ثم يتابع متحدّثاً عن تجربته الشخصية: (ولقد شاهدنا بحمد الله من عجائب الأسرار المكتومة، ما لو ذكرناه لما صدّق به إلا مَن امتحن الله قلبه بالإيمان. وإني لأحتاج إلى الحاجة فأطلبها من مولاي تبارك وتعالى فأرى في المنام قائلا يقول: إن حاجتك التي تطلب في موضع كذا وكذا... وربما تحيّرتُ في سببٍ فأطلب منه البيان فما ألبثُ في منامي إلا يسيرا حتى أرى قائلا يقول: قد استُجيبت الدعوة...)(1).
قال في مطلع البدور نقلا عن صلاح بن الجلال(2): (وما زال الأمر بينهما [أي الحسين بن القاسم العياني والقاسم بن الحسين الزيدي] حتى توفي القاسم العياني في نحو من سنة أربعمائة من الهجرة، فدعا الإمام الحسين بن القاسم العياني وكان صغير السن، غزير العلم، مصنفا ل‍ه خمسة وسبعون مصنفاً.
(قال السيد صلاح الجلال: وزعم أنه المهدي المنتظر الذي بشر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فافتتن الناس به، وأقبلوا إليه مهرعين، وزعم أنه أفضل من الأنبياء، وأن كلامه ومصنفاته ورسائله أفضل من القرءان، وأبهر في ظهور المعنى وقطع كلام الخصم، فنفر الناس عنه فجار على الناس في صنعاء وغيرها، وطلب منهم الأخماس في كل شيء من الحلية والأموال حتى في العبيد والإماء، والثلث في سائر الأشياء من الحبوب(3) وغيرها، فمن ساعده في ذلك وإلا حكم عليه بحكم اليهود في ضرب الجزية، وسلب السلاح، ومن تعذر عن ذلك قتله وصلبه أو حبسه أو نحو ذلك، فلحق الناس في أيامه ما لا يعلمه إلا الله.
(حتى إنها وصلت رسالة من الإمام الداعي يوسف الأكبر في هذا المعنى، فجوب عليه أقبح جواب، وسبه أعظم السب، وسماه الزنيم الأبتر إلى نحو ذلك.
__________
(1) الرد على من أنكر الوحي..
(2) صلاح بن الجلال ولد بهجرة رغافة سنة 793/1391، وتوفي سنة 855/1451 ودفن بمشهد الإمام الهادي، وله كتاب اللمع في الفقه. وهو ممن حضر دعوة الإمام علي بن صلاح. مطلع البدور 1/462.
(3) في نسخة: الحيوان.(1/16)


(وقد بلغ المؤيد بالله الكبير دعوته إلى هوسم، وهو في الصحراء والألوية منشورة، فطوى الألوية وأرسل رجلين إلى صنعاء لتحقق صلاحه للإمامة، فصادفا ما ذكر، فرجعا إلى المؤيد بالله فنشر الألوية.
(وقد حمله أكثر الشيعة على عروض نقصان العقل. واتسع الحرب بينه وبين القاسم الزيدي، فكانت بينهما حروب، ثم جاء القاسم الزيدي بجنود كثيرة من بلاد مدحج، ودخل صنعاء وتملَّكها، فجمع الحسين بن القاسم العياني جميع القبائل من الأبوان والظاهر والمشرق ومأرب وجميع البلاد، ولم يعدهم بجامكية(1) ولا أرصاد، وإنما وعدهم بالإباحة لأموال[الخصوم](2) وسبيهم، فتسارع إليه الناس ووصل إلى صنعاء في عساكر جرارة كالغيوث المنهمرة، فتصادف هو والقاسم الزيدي عند طلوع الشمس لثماني بقين من شهر صفر سنة ثلاث وأربعمائة في حقل صنعاء، ووقع القتال واشتد القتام حتى دخل صنعاء من ناحية القطيع عند الزوال وملكها، وانهزم القاسم الزيدي إلى ناحية الفج، وسائر الجنود والرؤساء انهزموا في كل مذهب، وتشتتوا تحت كل كوكب، مع أن قد قتل منهم خلق لا يحصى عددهم، في حقل صنعاء، وفي جنب القطيع في حال الانهزام، ولحقت الخيل القاسم الزيدي وهو منهزم نحو الفج حتى أدركوه، وصرع وقتل عند أذان الظهر، وأمر الحسين بن القاسم أن تطأ الخيلُ القاسم الزيدي المقتول، وسائر القتلى بسنابكها، حتى من فيهم في التراب كل عرف(3).
__________
(1) الجامكية: كلمة تركية، معناها:الأجر أو الرتبة.
(2) بياض في المخطوط.
(3) كذا في المخطوط.(1/17)


(ووصل علم من صعدة بأن الإمام يوسف الداعي توفي في ذلك اليوم بعينه، ودانت البلاد للحسين بن القاسم العياني، ثم بعد سنة مال عليه أهل ريدة وأهل البون وجميع همدان وأكثر أهل البلاد، فجمع الحسين جموعا كثيرة من الجوف ومأرب، والتقوا بذي عرار عند باب ريدة رابع صفر سنة أربع مائة،[26/9/1009] فجعل الحسين يحمل بنفسه مرات كثيرة، حتى احتوشوه وقتلوه بذي عرار، قتله رجل من بني ريح.
(فزعمت شيعته وقرابته أنه لم يقتل وأنه حي منتظر، وشاع هذا الاعتقاد الباطل في الناس وفي جهال الشيعة نحو من ثلثمائة سنة إلى نحو من سبعمائة من الهجرة، واضمحل وقد وتلاشى وقد بقي منه بقية في جهال من الناس وفي عوام الشيعة وغيرهم، في الخيام ونواحيها ومغارب صنعاء. وقبره قد برز بعد ذلك وظهر في ذي عرار من رأس الثمان المائة فقطع خُطا خيالاتهم)(1).
وقال السيد حميدان: (وحتى أن من الناس مَن نسبه لأجل ذلك إلى الجهل، ومنهم مَن وصفه بزوال العقل)(2).
وقال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان: (وأما قولهم: إنه أفضل من الملائكة والأنبياء عليهم السلام، فهذا ضرب من الجنون، وغلط من ادعاء الربوبية)(3).
قال السيد صارم الدين الوزير في البسامة مشنعا على من يدعي أنه المهدي المنتظر:
وأُنزلت ساحة المهدي قارعة ... بذي عرار ونقع الخيل لم يَثُرِ
وقال قوم هو المهدي منتظر ... قلنا كذبتم حسين غير منتظر
كيف انتظاركمُ نفسا مطهرة ... سالت على البيض والصمصامة الذكر
وللخيالات أوهام مسلطة ... على العقول التي ضلت عن الفِكر
__________
(1) مطلع البدور2/211.
(2) بيان الإشكال.
(3) حقائق المعرفة /247، (مخطوط) للإمام أحمد بن سليمان.(1/18)


وأما قسوته ومزاجيتُهُ فتبدو في كثرة الناس الذين قتلهم بين عامي 401/1010 و 404/1013 وبينهم أناسٌ من أعقاب الهادي، كأنما ليقضي على مُنافسيه من بينهم. ويذكر يحيى بن الحسين تخريبه لدورٍ كثيرةٍ بصنعاء وصعدة، وحملته على رجالٍ وعشائر كانوا من أنصاره في الأصل(1).
جملة من عقائد الحسينية
- أن الحسين يملك الأقاليم السبعة.
- أنه يعلم الغيب.
- أن كلامه أقوى وأبهر من القرآن والتوراة والإنجيل.
- أنه أفضل من الملائكة.
- أنه أفضل من رسول الله ومن جميع الأنبياء.
- أنه أعلم من جميع الأئمة حتى من علي بن أبي طالب.
- أنه هو المهدي.
- أنه حي لم يمت وإنما غاب وسيرجع.
- أنه يظهر لبعضهم ويشافههم.
- أنه يحكم بحكم آل داود.
- أنه أراد الخروج من البيت فانشق ل‍ه جدار البيت.
- تحريم الزواج بنسائه من بعده.
- أن الحج إلى عيان بدل مكة.
- أن التيمم جائز مع وجود الماء.
- أن الخمس يجب في كل شيء من الحلية والأموال حتى الإماء والعبيد.
- أن الثلث يجب في سائر الأشياء من الحبوب وغيرها.
__________
(1) يحيى بن الحسين بن القاسم: كتاب أنباء الزمن في تاريخ اليمن 1/143، 144، 145. يقول يحيى بن الحسين (ص145): (وقد كان بعض البلاد خالفت عليه لمّا عقد سيره إلى الهان، فلما عاد فعل بهم ما لم يفعله إلا الظلمة، ولزم مشايخهم وصلبهم منكّسين، ووهب خيلهم وسلاحهم للشيعة، وألزم جماعتهم الجزية وقبضها منهم. وسار إلى صعدة في جيشٍ عظيمٍ فخرّب دُورَها...). وذكر ابن الوزير في تاريخ بني الوزير (ص213) قصة قتل الحسين بن القاسم لمحمد بن القاسم بن الحسين الزيدي الثائر عليه مستهجنا، وبخاصةٍ قوله بعد الوقعة: (إنما صُلْتُ بأوباشٍ على أوباش!).(1/19)


هذه جملة عقائد الحسينية وعباداتها كما ذكرها الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان وغيره، والعجيب أن هذه العقائد دان بها الكثير وظلت مئات السنين، ومع هذا لم يسجل لنا التاريخ أي موقف لأئمة الزيدية ضد هذه الفرقة!! رغم أنهم قد تجاوزوا المعقول والمنقول إلى مستوى أن بعض الحسينية شهد للإمام الحسين العياني بالربوبية، وكانوا ظاهرين أيام الإمام عبد الله بن حمزة!! بينما وجدنا الموقف من المطرفية موقفا شديدا إلى مستوى التكفير والقتل والسبي!!! فهل لنا أن نتساءل ما هو السبب؟!!!
وأما تطرفه فيتجلى في القصة التي ذكرها المتوكل على الله أحمد بن سليمان (566 /70-1171‍) وهي القصة التي وقعت ل‍ه مع إمام مسجد الهادي بصعدة المحسن بن محمد بن المختار، أحد أحفاد الناصر تصبُّ في مصبّ التطرف الذي عُرف عنه.
الأمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان
قال الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان: (وأما الفرقة الثانية وهم الحسينية، وذلك أنه ظهر لهم إمام يقال ل‍ه: الحسين بن القاسم ودعا إلى الإمامة، وألَّف في التوحيد كتابا وسماه كتاب (المعجز) وهذا أول الخطأ في تسمية الكتاب، لأن المعجز كتاب الله، وكان أكثر ما فيه أنه احتج على عُبّاد الأهوية. ثم قال بعد ذلك: إن العرش هو الله، فبينما هو يحتجُّ على عُبّاد الأهوية حتى جاء بمثل ما قالوا، ولم يسمع قول الله عز وجل: ?فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ(129)? [التوبة]. فكيف يكون الله عز وجل رب نفسه؟!(1/20)

4 / 58
ع
En
A+
A-