نهيه عن مودة مَن حآده، وليس يخالف الحق إلا أهل العناد لله ولرسوله، والبغي والحسد والجهالة، ممن لا رَوِيَّة له من المرجئة، والقدرية، والنواصب، وجميع الخوارج، ممن خالفنا أو حاد عن الحق، وقال برأيه، وقد فسرنا في كتابنا هذا ما يدخل على من خالفنا ما يستدل بدونه مَن نصح لنفسه، وترك المحاباة على ما سبق إلى قلبه، فمَن فهم بعض ما وصفنا، دَلَّه على كثير مما يريد وبالله نستعين، وعليه نتوكل وإليه نفوض أمورنا مستسلمين له، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وأهله وسلم.(2/109)


[الوصية]
وسألت: عن الوصية ؟
فاعلم أن الله تبارك وتعالى أوصى العباد بوصايا، وأرسل الرسل بوصايا، وأوصى محمدا صلى الله عليه وآله وسلم وعلى آله بوصايا، منها ظاهرة ثبتت بها الحجج على من سمعها وعقلها، ومنها وصايا خاصة لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه وعلى آله، وليست للناس إلا أن يشاء علي أن يعلمها، فضيلة من الله لعلي.
من ذلك قول الله: ? يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم... ? [النساء:1] الآية، والثانية ? يا أيها الناس اعبدوا ربكم ? [البقرة:21]، و ? يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط ? [النساء: 135]، وقوله: ? وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ? [الإسراء: 23]، وقوله: ? وتعاونوا على البر... ? [المائدة:2] الآية. وقوله: ? يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ? [النساء:11]، وقوله: ? يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ? [الحج:1]، وقوله: ? إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ? [البقرة: 180]، يعني خيرا: مالاً. ثم نسخ ما جعل الله للوالدين من الوصية بالميراث، وجعل ما بقي للأقربين ممن لا يرث، وقال: ? ووصينا الإنسان بوالديه حسنا ? [العنكبوت: 8]، وقال: ? ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير...إلى قوله: المفلحون ? [آل عمران: 104]، ثم خبرهم فقال: ? كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف... ? [آل عمران: 10] الآية. وقال: ? الذين إن مكناهم ... ? [الحج:41] الآية.(2/110)


ومن ذلك وصايا الأنبياء صلوات الله عليهم جميعا، قوله: ? شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا ... إلى قوله: تدعوهم إليه ? [الشورى: 13]، وقول الله تبارك وتعالى: ? ووصى بها إبراهيم بنيه ... ? [البقرة:132] الآية. وقال رسول الله صلى الله عليه: ( المهدي ـ في بُديِّ دولتهم وسماه باسمه واسم أبيه ـ اسمه باسمي، واسم أبيه باسم أبي، سخي على المال، شديد على العمال، رحيم بالمساكين ). والشريطة فيمن لم يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باسمه في غير وقت دولتهم، مَن كان من العترة، فيه العلم، والجهاد، والعدل، وأداء الأمانات، فإذا كملت هذه الشريطة في رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه، وهي أكمل الدرجات في كتاب الله، في رجل من أهل بيت الطهارة والصفوة، وجب على أهل بيته وعلى أهل الإسلام اتباعه وتقدمته، ومعاونته على البر والتقوى.
فإن زعم زاعم أنه لا يصلح أن يكون الإمام إلا واحد، فإن النبوة أعظم قدرا عند الله من الإمام، قال الله تعالى: ? إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث ? [يس:14]، وقال لموسى وهارون: ? اذهبا إلى فرعون ? [طه: 43]، وكان إبراهيم وإسماعيل ولوط في زمن واحد يدعون إلى الله، فإذا استقام أن يكون الداعي إلى الله من الرسل في زمن واحد اثنين وثلاثة، فذلك فيما دون النبوة أَجْوَزُ.
تم ذلك والحمد لله وحده، وصلى الله على سيدنا محمد المختار، وآله الأطهار، المنتجبين الأبرار، المصطفين الأخيار، الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.(2/111)


[إمامة علي بن أبي طالب]
بسم الله الرحمن الرحيم
سئل القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه عن إثبات الإمامة والخلافة لعلي بن أبي طالب صلوات الله عليه ؟
فقال: إنما وجب على الناس طاعة علي وتقديمه، لفضل علي في دين الله، وسوابقه في جهاد أعداء الله، التي لم يبلغ مثلها - ممن كان مع النبي صلى الله عليه جميعا - بالغ، ولم يكن يلحق به من جميع أصحابه لاحق، مع قرابته القريبة لرسول الله صلى الله عليه وآله، وفضله في العلم والفقه عن الله، فإذا كانت فضائله في الجهاد مما لا ينكرها منكر، وكان فضل علمه على ما لا يدفعه دافع، عالم ولا جاهل إلا أحمق مكابر، وكان له من القرابة الخاصة لرسول الله صلى الله عليه وآله ما ليس لغيره، مع ما جاء من تتابع الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتواتره في إجلاله لعلي وإشارته إليه، وما قال من الأقاويل فيه، ومن الدلالة على فضله ما لم يقل مثله في غيره .
وجب على الناس تقديم علي بالإمامة وتفضيله، وكان من قدَّم غيره عليه فقد قدم المفضول على الفاضل، وخالف في ذلك الصواب الذي دل الله عليه، وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وأهله وسلم، وبلَّغ مَن فَهِمَ ما لله من الحكم الرشيد العادل، بتقديم المقدَّم وتأخير المؤخَّر، مع خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدلالة على علي وفضله، ووضع الأمر في غير معدنه وأهله، تم والحمد لله كثيرا بكرة وأصيلا.
قال الإمام الهادي في الأحكام: حدثني أبي، عن أبيه، أنه سئل عن إمامة علي بن أبي طالب رحمة الله عليه أفرض هي من الله ؟(2/112)


فقال: كذلك نقول وكذلك يقول العلماء من آل الرسول عليه وعلى آله السلام، قولاً واحداً لا يختلفون فيه. لسبقه إلى الإيمان بالله، ولما كان عليه من العلم بأحكام الله، وأعلمُ العباد بالله أخشاهم لله. كما قال الله سبحانه: ? إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور ? [فاطر:28]، فأخشاهم أهداهم، وأهداهم أتقاهم، وقد قال الله سبحانه: ? أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ? [يونس:35]، وقال تبارك وتعالى: ? والسابقون السابقون، أولئك المقربون، في جنات النعيم ? [الواقعة 10 – 12]. فأسبق المؤمنين إلى ربه، أولاهم جميعا به، وأدناهم إليه، وأكرمهم عليه. وأكرم العباد على الله، أولاهم بالإمامة في دين الله، وهذا بيِّن والحمد لله لكل مرتاد طالب، في علي بن أبي طالب، رحمة الله عليه، لا يجهله إلا متجاهل جائر، ولا ينكر الحق فيه إلا ألدٌّ مكابر.
حدثني أبي، عن أبيه، أنه سئل عن من حارب أمير المؤمنين ؟ وعمن تخلف عنه في حربه فلم يكن معه ولا عليه ؟
فقال: من حاربه فهو حرب لله ولرسوله، ومن قعد عنه بغير إذنه، فضال هالك في دينه.
وحدثني أبي، عن أبيه، أنه سئل عمن يشتم أمير المؤمنين، أو قذفه استخفافاً بالفضل وأهله، وجهلاً بما جعل الله لأمير المؤمنين عليه السلام من فضله ؟(2/113)

108 / 201
ع
En
A+
A-