، فقد اطلع عليكم الكبير المتعال، يا أهل القرآن تهجدوا بالقرآن، يا أهل القرآن معكم الدليل والبيان، من سهر الليل وقام، وتجوَّع بالنهار وصام، كان مقامه في الآخرة خير مقام.(2/307)
يا أهل الليل قد أغلقت الملوك أبوابها، وطاف عليها حجابها، وطلبت كل صحبة أصحابها، وأرخى أهل المعاصي أستارها، وأنا الملك الجبار، ( العزيز الغفار الستار، أعطي عبادي، وأزيد أهل ودادي، ومن يختار على مراده مرادي )، أقول: يا عبادي، يا أهل ودادي، أبشروا بودادي، والثواب في معادي.
قال الوافد: ما أجرأ العباد على المعاصي! فلم يخافوا الأخذ بالنواصي. كم تغفل وتنام، وتظلم الأيتام، كأني بك وقد عافصك الحِمام، وأنت غافل في ألذ منام، يا من هو مقيم على القبائح والآثام، أما تخاف انقطاع الأيام، وحلول الحِمام، وشهادة الملائكة الكرام ؟!
قال العالم: في الليل يقرع باب الوهاب، في الليل خلوة الأحباب، في الليل تقبل توبة من تاب، في الليل يستغفر مَن بهت واغتاب، في الليل يُعمر القلب الخراب، في الليل يأتي الجواب، الليل لأهل الصلاة والمحراب.
يا أهل الأسحار لكم الأنوار، ( يا أهل الليل خففت عنكم الأوزار، يا أهل الليل أبشروا برضى الجبار، ومرافقة الأبرار، يا أهل الأسحار )، أَقبِلوا على الإستغفار، في صلاة الليل، النجاة من الويل، في المناجاة نجاة، في الصلاة صِلاة، هلموا فهو ذو الإجابة، أقبِلوا فهو ذو الإنابة، اعملوا بالصواب، يفتح لكم الأبواب، ( أطيعوا فهو يضاعف لكم الثواب).
سلوا الأمان، يا أهل الإيمان، تضرعوا إلى الحبيب، فهو من المتضرعين قريب، ارجعوا إليه يكن لكم من كل خير نصيب، السهر السهر، يا من هو على سفر، الإدلاج، يا طالب المنهاج، البكور البكور، يا من يريد السرور، الأسحار الأسحار، يا من أكثر الأوزار، ( الضراعة الضراعة، يا من كثر منه الإضاعة).(2/308)