[الجنة والنار]
قال العالم: كيف يصنع من وُعد بهذين الدارين ؟
قال الوافد: ينبغي لمن وُعد بهذين الدارين أن ينظر إليهما، ويتصور ما وعد الله فيهما لأهلهما، ثم ينظر إلى الجنة وقصورها، وما وصف الله فيها من النعيم المقيم، والفواكه والأزواج من الحور الحسان، والأكاليل والتيجان، والأنهار الجارية، والأثمار الدانية، والسرر المصفوفة، والزرابي المبثوثة، وأسبابها ولباسها، وفراشها وحجراتها، وطعامها وشرابها، ونعيمها ودوام ذلك فيها، فيخاف أن لا يكون من أهلها، فهنالك تتتابع زفراته، وتكثر حسراته، وتفيض عبراته، ويطيع ربه ويعصي هواه، ويترك دنياه، ويطلب آخرته، ويعلم يقيناً أن إلى الله مصيره.(2/259)


[معارف الحكماء]
قال: فلما انتهى الكلام منهما إلى هذا الحد، وعلم العالم أنه ذو فطنة ونباهة ونبالة، ونظر وتمييز، ورغبة في طلب العلم سأله لينظر معرفته.
قال العالم: من أين ؟
قال الوافد: من فوق الأرض ومن تحت السماء.
قال العالم: كم لك ؟
قال: كذا وكذا سنة.
قال له العالم: ما ترى ؟
قال: أرى أرضاً وسماء، وما بينهما.
قال: فما ترى في السماء ؟
قال: أرى شمساً تحرق، وقمراً يشرق، ونجوماً تزهر، وماء يمطر، ورياحاً تذري، وسحاباً يجري، وطيراً يهوي، وليلاً ونهاراً، وأياماً مختلفة.
قال العالم: فما ترى في الأرض ؟
قال الوافد: أرى براً وبحاراً، وسهولاً وأوعاراً، وتراباً وأحجاراً، وأثماراً وأشجاراً، وأنهاراً وقراراً.
قال العالم: فكم الدنيا ؟
قال الوافد: ليلٌ ونهار.
قال العالم: فكم الخلق ؟
قال: ذكر وأنثى.
قال العالم: فكم الناس ؟
قال الوافد: الناس أربعة: واحد فيه خير وشر، والثاني شر بلا خير، والثالث خير بلا شر، والرابع لا خير فيه ولا شر.
قال العالم: فكم الناس وما هم بعد ذلك ؟
قال الوافد: نُبل وسَفَل، فلا النبل لهم قدر عند السفل، ولا السفل لهم قدر عند النبل.
قال العالم: فكم الكلام ؟
قال الوافد: أربعة: خطاب، وجواب، وخطأ، وصواب.
قال العالم: ففيم العجب ؟
قال الوافد: في سبعة.
قال العالم: من هم ؟
قال الوافد: عبد عرف الله وعصاه، وعرف الشيطان وأطاعه، وعرف الدنيا فجمع لها، وذكر الموت فطابت نفسه، وعرف الآخرة فبغضها، وعرف الجنة فلم يرغب إليها، وعرف النار فلم يرهبها.(2/260)


[الإيمان]
قال العالم: فما خير الأشياء ؟
قال الوافد: خير الأشياء الإيمان بالله، والملائكة، والكتاب، والنبيين.
قال العالم: كم شهود الإيمان ؟
قال الوافد: أربعة شهود: محكم الكتاب، ومحكم السنة، وحجة العقول، وإجماع الأُمة.
قال العالم: وما هو ؟
قال الوافد: عمل، وقول، واعتقاد.
قال العالم: وكيف ذلك ؟
فقال الوافد: قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان.
قال العالم: فما ضد الصدق ؟
قال: ضده الكذب.
قال: فما ضد العمل ؟
قال: ضده النفاق.
قال: فما ضد الإعتقاد ؟
قال: ضده التشبيه.
قال العالم: فما أعظم الأشياء ؟
قال: معرفة الله على الحقيقة، وهي: التوحيد والتعديل، والتصديق، وذكر الله على كل حال، في الليل والنهار.
قال العالم: فما أفضل الأشياء ؟
قال الوافد: أفضل الأشياء: طلب العلم من العلماء، حتى يعرف الطالب الحق فيعمل به، فمَن زَهَرَ مصباح الهدى في قلبه أخلص العمل والنية الصادقة لربه، وأنطقه الله بالحكمة.
قال العالم: فما أخبث الأشياء ؟
قال الوافد: الجهل. لأن بالجهل الهلاك والعطب، وأن الجاهل إذا أراد أن يصلح شيئاً أفسده بجهله وقلة علمه، وهو يجلب جميع الآفات، ويتولد منه الكبر والطمع والحسد، والحرص والشهوة والبخل والسخرية.
قال العالم: فما أقبح الأشياء ؟
قال الوافد: اللهو، والغيبة، والنميمة، والخيانة، والكذب، والزنا، والرياء، وحب المدح، وحب الفاسق، وصحبة المنافق، والتهمة وسوء الظن.
قال العالم: فما أدنس الأشياء ؟
قال الوافد: السؤال للناس، ومقاربة الأنجاس، والثقة بكل الناس، ومفارقة الأكياس.
قال العالم: فما أنفع الأشياء ؟
قال الوافد: حسنة تكون بعشر أمثالها.
قال العالم: وما هي هذه الحسنة ؟(2/261)


قال الوافد: تطعم أخاك المؤمن من جوع، أو تكسوه من عري، أو تقضي عنه دينا، أو تفرج عنه غماً، أو تكشف عنه هماً، فمن فعل هذا لأخيه المؤمن جاء يوم القيامة ولوجهه نور يضيء كنور القمر، وتتلقاه الملائكة بالبشارة، وتدخله الجنة آمناً، وأعطاه الله من الثواب ما لا يصفه واصف، ولا يحيط بمعرفته عارف.
قال العالم: فما أضرّ الأشياء ؟
قال الوافد: سيئة تتبعها سيئة، ولا يكون عليها ندامة، ولا يرجع صاحبها إلى توبة.
قال العالم: فما أطيب الأشياء ؟
قال الوافد: العافية مع المعرفة، ووضع الأشياء في مواضعها، وفي مجالسة العلماء، ومدارسة الحكماء، وحضور مجالس الذكر، والتفكر في الصنع، والمبادرة في أعمال البر، وإصلاح ذات البين، والتجهيز للرحلة، والإستعداد للموت.
قال العالم: فما أهول الأشياء وأعظمها فزعا ؟
قال الوافد: إذا نفخ في الصور، وبعثر ما في القبور، واجتمعت الخلائق إلى الموقف المتضايق، فهنالك الفزع العظيم، والخطب الجسيم، كل إنسان يقول: نفسي نفسي، لا يسئل ذلك اليوم والد عن ولده، ولا أخ عن أخيه، كل نفس بما كسبت رهينة.(2/262)


[نجاح الوافد في الإمتحان]
قال: فلما انتهى الكلام بالعالم والوافد إلى هذا الحد عرف العالم أن الوافد حسن المعرفة، جيّد الفطنة، رصين الدين، صحيح اليقين، متين الورع، كثير الفزع، أقبل عليه العالم بوجهه وقال: أيها الوافد الصالح، والتاجر الرابح، والخليل الصالح الناصح: اسأل عما بدا لك يرحمك الله.(2/263)

138 / 201
ع
En
A+
A-