فقال: يحكم عليه الإمام بما يرى ويكون بشتمه إياه فاسقاً كافراً، فإذا فهم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام واعتقدها، وقال في كل الأمور سراً وعلانية بها، وجب عليه التفضيل والاعتقاد، والقول بإمامة الحسن والحسين الإمامين الطاهرين، سبطي الرسول المفضلين، اللذين أشار إليهما الرسول، ودل عليهما، وافترض الله سبحانه حبهما، وحب من كان مثلهما في فعلهما من ذريتهما، حين يقول لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: ? قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ? [الشورى:23]، ويقول: ? يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ? [التوبة:119]، ويقول في جدهما وأبيهما وأمهما وفيهما: ? إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا، عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا، يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ... إلى قوله: فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا ? [الإنسان: 5-7]، وفيهما ما يقول الرسول عليه السلام: ( كل بني أنثى ينتمون إلى أبيهم إلا ابني فاطمة فأنا أبوهما وعصبتهما )، فهما ابناه وولداه بفرض الله وحكمه، وفي ذلك ما يقول الله تبارك وتعالى في إبراهيم صلى الله عليه: ? ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين ? [الأنعام: 84 – 85]، فذكر أن عيسى من ذرية إبراهيم، كما موسى وهارون من ذريته، وإنما جعله الله ولده وذريته بولادة مريم، وكان سواء عنده سبحانه في معنى الولادة، والقرابة ولادة الابن وولادة البنت، إذ قد أجرى موسى وعيسى مجرى واحداً من إبراهيم صلى الله عليه، ويقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض )، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: ( مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها(2/114)
غرق وهوى )، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: ( ما أحبنا أهل البيت أحد فزلت به قدم إلا ثبتته قدم حتى ينجيه الله يوم القيامة )، وفيهم يقول: ( النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبت النجوم من السماء، أتى أهل السماء ما يوعدون، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهب أهل بيتي من الأرض، أتى أهل الأرض ما يوعدون ) .(2/115)
الهجرة للظالمين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، ولا قوة إلا بالله، الذي جل عن كل ذكر ذكره، وعز في كل أمر أمره، فلم يدل له سبحانه أمر بتناقض ولا اختلافٍ، ولم يصغر له ذكر عن جليل ولا كبير من كرائم الأوصاف، بل كلَّ عنه جل ثناؤه كريم الصفات، وأمورُ مَن خالفه فلم يحكم بحكمه فهن المختلفات، اللاتي لا يعدل بهن حيف عن ميل، ولا يُهتدى منهن إلى حق بدليل، بل الهدى منهن ممنوع، وكل ضلالٍ فهو فيهن مجموع، لا يأوي إليهن هدىً، ولا يَقِينَ من ردى، بل كلهن ظلمة، وصمم وعمىً وبكمة، كما قال سبحانه في أهلهنّ، ومن كان مؤثراً من العماة لهن، ?صم بكم عمي فهم لا يرجعون ? [البقرة:18].
فسبحان من خذل أعدآءه فأصمهم وأعماهم، ونصر وتولى أوليآءه فأعزهم وهداهم، فلم يُذل له ولياً، ولم يجعله عمياً، ولم يُرِه في عاجلٍ ولا آجل من ذلٍّ سُوًّا، ولم يوال له قطّ عدواً، بل حكم ـ جل ثناؤه، وعزَّت بعزته أولياؤه ـ لأوليائه بالمحبة والموالاة والمقاربة والإدناء، وخصهم في كل حكمة لهم في هذه العاجلة بكل حسنى، من البر والصلة والمجاورة والرضى، وكَّدَ بذلك كله لهم على عباده فرضاً، لا يسع محجوجاً منهم إضاعته، ولا يتم منهم لله إلا بأدائه طاعته.(2/116)
[صفات أولياء الله]
فسبب أولياء الله من الله بكل كرامة موصول، وعملهم بولايتهم لله في كل خير عند الله مقبول، لا يحبط مع زكي عملهم لهم بِرٌّ ولا عمل، ولا يلم بهم بعد ولاية الله لهم صغرٌ ولا ذل، بل لهم مع ما حكم الله به لهم على العباد من البر والمحبة، ما ذكر الله سبحانه من الفلاح والفوز والنصر والغلبة، فاسمعوا هُدِيتهم لذكر الله في ذلك، وخبره فيهم عن أنه كذلك، إذ يقول سبحانه: ?قد أفلح المؤمنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، والذين هم للزكاة فاعلون، والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين، فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون، والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون، والذين هم على صلواتهم يحافظون، أولئك هم الوارثون الذي يرثون الفردوس هم فيها خالدون? [المؤمنون: 1 - 11]. ويقول سبحانه: ?ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون?[النور: 52]، ويقول جل جلاله، عن أن يحويه قول أو يناله: ?ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون?[يونس: 92]. ويقول سبحانه في إعزازه في الدنيا لأوليائه، وما منَّ به عليهم فيه من نصره وإعلائه: ?إنهم لهم المنصورون، وإن جندنا لهم الغالبون?[الصافات: 173] وفي ذلك ما يقول الله تعالى: ?ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون?[المنافقون: 85]. وقال فيما وصفهم به من الإخاء والولاء: ?إنما المؤمنون إخوة?[الحجرات: 10]، فثبتت بينهم بتثبيت الله في الله ولله الموالاة والأخوة، فهم الإخوة المتبارُّون، والأولياء المتناصرون، والمؤَمَّنُون بمنِّ الله عليهم من كبائر العصيان، (و بإيمانهم استحقوا عند الله اسم الإيمان، فسماهم به ودعاهم)، وبإيمانهم من كبائر عصيانه أعطوا هداهم، كما قال الله الذي لا إله إلا هو: ?والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم? [محمد: 17]، وبتقوى الله التي هي خشية الله وإكباره،(2/117)
وإجلال الله عن العصيان وإعظامه، تمت من الله عليهم النعم، وثبت عند الله لهم الكرم، فقال سبحانه: ?إن أكرمكم عند الله أتقاكم? [الحجرات: 13]، فاتقوا الله فقد علَّمكم وهداكم، واطلبوا النجاة والكرم بتقواه، فبها كَرُمَ عنده ونجا من آتاه هداه، فلن يوجد البر والتقوى أبداً إلا في كريم، ولا الفجور والعصيان ما بقيت الدنيا إلا في لئيم.
وفي الفريقين ما يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: ?إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم? [الانفطار: 13 ـ 14]، وفي المؤمنين الأتقياء الأبرار، بعد الذي وصفهم الله به من التَّحآبِّ والتَّبآر، ما يقول الله: ?والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم? [التوبة: 71]، فجعل دار المؤمنين والأبرار، خير محلٍّ ومنزل ودار، جعلها سبحانه دار أمن وإيمان، ظَاهَرَ فيها كل برٍّ وإحسانٍ، يؤمر فيها بما يرضي الله سبحانه من التقوى والبر والمعروف، بغير ما تَقَيَّة فيها للظالمين ولا رهبة ولا مراقبة ولا خوف، ويُنْهَى فيها عما يُسْخِط الله من المنكر والطغيان، وما لا يحبه الله من الفسوق والعدوان.(2/118)