قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك لأن ما بطل من الأشياء إنما بطل لعلة، وذلك أنه لا حقيقة لعقل (1) النائم، وإنما صح عنده الباطل في حال تغير عقله، وبطل عنده الباطل في حال صحة عقله حين استيقظ، مثل رَجُل رأى في منامه أنه مقطوع اليد ثم انتبه من منامه فلم يجد لما رأى حقيقة، وذلك أنه إنما رأى ذلك عنده بلا حقيقة، فبطل عنده حين عقل، ولو أنه رأى ذلك في اليقظة في صحة من عقله لما بطل ذلك عنه، ألا ترى أنه لو رأى في منامه أنه قتل وصلب لبطل ذلك عند يقضته، ولو رأى أنه قد قتل (2) في حال صحة عقله ويقضته لما بطل ذلك عنده إلى يوم القيامة، فنعوذ بالله من الكفر بعد الإيمان (3)!! ونسأل الله الثبات على الهدى والبرهان!! ولا حول ولا قوة إلا بالله ذي العزة والسلطان!!
فإن قال: فما الدليل على حقائق الأشياء؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: وجودها مبرأة من عوارض العلل التي تعرض دون دركها.
فإن قال: فما العوارض التي تمنع من درك الحقائق؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: من ذلك النوم وزوال العقل وتغير الحواس.
فإن قال: فما حقيقة الجسم؟
قيل له: وجوده بذاته مدبرا مدركا، تحويه الجهات الست: الفوق والتحت واليمين والشمال والخلف والأمام.
فإن قال: فما (4) حقيقة العرض؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: وجوده بحيث أحلَّه الله من الأجسام.
فإن قال: فما حقيقة الحس؟
قيل له: دركه الحاسة للمحسوس.
فإن قال: فما حقيقة الحركة؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: وجود العضو المتحرك زائلا عن اللبث.
فإن قال: فما حقيقة السكون؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: وجود العضو الساكن لابثا غير زائل.
فإن قال: فما الدليل على أن الحركة غير المتحرك؟
__________
(1) في (أ): لعلل. مصحفة.
(2) في (أ): ولو أنه قتل.
(3) في (ب): الإيقان.
(4) في (أ): وما.(1/181)


قيل له ولا قوة إلا بالله (1): وجود العضو على غير الحركة ساكنا ثم ترى الحركة، فتعلم أن الحركة شيء لم تره ثم رأيته، ولو كانت الحركة هي العضو المتحرك (2) لرأيت الحركة في حال السكون، فلما رأيت العضو ساكنا ولم تر الحركة ثم رأيتها، علمت أن الذي لم تكن رأيته غير الذي كنت رأيت، فقس وافْهَمْ إن شاء الله تعالى.
باب الرد على من جحد النبوة
قال الإمام المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي عليهما السلام: فإن قال: وما أنكرتم من أن يكون لنا خالق على ما وصفتم ولم يرسل رسلا(3)؟
فلنا بحمد لله رد على هؤلاء سنذكره، وذلك أنهم جحدوا الرسل واعتلوا في ذلك بأن الله سبحانه حكيم، والحكيم إذا علم أنك لا تجبه فلا يرسل إليك إلا وهو عابث.
فيقال لهم: ليس الأمر كما توهمتم، ولكن إذا علم الحكيم أنه قد أعطاك قوة تفعل بها ما أمرك بفعله، وتترك ما أمرك بتركه، ثم أرسل إليك فلا يرسل إليك إلا وهو يعلم أن لك قوة إلى فعل ما أمرك بفعله، وترك ما أمرك بتركه.
ويقال لهم: أَعِلمُ الله مانع له من إرسال الرسل؟! أم علمه مانع لكم من طاعته؟!
فإن قالوا: إن علمه منعه جعلوه ممنوعا، مضطرا مدفوعا، وجعلوا العلم شيئا مانعا، ولحجته دافعا، فسبحان الله عما يشركون!! وإنما علمه ذاته.
وإن قالوا: إن علم الله مانع لهم من طاعته، فقد أحالوا في قولهم، لأن العلم هو الله، والله حكيم، والحكيم لا يمنع المطيعين من طاعته.
ودليل آخر
أن الحكيم إذا علم أنه يعصى لم يمنعه ذلك من الرسالة إلى من عصاه، لتكون الحجة له عليهم، ولتكون دعوته ورسالته أقطع (4) لعللهم وأدحض لحججهم.
ودليل آخر
أن الحكيم إذا علم بمعصية أعدائه، لم يمنعه علمه بمعصيتهم من الرسالة إلى أوليائه.
- - -
باب التوحيد ونفي التشبيه
__________
(1) سقط من (أ): ولا قوة إلا بالله.
(2) في (أ): المتحركة.
(3) في (أ): رسولا.
(4) في (ب): دعوته والحجة له أقطع.(1/182)


قال المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي عليهما السلام: فإن رجع إلى قول أصحاب الاثنين فقال: وما أنكرتم من كون خالقين قديمين بالصفات التي وصفتم بها الواحد القديم، وهو الله الرحمن الرحيم؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك لتضاد الاثنين!!
فإن قال: وما أنكرت من اتفاقهما؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لو اتفقا لم تعدوا صفاتهما (1) في العلم والجهل والقدرة والعجز، فإن كان كل واحد منهما يقدر على إخفاء فعله وخلقه في سماواته وأرضه عن صاحبه، خرجا جميعا من العلم وصارا جميعا إلى الجهل، إذ كان كل واحد منهما جاهلا بما يخفي عنه صاحبه من الفعل، وإن كانا لا يقدران على إخفاء كل واحد فعلا يفعله، خرجا من صفات القدرة إلى العجز، إذ كان كل منهما لا يقدر أن يخفى فعله عن الآخر، وإذا كانا عاجزين جاهلين صح أنهما مخلوقان (2)، وإذا كان أحدهما يقدر على إخفاء فعله والآخر لا يقدر، ثبتت الربوبية للعالم القادر، والمربوب هو العاجز الجاهل بعجزه عن قدرة خالقه، إذ لا بد للعاجز من معجز أعجزه ومنعه.
ودليل آخر
أنهما إذا كانا اثنين لم يخلوا من ثلاثة أوجه:
إما أن يكونا حكيمين.
وإما أن يكونا سفيهين.
وإما يكون أحدهما سفيها والآخر حكيما.
فإن كانا حكيم (وجب عليهما أن يبينا أنفسهما، ولا يخملا حكمتهما)(3) وإن كان سفيهين فهما غير قديمين، لأن السفه والعبث إنما تولد من الهوى، والقديم لا يعبث ولا يهوى، لأن الهوى بنية ضرورية جعلت للبلوى، وإن كان أحدهما حكيما والآخر سفيها، فالربوبية للحكيم الذي بيَّن حكمته، والسفيه مربوب مخلوق عاجز، والله أعجزه وابتلاه، وركَّبه على الشهوات وبناه.
- - -
باب الرد على الفضائية
__________
(1) سقط من (أ): لم تعدوا صفاتهما.
(2) في (أ): مخلوقات.
(3) سقط من (أ): ما بين القوسين.(1/183)


قال المهدي لدين الله الحسين بن القاسم بن علي عليهما السلام: فإن رجع إلى قول الفضائية فقال: فإذا أوضحت لي أنه واحد فما أنكرت من أن يكون الفضاء الهواء المكان الذي فيه الأشياء قديما (1)؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك من وجوه شتى:
أحدها: أن الفضاء جسم ضعيف، والخالق لا يكون جسما، ولو كان جسما لما قدر على خلق جسم، والخالق أيضا لا يكون ضعيفا لأن الضعيف مخلوق.
ودليل آخر
أن الفضاء مجتمع مُوَصَّل ولا بد لكل مجتمع من جامع، ولا بد لكل توصيل من موصِّل، والله موصله وجامعه، ومبتدعه وصانعه، وأيضا فإنه محدود ولا بد لكل محدود من محدِّد قطع حدوده وناهاه، وأوضح نهايته وغاياه.
ودليل آخر
أن الهواء موات ولا بد من مميتة ومجمِّده، ومضعفه ومحدده، ومن هؤلاء الفضائين من يقر بالقرآن (2)، والله يقول عز وجل من قائل: ? ????? ??????????? ?????????? ????? ?????????? ? [البقرة:255]. والهواء يُدرك ويحاط بعلمه، ويقول سبحانه: ? ???? ???????????? ????????????????? ? [الأنعام:103]. والهواء فهو المسافة المدركة بين السماء والأرض.
ودليل آخر
أن الهواء ساكن وربما تحرك فهو مضطر إلى الحركة والسكون، ولا بد له من صانع اضطره إليهما وبناه عليهما.
ودليل آخر
أن كل ما لم (3) ينفك من الحركة والسكون فهو محدث، لأنهما محدثان يكثران ويقلان، لأن الهواء قد طال مقامه فيما مضى من الأزمان، والأزمان محدثة بأبين البيان، لأن ما مضى منها فلم يعدم إلا بعد حدوثه ساعة بعد ساعة، وتلك الساعات فقد عدم جميعها بعد حدوثها كلها، وللكل نهاية وغاية، وهو لم ينفك منهما ولم يكن قبلهما، وإذا لم يكن قبلهما فهو في الحدوث مثلهما، نسأل الله المغفرة والهدى، ونعوذ به من الحيرة والردى.
- - -
باب المعرفة
فإن قال: فما الدليل على معرفة الخالق وأين هو؟
__________
(1) سقط من (ب): قديما.
(2) في (ب): بالكتاب.
(3) في (أ): لا.(1/184)


قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على معرفته ما أظهر (1) من الصنع المتقن، وأقرب الأدلة إلى الإنسان نفسه، لأنا رأينا كل جارحة من جوارحه، لم تجعل إلا لمصلحة من مصالحه، فعلمنا أن الإصلاح لا يكون إلا من صانع عالم، لأنه لو كان جاهلا لما اهتدى إلى الإصلاح.
وأما قولك: أين هو؟ فإن أين مكان وربنا ليس في مكان، لأنه خالق المكان وهو كان ولا مكان.
فإن قال: فكيف هو؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: لا كيف له، لأن كيف صفة من صفات خلقه، تحتمل أوصاف الأجسام، والله ليس بمكيف مصنوع فيوصف بصفات المكينين(2).
فإن قال: ففي أي الجهات هو؟ أفوق كل شيء، أم تحت كل شيء، أم هو محيط بكل شيء، أم هو في كل شيء، أو هو مع كل شيء؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: مسألتك تحتمل ثلاثة أوجه:
إما أن تكون عنيت ذاته.
وإما أن تكون عنيت علمه.
وإما أن تكون عنيت قدرته.
فإن قلت: عنيت بقولك قدرته، فهو لعمري فوق كل شيء قاهر، وذلك قوله سبحانه: ? ?????? ??????????? ???????? ??????????? ? [الأنعام:18، 61]. وإن كنت عنيت بفوق وتحت ومحيط وفي ومع تريد: علمه، فهو لعمري كذلك محيط بكل شيء، وفي كل شيء، لا يخلو منه شيء، ومع كل شيء لا يخفى عليه شيء.
__________
(1) في (ب): ما ظهر.
(2) في (أ): المطيعين. مصحفة.(1/185)

37 / 58
ع
En
A+
A-