فرحم الله عبدا نظر لنفسه، وأعمل الفكر بقلبه، وميز ما ينجو به من عذاب ربه، وألطف النظر في طلب السلامة، من هول عذاب يوم القيامة، ومناقشة الحساب يوم الحسرة والندامة، والتمس النور في الثقلين، اللذين جعلهما الله حجة باقية إلى يوم الدين، وحشر العالمين، ولم يقتصر على واحد منهما دون ثاني، ولا على ميت من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم دون حي، وحذر إجحاف سؤال الرسول ومناقشته، بين يدي الله في ذريته وولده، ومهجة قلبه وثمرة فؤاده، وسلالة لحمه ودمه، الطاهرين الذين احتذوا بحذوه، وساروا بسيرته واقتدوا به، فكم هالك هلك فيهم بسوء ظنه فضل وأضل؟!! وحل من السخط في أعظم محل!! ? ????? ???? ??????????????? ????????????????? ??????????? ????? ?????????? ?????? ??????????? ? ???????????? ????????????? ?????? ????????????? ??????????? ????????????? ????????? ????? ? [الكهف: 103-105]، ? ????????????? ?????????? ??????????? ?????? ????????? ????????????? ????? ? [الشعراء:227].(1/221)
والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد النبي خاتم النبيين، وعلى سادتنا أهل بيته الطاهرين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، الحي القيوم، الواحد الفرد الصمد القديم، المدبر الخالق العليم، المنعم المتفضل(1) الجواد الكريم، البر الرحيم، الغفور المحسن الحليم، السلام المؤمن المهيمن الحكيم، الذي لا تحصى فضائله، ولا تنقطع أبدا دلائله، ولا يضل من تمسك به عن هداه، ولا يهدى إلى الحق من عاداه (2)، ولا يرشد من خذله وأرداه، ولا يذل من والاه، أحمده حمد من أقر بربوبيته، وأشهد ألا إله إلا هو شهادة من تخضَّع لعبوديته، وتعرَّض لعفوه ورحمته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وأمينه على وحيه، بعثه برسالته، واختصه بهدايته، وانتخبه لأمانته، واحتج به على بريته، فأدى الأمانة، ونصح الأمة، وأكمل الحجة، وبلَّغ الرسالة، جاهدا مجتهدا، صابرا متعبدا، حتى أكمل به الدين، وأرغم به الشياطين، وأنذر عشيرته الأقربين، ولم يأخذه في الله لوم اللائمين، بل صدع بما أمر به، واجتهد في طاعة ربه، حتى قبضه الله إليه، واختار له (3) ما لديه، على حقيقة من دينه، وصحة من نفسه، رضيا مرضيا، زكيا هاديا مهديا، مقربا نجيا، ختم الله به أنبياءه، وهدى به أولياءه، وأرغم به أعداءه، وأوضح به حجته.
فلما ختم به نبوته ورفعه من الأرض وطهَّره، وتوفاه إليه وبشره (4)، خَلَفَه الله على أمته، وامتن على بريته، بأخيه ووصيه وحبيبه، ووليه وخدينه وصفيه، وشقيقه ونسيبه، ووزيره وقريبه، أمير المؤمنين، وقاتل الناكثين، وسيف رب العالمين، ومردي الأوثان، وقاصم (5) الأقران، ومستنزل الفرسان(6)، عن كل طامح العنان، إذا التقت صليب المران، المسمى في القرآن بالإيمان، والمبشر في القرآن بالرحمة والرضوانز
__________
(1) في (أ): المفضل.
(2) في (أ): عداه.
(3) سقط من (أ): له.
(4) في (أ): ونشره. مصحفة.
(5) في (ب): وقاتل.
(6) في (ب): الأبطال.(1/222)
تم أكرمه الله بالوفاة، وختم له بالنجاة، وألحقه بنبيه، وأخيه ووليه، محمد خاتم النبيين، وسيد الأولين والآخرين، واحتج على خلقه بالسبطين، الطاهرين المطهرين، أبناء الرسول، وسليلي البتول، الحسن والحسين، ثم قبضهما الله إلى رحمته، وألحقهما بنبيه، وأخيه ووليه، وخلفهما بعترة طيبة مرضية، وشجرة مباركة زكية، وذرية هادية مهدية، يكثر عددهم، وسنذكر إن شاء الله بعض من يجب طاعته منهم، مثل: زيد بن علي رضي الله عنه، إمام المتقين، عليه صلوات الله رب العالمين.
ومثل: ابنه يحيى المقتدي به، والمحتذي بحذوه.
ومثل: محمد بن عبد الله، وإبراهيم أخيه المصممين في أمر الله، المجتهدين في طاعته، المحتسبين في مرضاته، صلوات الله عليهما ورحمته ورضوانه (1) وبركاته وغفرانه.
ومثل: الحسين بن علي الشهيد المحرِم، الباذل لنفسه في سبيل الله المصمم، الذي لم تأخذه في الله لومة لائم.
فيحيى بن عبد الله بن الحسن، القائم لله المحتسب، الصابر لله على الشدة والغضب.
ومثل: محمد بن إبراهيم بن إسماعيل، القائم بحجة الله الجليل.
فمثل القاسم بن إبراهيم، الفاضل العالم الكريم.
فمثل أمير المؤمنين، الهادي إلى الحق المبين، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين.
فمحمد بن الهادي إلى الحق المرتضى، الذي بشر به النبي المصطفى، صلوات الله عليه ورضوانه، ورحمته وغفرانه، ونضر الله وجهه، وتقبل سعيه وعمله، وحشرنا في زمرته، وجعلنا من حزبه، فهؤلاء الذين بشَّر بهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم إني أشهدك يا مولاي وسيدي، وأشهد حملة عرشك، وأهل سماواتك وأرضك، أني أشهد بإمامة هؤلاء الذين ذكرت في كتابي هذا، وأتولاهم وأوالي من والاهم، وأعادي من عاداهم، اللهم يا مولاي إني أشهدك أني بريء ممن رفضهم، أو رفض أحدا منهم، إلى يوم حشر العالمين، وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما.
- - -
الجزء الثاني
__________
(1) سقط من (أ): ورضوانه.(1/223)
من كتاب التناهي والتحديد فيه مسائل المحال
حسبي الله (1) إن سأل بعض المشبهة الضلال، فيما يقولون به في الله ويعتقدونه من المحال، فقال: أخبروني هل لو أراد الله أن يفني نفسه أيجوز ذلك أم لا؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: كلامك هذا فاسد محال باطل لا معنى له، ويستحيل أن يريد الله تعالى المحال، لأن الإرادة لا تقع إلا على الأفعال، والموت والفناء لا يقع إلا على الأجسام، ولا يدرك إلا ما كان جرما من الأجرام (2)، لأن الموت عرض يحله الله في الأشباح، والله ليس بشبح (3) محدود، ولا غيره من العدد المعدود، إذ لا تقع إلا على مفترق من الأشياء أو مجتمع، أو متحرك أو ساكن، ولا يفنى إلا ما كان من الكل والبعض، وما لا ينفك من الطول والعرض، والله ليس بذي كل ولا أبعاض (4)، ولا بذي أحوال ولا أعراض، لأن في ذلك من الحدث، ما يدل على الخالق المحدِث.
مسألة
كذلك إن سأل (5) بعض المشبهة الملحدين، الضانين بالله ظن السوء المتحيرين، فقال: أخبروني هل لو أراد الله أن يدركه بعض خلقه أيجوز ذلك أم لا؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: وهذه المسألة أيضا من المحال، والله لا يريد المحالات، ولا يوصف بصفات المحدثات، لأن الأبصار لا تقع إلا على مفترق من الأشياء أو مجتمع، والمفترق مفصَّل لا بد له من مفصِّل، والمجتمع موصَّل لا بد له من موصِّل، والله موصِّل الأشياء ومفصلها، ومفرقها وجامعها، ومبتدعها وصانعها.
وكذلك إن سأل فقال: أخبروني عن الله هل يقدر أن يخلق مثله؟
__________
(1) سقط من (ب): حسبي الله.
(2) في (أ): حرما من الأرحام. مصحفة.
(3) في (أ): بشيء. مصحفة.
(4) في (أ): بعض.
(5) في (أ): قال.(1/224)
قيل له ولا قوة إلا بالله: كلامك هذا فاسد محال لا معنى له، لأنك قلت: هل يقدر أن يخلق؟ فأوقعت القدرة على مخلوق، ثم نقضت قولك بقولك: مثله، لأن الله خالق وهذا مخلوق، والله مدبِّر وهذا مدبَّر، والله صانع وهذا مصنوع، والله غني وهذا فقير، والله قديم وهذا محدث، والله لا نهاية له وهذا متناهي، والله محدِّده ومفصِّله وموصِّله، وهو موصَّل مفصَّل، وهذا من أكبر المحال، وأقبح المقال، فكيف يكون مخلوق خالقا؟! ومحدَث قديما؟! ورب مربوبا؟! وكيف يكون المحدث مثل القديم؟! أو الخالق مثل المخلوق؟! أو كيف يكون الرازق مثل المرزوق؟!!
مسألة من المحال أيضا
وإن سأل فقال: هل يقدر الله أن يخلق خلقا لا جسما ولا عرضا؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: هذا محال وليس عن المحال.
مسألة
لأن كل محدَث فيه آثار حكمة الصانع، وذلك ما ذكرنا من الكل والبعض، والكل والبعض لا يكون إلا جسما من الأجسام، الموصوف بالطول والعرض، فقولك هذا متناقض فاسد لا معنى له، لأنك قلت: يخلق خلقا، والخلق فهو ما ذكرنا.
ثم نقضت قولك فقلت: لا جسما ولا عرضا، فكأنك قلت: يخلق خلقا ليس يخلق.
فإن قال: فَلِمَ قلتم (1) إن ربكم شيء ليس بجسم ولا عرض، وقد نفيتم ما ليس بجسم ولا عرض؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لأنا نفينا أن يكون خلقا محدَثا لا محدِثا.
لأنك إذا قلت: محدَثا، أوجبت فيه دلائل الحدث.
فإذا قلت: ليس فيه دلائل الحدث نفيته، والنفي والإثبات لا يجتمعان في شيء واحد.
وأما قولكم ثم نفينا عن الله سبحانه أن يكون جسما أو عرضا، وأثبتناه شيئا، فالجواب في ذلك: أنا جعلناه قديما، والقديم لا يكون محدَثا، وكذلك نفينا أن يكون المحدَث ليس فيه دلائل (2) الحدث، فيكون قديما أو عدما، ويستحيل أن يكون القديم محدثا.
__________
(1) في (أ): زعمت.
(2) في (أ): دليل.(1/225)