فبانت الرسل صلوات الله عليهم، من الأوصياء بما جعل الله من هذه الدلائل لهم وفيهم، وبانت الأوصياء من الأئمة، بما خصها الله به من التسمية، وبما كان يُعرف لها عند رسلها من المنزلة، وما كانت الرسل تنبئها به من أقوال التفضلة، كنحو ما جاء في علي عليه السلام عن الرسول صلى الله عليه، وما كان في أقواله المشهورة المعلومة فيه، كقوله :(من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعاد من عاداه) . وكقوله :(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) . و(أنت قاضي ديني ومنجز وعدي) . مع ما يكون عند الأوصياء، من علم حوادث الأشياء، وما يلقون بعد الأنبياء، من شدائد كل كيد، ودُوَل كل جبار عنيد، خبرا خاصا من الأنبياء، لمن يَخلُفُهم بعدهم من الأوصياء، كنحو ما ألقى الله تعالى إلى الرسول من شأن علي وإخباره، وتناول المرادي له بما تناوله به من ختله واغتراره، وخبره له عن طلحة والزبير وعائشة ومعاوية، وما كان علي ينادي به في خُطبه من دولة بني أمية، وما كان يخبر به من عجيب الأنباء، ويقص على الناس من قصص الأنبياء، وما كان به باينا، ولغيره فيه مباينا، من بأس الإقدام في القتال، ومنازلة مساعير الابطال، التي كان يقل عليها إقدام المقدمين، ويهاب اصطلاء نارها كثير من خيار المسلمين، مع تأول أوليائه فيه لكثير من آي القرآن، مع التي لا يشك مِن سبقه إلى الله فيها بالإيمان، والله يقول جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسمآؤه، ?و السابقون السابقون أولئك المقربون ? [الواقعة: 10-11] . وكفى بهذه الآية لو لم يكن معها غيرها، وبما بَيَّن عنه من وحي كتاب الله تنزيلها، على الوصي دليلا، وفي الدلالة عليه تنزيلا !! فكيف بكثير الدلائل عليه ؟! ودواعي شواهد الوصية إليه، من قوله جل ثناؤه :?لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير ? [الحديد: 10].(2/74)


مع كثير آيات القرآن، ودلائل وحي الفرقان، من تفضيله له بمنازلة الأقران، وسبقه إلى الله بكرامة الإيمان، مع التي كان بها نسيج وحده، وفيها مُبآئنا لجميع من كان في حده، من جمة أغوار العلم، ومعرفة أديان الأمم، وفصل بيان اللسان، ومعرفة أسرار القرآن، وهذه خاصة من حالاته، أحد أعلام الإمام بعده ودلالته، التي لا توجد وإن جهد ملتمسُها، ولا يَقتبسُ إلا من إمامٍ مقتبسُها، فجعل اللهُ جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسماؤه، ما قدمنا ذكره، وأثبتنا في الحجة أمره، من خآص دلائل الأوصياء، كرامة خصهم بها بعد الأنبياء، وأبانهم بها من الأئمة، واحتج بها لهم على الأمة .(2/75)


[دليل الإمامة]
ثم أبان الأئمة من بعدهم، ودل الأمة فيهم على رشدهم، بدليلين مبينين، وعَلَمِين مضيئين، لايحتملان لبس تغليط، ولا زيغ شبهة تخليط، لا يطيق خلقهما متقن، ولا يحسن تخلفهما محسن، ولِيَ ذلك منهما وفيهما، ومظهر دلالة صنعه عليهما، الله رب العالمين، وخالق جميع المحدثين، وهما ما لا يدفعه عن الله دافع، ولا ينتحل صنعه مع الله صانع، من القرابة بالرسول صلى الله عليه، وما جعل من احتمال كمال الحكمة فيمن الإمامة فيه، وحد الحكمة وحقيقة تأويلها، درك حقائق الأحكام كلها، فاسمع لقول الله جل ثناؤه، وتباركت بقدسه أسمآؤه، فيما ذكرنا من مكان قرابة المرسلين، وما جعل من وراثة النبوة في أبناء النبيئين، قال الله تعالى :?ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ? [الحديد: 26].
وقال تعالى :?إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم? [آل عمران:33- 34].
وقال سبحانه :?ولقد آتينا بني إسرآئيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين? [الجاثية:16].
وقال :?ولقد اخترناهم على علم على العالمين ? [الدخان: 32].
وقال موسى صلوات الله عليه لبني إسرآئيل:?اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين ? [المائدة: 20].
وقال لإبراهيم صلوات الله عليه :?رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ? [هود: 73].
وقال الله تعالى في نوح صلى الله عليه :?ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون، ونجيناه وأهله من الكرب العظيم، وجعلنا ذريته هم الباقين ? [الصافات: 75 – 77].(2/76)


وقال نوح صلوات الله عليه :?رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا ? [نوح: 28]. فقدم في الدعوة الأبوين، ثم ثنى بعدهما بالأهلين، ثم دعا بعدهم للمؤمنين، تفريقا منه صلى الله عليه للمفروق، وتنزيلا لهم في التقديم و التأخير على أقدار الحقوق.
وقال سبحانه :?ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرآئيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ? [السجدة: 23]. ثم قال تعالى لأبينا إبراهيم خاصة من دون المؤمنين :?ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ? [الحج: 78]. وذلك كقوله وقول إسماعيل صلوات الله عليهما، عند رفعهما قواعد البيت فيما ذكر بأ يديهما :?ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ? [البقرة: 127 – 128]. وقال صلى الله عليه :?ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ? [إبراهيم: 37].
وقال تعالى :?وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى ? [طه: 132]. وقال تعالى :?إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ? [الأحزاب: 33]. وقال تعالى لنوح :?احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ? [هود: 40].(2/77)


وقال تعالى :?وإن لوطا لمن المرسلين، إذ نجيناه وأهله أجمعين، إلا عجوزا في الغابرين ? [الصافات: 134 – 135]. وقال تعالى :?إلا آل لوط نجيناهم بسحر، نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ? [القمر: 34 – 35].
وقال في أيوب صلى الله عليه :?ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب ? [ص: 63].
وقال يعقوب ليوسف صلى الله عليهما :? وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم ? [يوسف: 6].
وقال موسى صلى الله عليه وسلم :?واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به أزري وأشركه في أمري كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا، إنك كنت بنا بصيرا ? [طه: 29 – 35].
وقال زكريا صلى الله عليه :?فهب لي من لدنك وليا، يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا? [مريم:5-6]. وقال تبارك وتعالى :?ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل، ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين، وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين، وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ? [الأنعام: 84 – 85].
ثم قال تعالى :?ومن آبائهم وذرياتهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم ? [الأنعام: 87].
وقال تعالى :?ووهبنا له إسحاق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ? [العنكبوت: 27]. وقال تعالى :?ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ? [الحديد: 26].
وقال سبحانه :?أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما ? [النساء: 54].(2/78)

101 / 201
ع
En
A+
A-