قوله في رسالته إلى شيعة أبيه عليه السلام: ((ولا تقلِّدوا أحداً من آل نبيكم ممن اشتبه عليكم أمره منهم، وكِلوه إلى ربكم، ولا تُقلِّدوه دينكم، ولا تقاطعوا في الوقوف أحداً من إخوانكم. ومَن تبيَّن لكم رشده فاتبعوه، ومَن بان لكم غيُّه فاجتنبوه، ومن اشتبه عليكم حاله فارجوه، وكِلوه إلى خالقه ولا تُعادوه - فالمؤمنون وقّافون عند الشبهات -)).
وقوله في كتاب ((تثبيت إمامة أبيه عليهما السلام)) بعد كلام: ((وإن قول أئمتنا لا يخالف مُحكَمَ الكتاب، ولا يحيل عن الحق والصواب. وإن ما اختلف من أقاويلهم، تمسَّكنا فيه بتأويلهم، وتبرأنا إلى الله من تكذيبهم، واعتمدنا على قول ربهم، واتبعنا من ذلك أَحسَنَه، وأقربه إلى الحق وأَبْينَه، وما اشتبه علينا من كلامهم، رجعنا فيه إلى أحكامهم، كي لا نبوءَ بآثامهم. لأن الله اللطيف بنا، أرحم من أن يعذبنا على ما يكون من وقوفنا، وطلبنا لسبيل نجاتنا، وما نرجو من عفوه لحسن ظنوننا، واطراحنا لأهواء أنفسنا، واعتمادنا على محكم كتاب ربنا، وسُنة نبينا. والله على ذلك المستعان، وهو حسبنا وعليه التُّكلان)).(1/41)


وقوله في كتاب ((مُهَج الحكمة)): ((مَن أراد أن يستفيد من خاتم النبين، ومن أمير المؤمنين، فليقف على ما وضع الهادي إلى الحق صلوات الله عليه. وكذلك ما وضع المرتضى لدين الله عليه السلام، من العدل والتوحيد والحلال والحرام، وغير ذلك من شرائع الإسلام، لأنهما أخذا العلم الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يُلتَفَتُ إلى اختلاف المختلفين، ولا يُعتمد على أقاويل القائلين، وإني وطئتُ من العلوم مُهَجَها، واعتزلت - والحمد لله - هَمجَها! فما رأيت علماً أشفى، ولا أبين ولا أكفى، مما أَتَيا به من خالص الدين، ومحض اليقين، روايةً عن خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخِرين، أخذاه عن آبائهما، وحفظاه عن سَلَفِهما، أباً فأباً، وجداً فجداً، حتى ينتهي إلى الأصل أمير المؤمنين، عن سيد المرسلين، عن الروح الأمين، وإخوانه الملائكة المقربين، عن رب العالمين، وفاطر السماوات والأرضين(1). فالحمد لله الذي جَعلنا من المقتدين، ومن علمهما مستفيدين. فمن علمهما استقيتُ، وبهُداهما اهتديت، وبهما في جميع الأمور اقتديتُ، وفي آثارهما مشيت)).
وقوله في كتاب ((الرحمة)): ((وليعلم مَن سمع لنا قولاً أنه منهما، وإنا إن شاء الله لا نتكلم بخلاف قولهما، ولا نَدينُ الله بغير دينهما، ودين مَن حذا حَذوَهُما من ذريتهما. فمن سمع لنا كلاماً، فليعرِضهُ على كلامهما فما خالف قولَهُما فليس لنا، وما وافق ذلك فهو منا)).
فصل
__________
(1) في المخطوط والأرض. ولعل الصواب ما أثبت.(1/42)


فإن قيل: إن الفضلاء من قرابة المهدي عليه السلام هم الذين رووا تلك الروايات، وهي إلى الآن مشهورةٌ في كتبهم؟ فالجواب: إن فضل الفضلاء من قرابة المهدي رحمة الله عليهم لا يمنع من اغترارهم ووجود الخطأ في كتبهم. وإن مخالفة ما يوجد في الخطأ من كتبهم لا ينقصُ من فضلهم. وذلك لأن جميع الفضلاء من الأنبياء وغيرهم يجوّزُ عليهم تصديق ما ليس بصحيح، ولذلك قيل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُذُنُ، ووصفه الله سبحانه بأنه يؤمنُ للمؤمنين، أي: يصدّقُهم.
وقال المهدي عليه السلام عقيبَ ذكره للروايات الكاذبة عليه: ((فربما يسمع بذلك أولياءُ الله فيصدّقون به والعهد قريب)). فانظر كيف وصفهم بأنهم أولياء الله، مع تجويزه لتصديقهم للكذب عليه.
فإن قيل: إن أولئك الفضلاء حكوا أنهم سمعوا تلك الروايات عن المهدي عليه السلام؟!
فالجواب: إذا ثبت كونها خطأً فأكثرُ ما يجب في حقهم أن نتأَوَّل فيهم كما نتأوَّل في المهدي عليه السلام، لو صَحّ أنهم قالوا ذلك! ولم يصح! بل في الرواية المشهورة أن علي بن القاسم رحمة الله عليه - وهو أعلم إخوة المهدي وأخصّهم به - قال: ما صحَّ عنده من كلام الناس إلا روايةٌ روتها ل‍ه امرأة المهدي اللَّعوية. (رجع).
وأما الأقوال التي عارض بها ما شُنِّع به عليه من الروايات، فمما عارض به قولَ مَن زعم أنه فَضَّل نفسه على النبي صلى الله عليه وآله:(1/43)


قوله في كتاب ((الرد على مَن أنكر الوحي بالمنام)): ((وليعلم من سمع قولنا، أو فهم تأويلنا، أن الوحي الذي ذكرناه فيما تقدّم من كلامنا أن الله خَتَمه بنبيِّنا هو هبوطُ الملائكة، وما كان يسمعُ موسى من المخاطبة، فذلك الذي ختمه الله وقطعه بعد محمدٍ صلى الله عليه، لأنه علم أنه أفضلُ الآدميين، ففرَّق بينه وبين أهل بيته أجمعين، بأن جعلهم ل‍ه تابعين، وبشريعته مقتدين. ولو عَلم في ذريته أفضل منه لأزاحَ ختم النبوة عنه، ولجعل بعده أنبياء مثله، ولما أبان على فضلهم فضله)).
وقوله في كتاب ((تفسير غريب القرآن)): ((وبلَغَنا - والله أعلم - عن بعض الإمامية - لعنهم الله - أنهم قالوا: محمدٌ رسول الله، وخاتم النبيين المهدي، وكذَب أعداءُ الله في قولهم! بل محمدٌ خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخِرين)).
وقوله في كتاب ((التوفيق والتسديد)): ((وسألت عن العقول هل هي مُستويةٌ أم بينها اختلاف؟
والجواب أن اختلاف عقول الناس كاختلاف قُواهم. فمن كانت قوته تبلُغُ أداء الفرائض وجبت عليه، ومَن لم يُطِق فلا يكلفه الله ما يعدمُ لديه، ولا يَصِلُ بقوته إليه. وإنما العقول على وجوه معروفة، وأحوال بيِّنة موصوفة، منها: عقول سادتنا الملائكة المقربين. ومنها عقول الأنبياء المرسلين، وعقول الأوصياء المستخلَفين، وعقول الأئمة الطاهرين. وبعد ذلك عقول المكلَّفين. فأفضلُ العقول عقول الملائكة الأكرمين، ثم عقول الأنبياء، أكرم من عقول الأوصياء. ثم عقول الأوصياء أكملُ من الأئمة في العقول، وأفضل في الاعتقاد والقول. ثم للسابقين من الفضيلة على المقتصدين، كمثل فضل الأنبياء على الوصيين. وللأئمة المقتصدين من الفضل ما لا يكونُ لفضلاء المؤمنين. وأفضل الناس كلهم فضلاً وأكملهم ديناً وورعاً محمد خاتم النبيين، صلوات الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين)).
ومما عارض به قولَ مَن زعم أن كلامه أبهَرُ من كلام الله سبحانه:(1/44)


قوله في تفسير غريب سورة الأنعام: ((ولا نعلمُ دليلا أَبيَن من القرآن، ولا أشفى ولا أوضح من الفرقان، ولا أبهر ولا أنور في البيان، مما جاء به محمدٌ وأهل بيته في البرهان)).
وقوله في كتاب ((تثبيت إمامة أبيه عليهما السلام)): ((ولا يقول أحدٌ إن كتب الأئمة أولى من كتاب الله بالصدق، وأقرب إلى الصواب والحق)).
وقوله في جوابه لمن سأله عن معنى قوله: إن أدلة المعقول أقطعُ للملحدين من أدلة المسموع؟! وقوله: إن تفسير الأئمة عليهم السلام للمتشابه أَبيَنُ من المتشابه: ((إنما معنى قولي: إنه أقطَعُ للمشبّهين والملحدين، أنه أَبين من المتشابه من كتاب الله للمتعلِّمين! فأما أن يأتي أحدٌ بمثل آيةٍ من كتاب الله فلا يدّعي ذلك إلا كاذب)).
ومما عارض به قولَ مَن زعم أنه لا حجة بعده:(1/45)

9 / 58
ع
En
A+
A-