ويقصد صاحب "تاريخ بني الوزير" بالمجموع ما عُرف في تراث المذهب الزيدي بمجموع السيد حُميدان، وهو يتضمن عدة رسائل صغيرة تبلُغُ اثنتي عشرة رسالة، يحكمُها همٌّ مُحافظٌ مؤدَّاه الدعوة للتمسك بتراث الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين ومذهبه، يملكُ مبادئ وعقائد هي المذهب الصحيح، وهي تراث الفرقة الناجية. بعيداً عن التطرف المنسوب باطلاً في نظر السيد حميدان إلى الحسين بن القاسم، وبعيداً عن الاعتزال الذي تغلغل في أوساط الزيدية نتيجة اتصالهم بزيدية الجيل والديلم وفي سياق صراعهم مع المطرفية(1).
وكتاب "بيان الإشكال فيما حكي عن المهدي من الأقوال" هو الرسالة التاسعة ضمن المجموع.
يعترفُ السيد حميدان في مطلع الرسالة أن هناك من الناس مَن غلا في الحسين بن القاسم حتى فضله على السَلف. وهناك مَن تطرف في الحط عليه حتى نسبه إلى الجهل أو الجنون. ويريد هو أن يوضح - استناداً إلى الصحيح من كتبه - أنه (قد كُذب عليه في كثير مما ينسب إليه). وقد رجع السيد حميدان فعلا إلى عشرات من كتب المهدي ورسائله لإثبات دعواه في أنه إمام هدى وحق، وأن ما نُسِبَ إليه مكذوبٌ عليه.
بدأ ذلك بفصلٍ أوردَ فيه أقوالاً من عدة كتب للمهدي حَذّر فيها من التقول عليه، ونسبة ما لم يُقلهُ إليه. ويُثبتُ هذا من وجهة نظر السيد حميدان أن الحسين بن القاسم عانى من البهتان والظلم في حياته، فكيف بعد مماته؟!
__________
(1) في طبقات الزيدية ليحيى بن الحسين /123 – 124: ((وكان مرماه تقرير عقيدة الهادي ومن تبعه دون غيره من أهل البيت السابقين قبل الهادي فلهم عقائد أُخَر، كما تضمنه الجامع الكافي جامع آل محمد وغيره)).(1/36)


لكن المشكلة أن كثيراً مما قيل عنه موجودٌ في كتبه التي أخذها عنه أقاربُهُ وأعقابُهم. بيد أن السيد حميدان يتجاوز المشكلة بالقول إن أولئك الأقارب متوهمون مدسوسٌ عليهم. وكل بشرٍ يجوزُ عليه الخطأ والتصديق بما ليست ل‍ه حقيقة، ولسنا مُلزَمين بتصديق الشواذ التي وردت عن المهدي، ولو رواها أقاربه لجواز التوهم عليهم. وبخاصة أنه هو نفسه حذَّرنا من تصديق ما يرد عنه وعن غيره من الأئمة، مما يخالف صريح مذهب الهادي أو صريح الكتاب والسنة.
ثم يعودُ السيد حميدان لتفصيل الأمور التي قيل إن المهدي ادّعاها.
وأولها: الادعاء أنه فضّل نفسه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وثانيها: الادعاء أن كلامه أبهرُ من كلام الله سبحانه.
وثالثها: الادعاء بأنه قال: إنه لا حُجَّة بعده.
ورابعها: الادعاء بأنه زعم أنه مهديُّ عيسى.
وخامسها: الادعاء عليه أنه قال: إنه لا يموتُ ولا يُستشهدُ حتى يقوم في آخر الزمان.
وسادسها: ما ادُّعي عليه أنه قال: إنه يوحى إليه في المنام.
وطريقته في ردّ كلّ تلك الدعاوى إيراد فِقَر من كتب الحسين بن القاسم يرى السيد حميدان أنها تكذّب ذلك تماما.
ثم تأتي الخاتمة وتشتمل على عدة أسئلة وإشكالات أهمها أنه ثبتت للمهدي كتب وأقوال، كما أن هناك أقوالاً مختلفاً عليه فيها. وهو يرى أن نردّ المختَلَف عليه فيه إلى الثابت عنه.
- - -
وإليك أيها القارىء الكريم:
كتاب بيان الإشكال فيما حكي عن المهدي من الأقوال
تأليف
السيد الإمام أبي عبد الله نور الدين حُميدان بن يحيى
بسم الله الرحمن الرحيم(1/37)


أما بعد: حمدا لله تعالى على جزيل آلائه، والصلاة على محمد خاتم أنبيائه، وعلى السابقين المقتصدين من أبنائه، والسلام على جميع الصالحين من أوليائه، فإنه لما صحّت لنا إمامةُ الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم علي عليه السلام، لأجل تَكَامُل شروط الإمامة المعتبرة في كلِّ إمامٍ، ولما خصّه الله تعالى به من الفضائل والخصائص المشهورة، ولِما وَضَع -على حداثة سنّه- من العلوم الباهرة الكثيرة، ولحسن سياسته وسيرته، وظهور عدله ولطفه برعيّته، واستظهاره بما أوضح من الأدلة الدامغة لجميع مخالفيه، ولما رُوي عن إشارة النبي صلى الله عليه وآله إلى قيامه في الوقت الذي قام فيه، وأشباه ذلك مما عجز رَفَضتُه عن إنكاره لاشتهاره، حتى التجأوا إلى التحيُّل بأن يكونَ بعضهم من خواصّه وأنصاره - ليتوصّلوا بذلك إلى اللَّبْس والتدليس في كتبه، والصدّ بالكذب والتحريف عن سلوك مذهبه، وحتى أن من الناس مَن نسبه لأجل ذلك إلى الجهل، ومنهم مَن وصفه بزوال العقل، ومنهم مَن علا ففضَّله على السَّلف، ورفَضَ مَن بعده من أئمة الخَلَف - أردت إذ ذاك أن أعرف بالمعوَّل عليه، إن شاء الله وما الذي يجب أن يُنسَبَ من الأقوال إليه، فانتزعتُ من مشهور ألفاظه الصريحة المذكورة فيما أُجمع عليه من كتبه الصحيحة أقوالاً، أخبر عليه السلام فيها أنه قد كُذِبَ عليه في كثيرٍ مما يُنسبَ إليه، وأقوالاً حَذّر فيها من الاغترار ببعض المتنسِّكين، ومما سُطِّر في الكتب من مُشكل روايات المدلِّسين، وأقوالاً عَلّمَ فيها كيف يُعمل فيما يقع في بعض العترة من الإشكال، وفي مُشكل ما يُنسبُ إلى الأئمة عليهم السلام من الأقوال، وأقوالاً عارض بها ما يُنسبُ إليه من البِدَع، وكُثِّر بها عليه من الشِّنع.
أما الأقوال التي أخبر فيها أنه قد كُذبَ عليه، فمنه:(1/38)


قوله في ((باب السَّلَم)) من كتاب ((مختصر الأحكام)): ((ولست أُصدق بكل ما روي عن رسول الله لقلة الثقات طول الزمان. وها أنا أسمعُ في حياتي من الروايات الكاذبة عليّ ما لم أقل ولم أفعل. فربما يسمعُ بذلك أولياءُ الله فيُصدقون والعهد قريب)).
وقوله في بعض أجوبته لعبد الملك بن غطريف: ((وذكرتَ أني فضّلتُ نفسي على الأنبياء عليهم السلام! وحاشا لله ما قلتُ ذلك في شيء من الكلام!... إلى قوله: فمتى سمعتَ أني فضّلتُ نفسي عليهم، أو ذكرتُ أني أعلمُ وأبدعُ منهم؟! ما أحسبُ إلا أن ذلك نُقل إليك، واشتبه اللفظ والكلام عليك)).
وقوله في بعضها: ((فذكرت في كتابك أنك مسترشدٌ معاتبٌ ثم حرَّفتَ قولي فصحَّ أنك مُعاند كاذبٌ وأنت - والحمد لله - من دَرك ما رجوتَ خائب، والله سائلك عما حرَّفتَ من كلامنا، ومُناقشُك على الكذب الذي أتيتَ به علينا، والكلام الركيك الذي نسبته إلينا)).
وقوله في بعض أدعيته التي ذكر فيها أصنافَ رفضته: ((ومنهم مَن هو مجتهدٌ في إهلاك عِرضي واغتيابي وانتقاصي)).
وفي بعضها: ((اللهم طهِّرني من كذب الألفاف، ونزهني من رواية الهَمَج السفساف)).
وفي بعضها: ((يا رب! أسألك الخلاص من عِشرة مَن لا يعرفني فقد والله أقرحت عشرتُهم قلبي! إن أمرتُهم بأمرٍ لم يقبلوا، وإن نهيتهُم عن منكر لم يتركوه، وإن أدَّبتُهم بأدبٍ لم يحفظوه، وإن سمعوا مني روايةً لم يأتوا بها على وجهها، وإن رأوا حكمةً لم يقفوا على فهمها... إلى قوله: وإن رأوا مني علماً حرّفوه جهلاً)).
فصلٌ يشتمل على أربع مسائل مما يُنبِّه على النظر
الأولى: أن يقال إذا ثبت بالدليل كون المهدي عليه السلام إمام حقّ يجب تصديقه في كل ما قال وادّعا، فهل يجب تصديقه فيما ذكر وأخبر به من أنه قد كُذبَ عليه في بعض ما نُسبَ من الأقوال إليه أم لا؟!
الثانية: هل ذلك الكذب الذي أخبر به موجودٌ أم لا؟!(1/39)


الثالثة: إذا كان ذلك الكذب موجوداً، هل هو الأقوال المختلف فيها أم الأقوال المُجمَعُ على صحتها؟!
الرابعة: ما الفرقُ في التشنيع على المهدي عليه السلام بين قول مَن زَعم أنه ترقّى من القول بتفضيله للنبي على نفسه والتكذيب لمن نسب ذلك إليه إلى القول بتفضيله لنفسه على النبي والرجوع إلى تصديق مَن كان نسب ذلك إليه، وأي بدعةٍ أفحش من هذه البدعة؟! وهي جَعلُ قول عبد الملك أصحّ وأشهر من قول المهدي عليه السلام. (رجع).
وأما الأقوال التي حذر فيها من الاغترار ببعض المتنسِّكين، ومما يُسَطَّّرُ في الكتب من مشكل الروايات، فمن ذلك:
قوله عليه السلام في كتاب ((الرد على أهل التقليد والنفاق)): ((ومَن بان لك منه النفاق فلا تنبسِط إليه وإن تنسَّك، وأَعرض عن القبيح وأمسَك، لأنه لا يؤمَنُ عند إظهاره لديانته أن يجعل ذلك سبباً للخيانة)).
وقوله في كتاب ((الرد على الدعيّ)): ((ولم يُدخَل على أمةٍ من الأمم إلا من مأمنها، ولم تُفتَتَن القرونُ الماضية إلا بمن يوهمُها أنه من المودة على دينها)).
وقوله في كتاب ((الرد على الدعي)) أيضا: ((ولو كان مَن خاف من شيء أو شك فيه عقده في رقبته، ويفحم عليه، ودعا جميع المسلمين إليه لحكم الشكُّ على اليقين، ولما فُرِّق بين الباطل والحق المبين)).
وقوله في كتاب ((الرحمة)): ((وليس كل ما رُوي حقاً، وما سُطّر كان صدقاً، مما يخالف علماء آل الرسول، وتُحيلُهُ ثواقبُ العقول)).
وقوله في كتاب ((التوفيق والتسديد)): ((فقد رأينا مَن يتكبَّرُ عن الجهل وهو لا يعلم، ويحمله الكِبرُ أن لا يقول: الله أعلم!)).
فصل
انظركم بين قوله عليه السلام في هذا، وبين مَن زعم أنه مَن قال في أمره: الله أعلم! كانت النارُ أولى به!
وأما الأقوال التي علم عليه السلام فيها كيف يُعمل فيمن أشكل أمره من العترة، وفيما أشكل من الأقوال المنسوبة إلى الأئمة، فمن ذلك:(1/40)

8 / 58
ع
En
A+
A-