ثم قال لهم: ( إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال له أبو بكر: أنا يا رسول الله ؟ قال: لا. قال له عمر: أنا يا رسول الله ؟ قال: لا. ولكنه خاصف النعل )، فأُخبر علي بذلك، فكأنه شيء قد سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل ذلك. ثم أمره بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وروي عن أبي أيوب، وعن ابن مسعود، وعن غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه، يقول أبو أيوب: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقاتلون الناكثين والقاسطين والمارقين، قلنا: مع من يا رسول الله ؟ قال: مع علي.
قال ابن مسعود: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين. وروي عن النبي عليه وآله السلام في الخبر المشهور أنه قال: ( يأتي قوم بعدي يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ). فإنما مرقوا على علي بالإسلام ومن كان مع علي.ثم أُمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ ما أنزل إليه من ربه، فكان من أكبر الإبلاغ عن الله الإمام الذي يستحق مقامه، ويؤدي عنه الدين الذي أكمله الله، فأخذ بيد علي في يوم غدير خم في حجة الوداع في آخر عمره فقال: ( يا أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من وآلاه، وعاد من عاداه )، فجعله عَلَماً لأولياء الله ولأعدائه، فمن تولى عليا كان له وليا، ومن عاداه كان له عدوا.(2/89)
وافترض الله سبحانه تبارك وتعالى في محكم الكتاب الطاعة له وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، فقال: ? يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ? [النساء:59]، ثم قال سبحانه: ? ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ? [النساء:33]، فأعلمهم أن ولي الأمر من يعلم ما يجهلون، وقال: ? إنما وليكم الله ورسوله ? [المائدة: 55]، والخبر المشهور الذي لا يُختَلَف فيه: أن عليا هو الذي آتا الزكاة وهو راكع. ثم أخبر تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن أولى الناس برسوله والمؤمنين أول من اتبعه، فقال: ? إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه... ? [آل عمران:68] الآية، فكان إسماعيل أول من اتبع إبراهيم صلى الله عليهما، وكان علي رحمة الله عليه أول من اتبع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم.(2/90)
وبيَّن الله تبارك وتعالى أن عليا أولى الناس برسول الله صلى الله وآله، لأن لا يشك فيه أحد، فقال: ? النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ? [الأحزاب: 6]. فليس يعلم أحد ممن قد أومَىء إليه الناس أنه يستحق مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، تجتمع فيه هذه الثلاث الخصال إلا علي رحمة الله عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد جُمع له السبق إلى الإيمان والرحم والهجرة، وهو أولى الناس برسول الله عليه وآله السلام، وأولى الناس بمقامه من الكتاب والسنة. وروي عن علي عليه السلام أنه قال على المنبر: ( والله لقد قُبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولأنا أولى الناس به مني بقميصي هذا )، وروي في الحديث المشهور: أن بريدة وقع في علي عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتغير لون النبي وأظهر الغضب، وقال يا بريدة أكفرت بعدي بالإيمان ؟! قال أعوذ بالله من غضب رسول الله قال: ( فإن عليا مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي ) . وقال علي أيضا وهوعلى المنبر: ( عهد النبي الأمي إلي أن الأمة ستغدر بي من بعده ) ثم سماه الله من نفس رسوله، فقال في كتابه: ? قل تعالوا ندعُ أبنانا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ? [آل عمران: 61]، فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الصادقين، وأمر الله العباد أن يكونوا مع الصادقين، فقال: ? يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ? [التوبة: 119]، وفرض الله اتباع العلماء فقال ? فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ? [النحل: 43، الأنبياء:7]، وسمى الله رسوله ذكرا فقال: ? فاتقوا الله يا أولي الألباب، الذين آمنوا قد أنزل إليكم ذكرا رسولا ? [الطلاق: 9 –10]، فأهل بيته المصطفون الطاهرون العلماء هم الذين أوجب الله سبحانه أن يُسألوا، وأن يكونوا(2/91)
متبوعين غير تابعين، لأن الله يقول في كتابه: ? يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ? [الحجرات: 1]، وقال: ? لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون ? [الحجرات: 2]. وقال تبارك وتعالى: ? فلا وربك لا يؤمنون... ? [النساء:65] وقال: ?اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ? [الزمر:55]، وقال: ? وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب? [الحشر:7]. وقال رسول الله صلى الله عليه: ( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ألا وإنهما الخليفتان من بعدي ).
ثم دل على الحسن والحسين صلوات الله عليهما وعلى أبيهما وأمهما، فقال: ( [الحسن والحسين] سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما )، وقال: ( اللهم حب من أحبهما )، وقال: ( تعلموا منهما ولا تعلموهما فهما أعلم منكم ). وقال لهما ولأبيهما: ( أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم )، وقال: ( النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي )، وسماهما الله ابنيه في كتابه، وفرض مودتهما، ولهما آية الخمس، ولهما الفيء، ولهما آية التطهير، قال الله: ? فآت ذا القربى حقه ? [الروم: 38] فدل عليهما بأعيانهما وأنساهما وأفعالها، الا أن الحسن يتقدم الحسين بالسن، وهما جميعا في وقتهما ( إمامان قاما أو قعدا ) .
ثم دل على أولادهما فقال: ( إن تمسكتم بالكتاب وبهم لن تضلوا أبدا ).
ودل على المهدي باسمه ونسبه وفعله.(2/92)
ودل على أبرار العترة الأتقياء المصطفين المطهرين بالنسب المصطفى الطاهر، والأعمال الطاهرة الزكية التي توافق الكتاب والسنة. فأكثرهم بالكتاب تمسكا أوجبهم على المسلمين حقا، والشريطة التي توجب لهم أن يستحقوا مقام الرسول، وأن يكونوا متبوعين غير تابعين، العلم، والجهاد، وأداء الأمانات إلى أهلها، فمن كان فيه هذه الخصال الأربع وجب على أهل بيته وعلى المسلمين اتباعه، ومعاونته على البر والتقوى. قال الله في كتابه: ? وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب? [المائدة:2]. فمتى كان منهم العلم، والزهد، والتقوى، كان علىالناس أن يقتبسوا من علمه، وأن يهتدوا بهديه، فأفعالهم الصالحة، ونسبهم الطاهر الدآل عليهم. وحسبنا الله ونعم الوكيل.(2/93)