فنقول ولا قوة إلا بالله: الدليل على أن ذلك من الله سبحانه، ومن أسمائه خلق الإنسان حكمة، والحكمة صفة حكيم، وكذلك في الإنسان آثار العلم، لأن الحكمة لا تهيأ إلا بالعلم من الحكيم، والعلم صفة عليم، وكذلك نجد في الإنسان جميع ما يحتاج إليه، من المصالح والإصلاح، دليل على الرحمة، والرحمة صفة رحيم، فإذا كان في الإنسان آثار الحكمة والعلم والرحمة، فهذه صفات الواحد الحي، لأن الطبع الميت لا يعي ولا يعقل، ولا يحكم ولا يرحم، ففي أقل من هذا دليل على الله سبحانه، وعز عن كل شأن شأنه، وفي هذه الأحرف اليسيرة ما يقطع جميع الملحدين ويدفع عن الله أقاويل الجاحدين، وفيهن ما كفى وأغنى أهل العقول عن التطويل، وعما لا يفهم من نزهات الأقاويل. وقد زعم غيرنا أنه لا يستدل على الله إلا بالأعراض والأحوال، وأتوا في ذلك بكثير من المقال، وقد يصبح بعض ذلك من غير الطرق التي ذكروا، وتنبسط من غير ما آثروا، غير أني حسبت أن ذلك يدق على كثير من المتعلمين، ويطول لو شرحناه على المسترشدين، فلا تعتمدوا من الأقاويل على ما لا يفهم، ولا تخدعوا أنفسكم بما لا يُعلم، فليس بحكيم من خدع نفسه بغير مقنع من الجواب، وشغل قلبه بما لا يفهم من الخطاب، ورضي من العلوم بغير الصواب.
- - -
باب الوحدانية
قال عليه السلام: إن سأل سائل فقال: هل مع الله إله آخر؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: ليس مع الله إله ولا شريك ولا مثيل، ولا له نظير ولا شبيه ولا عديل.
فإن قال: وما الدليل على صحة ما ذكرت؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على ذلك أنهما إذا كانا اثنين لم يخلوا من أحد وجهين:(1/241)


إما أن يكونا مجتمعين، أو مفترقين. فإن كانا مجتمعين فهما جزءان ملتزمان، وإن كانا مفترقين فهما جزءان مفترقان، وإن اجتمعا أو افترقا فهما مخلوقان، لأن الافتراق والاجتماع لا يكونان إلا في الأجسام، وتعالى عنه ذو الجلال والإكرام، لأن المجتمع موصَّل، لا بد له من موصِّل، والمفترق مفصَّل، لا بد له من مفصِّل، والله موصل الأشياء ومفصلها، وخالق الأجسام وجاعلها، ومفرقها وجامعها، ومبتدعها وصانعها.
- - -
باب الصفات
قال عليه السلام: اعلم أن صفات الله على وجهين:
صفات قديمة.
وصفات محدثة.
فأما الصفات القديمة، فالعلم والقدرة، والعلم والقدرة فهما الله عز وجل، وكذلك القول في حياة الله عز وجل، إنما هي الله وحده لا شريك له (1).
__________
(1) اعلم أن في أقوال الأئمة عليهم السلام أن صفات الله القديمة هي ذاته، وماكروا من التسمية والتعديد، الواقع على لفظ الصفات فتنة فاتنة لثلاثة:
الأول: رجل قصر فهمه وفكره عن معرفة الفرق والتمييز، بين العقل والوهم في النظر، وبين الحقيقة والمجاز في الألفاظ، وبين الحق والباطل في المعاني.
والثاني: رجل يعلم في التوحيد مع بعض المخالفين فيه للأئمة من علماء العامة، الذين منهم من يجعل صفات الباري سبحانه أشياء غير ذاته، ومنهم من يجعلها أمورا زائدة على ذاته، لا هي هو ولا غيره، ولا شيء ولا لا شيء، ومنهم من لا يثبت الوصف ولا ينفيه.
والثالث: رجل رافض يتتبع ما أشكل من أقوال الأئمة، ويلزمهم خلاف ما قصدوا له من إثبات ما أثبت الله سبحانه، ونفي ما نفى، وأنه سبحانه موصوف لا بصفات موجبة لوصف، ولا موصوفة بأنها أمور غيره، ولا زائدة عليه ولا حآلة فيه، وقد بين ذلك الحسين عليه السلام في مواضع من هذا الكتاب وغيره، وكذلك الهادي عليه السلام.(1/242)


قال عليه السلام: وأما الصفات المحدثة فالإرادة والمشيئة والسخط والرحمة والبغض والمحبة، فالإرادة هي: المشيئة، والمشيئة هي: الإرادة، والمعنى واحد، والإرادة فهي: المراد، وهو الفعل لا غير ذلك، والسخط فهو: البغض، وهو: الغضب، وهو: العقاب، المعنى في ذلك كله واحد، والرحمة فهي: الرزق، وهي: الرأفة، المعنى واحد وإن كثرت الأسماء، والمحبة فهي: الثواب والتوفيق والتسديد.
والدليل على أن العلم والقدرة والحياة هي الله عز وجل، أن هذه الصفات قديمة
وليس ثَمَّ قديم غيره عز وجل، فإذا لم يكن ثَمَّ قديم سواه، فهي الله، وفي ذلك والحمد لله من الأدلة عندنا، ما يكثر لو شرحناه، ويطول به الكتاب لو ذكرناه، وفيما ذكرنا والحمد مقنع لكل لبيب، وكفاية لكل عبد منيب.
- - -
باب الفرق بين صفات الله وصفات خلقه
قال عليه السلام: إن الله عز وجل لا يوصف بصفات خلقه، وتفسير ذلك: أن قدرة الله هي الله سبحانه، وكذلك علمه هو، فقدرته علمه، وعلمه قدرته، وقدرته حياته، وحياته قدمه، وقدمه حياته، فافهم هذه الصفات الأربع، فإنها هي الله وحده، وإن اختلفت الأسماء الحسنى، وقدرة المخلوق هي: غيره، لأن المخلوق جسم، وقدرته عرض، وهي قوة الجسد، واستطاعة الجوارح، وكذلك علم الإنسان غيره، وهو عرض، والإنسان جسم، وعلمه فهو نفسه، مما جلبت الحواس إلى قلبه، واتصل علمه إلى عقد معقوله، بعد جهله. وكذلك إرادة الله سبحانه فهو: فعله لا غير ذلك، وإرادة المخلوق بمحبة قلبه، واهنشاش من مودته، وضمير قبل فعله، ومحبة الله: ثوابه، وغضبه: عقابه، ومحبة الإنسان: هواه، وبغضه: كراهيته، فاعلم ذلك وافهمه إن شاء الله.
- - -
باب نفي صفات الأجسام عن الله ذي الجلال والإكرام(1/243)


قال عليه السلام: اعلم أن الله سبحانه ليس بداخل في الأشياء، ولا خارج كخروج الأشياء، ولا بينه وبين خلقه مكان، ولا هو في مكان، ولا هو فوق الأشياء، ولا هو تحت الأشياء، ولا محيط بالعالم كإحاطة الإناء بالماء، وغيره من الأشياء.
وإنما معنى قول الموحدين أنه فوق الأشياء، إنه قاهر غير مقهور، وغالب غير مغلوب، وذلك قوله تعالى: ? ?????? ??????????? ???????? ??????????? ? [الأنعام:18، 61].
ومعنى قولهم: إنه في كل مكان: يريدون بذلك: أنه مدبر في كل الأماكن، عالم فليس يخلو جميع الخلق من علمه وتدبيره، وذلك قوله سبحانه: ? ??? ??????? ??? ?????????? ???????????? ??????? ???? ??????????? ????? ????????? ??????? ???? ??????????? ?????? ?????????? ??? ??????? ?????? ?????????? ??????? ???? ???????? ???????? ??? ????????? ? [المجادلة:7].
ومعنى قولهم: إنه محيط بخلقه، يريدون بذلك: أنه خبير بهم، عالم بجميع أشيائهم، وذلك قوله سبحانه: ? ?????????? ????? ??????????? ??????????? ????? ?????? ???????? ???? ? [الجن:28]. وأن بصره عز وجل هو سمعه، وسمعه بصره، وبصره وسمعه فهما: علمه، ومعنى السمع والبصر فهو: الله وحده.(1/244)


ألا ترى أنه لم يزل سميعا بصيرا، كما لم يزل عالما قادرا، وإذا صح قدم السمع والبصر، فليس ثَمَّ قديم إلا الله عز وجل، فهما الله لا شريك له، وأنه ليس بذي شخص محدود، ولا عدد معدود، ولا بذي كل ولا بعض، ولا طول ولا عرض، ولا عمق ولا لون، ولا طعم ولا رائحة، ولا محسة ولا سمع، ولا بصر ولا ذوق، ولا شم ولا لمس، ولا فكر ولا نفس، ولا شك ولا ظن، ولا محبة ولا بغض، ولا له صبر ولا غيظ، ولا جهل ولا خاطر، ولا يمين ولا شمال، ولا خلف ولا أمام، ولا فوق ولا تحت، ولا افتراق ولا اجتماع، ولا حركة ولا سكون، ولا ارتفاع ولا اتضاع، وأنه بخلاف كل ما وقع عليه وَهْمٌ أو أدركه ظن، وأنه لا يخطر على القلوب، وأنه لا يعرف بشيء من الأشياء، إلا بأن لهذا الصنع صانعا، ليس له شبيه ولا مثيل، ولا نظير ولا عديل.
قال عليه السلام: وإنما نفينا عنه هذه الصفات، لأنها من صفات الأجسام، المتعلقة بالصور والأجرام، والخالق لا يشبه صنعه، لأنه - تعالى عن ذلك - لو أشبهه، لكان محدثا مصنوعا مثله، ولو كان محدثا لكان مربوبا، ولما كان خالقا ولا ربا. فتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وسلم تسليما كثيرا.
- - -
كتاب الرد على من أنكر الوحي بعد خاتم النبيين
كتاب الرد على من أنكر الوحي بعد خاتم النبيين
... فليس يدعي النبوة إلا كاذب في المقال، متكمه في الضلال، لأن الله ختم به نبوته، وأكمل به حجته، فلما قبضه الله إليه، واختار له ما لديه، خلفه في أمته بأخيه وذريته، وجعلهم هداة بريته، فهم خلفاء الله في خلقه، وأمناؤه على وحيه، لا يسلم أحد إلا بولايتهم، ولا يهلك إلا بعداوتهم، فنعوذ بالله من الهلكة في الدين، واتباع مردة الشياطين، فقد جهل الحق من جهلهم، وعادى الله من جهل فضلهم، إذ هم فرع الرسول، وسلالة البتول، وخيرة الواحد الجليل.(1/245)

49 / 58
ع
En
A+
A-