فأما الشيعة فقالت: الإمامة لآل علي دون غيرهم.
وأما المعتزلة والخوارج فزعموا: أنها في الناس كلهم، ومن أجازها في الناس فقد أجازها في أهل البيت، إذ هم خير الناس.
وأما العامة والمرجية فزعموا: أن الإمامة في قريش، ومن أجاز الإمامة في قريش فقد أجازها في آل محمد عليهم الصلاة والسلام، إذ هم خير قريش. وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وسلم تسليما كثيرا مباركا (1).
- - -
كتاب
الرد على الملحدين
وغيرهم من فرق الضالين
كتاب الرد على الملحدين
وغيرهم من فرق الضالين
توكلت على الله،
الحمد لله الواحد القديم الذي لا نهاية لقدمه، ولا إحصاء لنعمه، المنفرد بوحدانيته، المنعم على جميع بريته، الموصوف بحكمته، الموجد لجميع الخلق بقدرته، ونفاذ مشيئته، وتمام كلمته، العزيز الذي لا يضام، القوي الذي لا يرام، ولا يَسِنُ ولا ينام، ولا يدركه الطالبون، ولا ينجو منه الهاربون، ولا يتوهمه المتوهمون، ولا تشتبه عليه الأصوات، ولا يغشاه النور ولا الظلمات، ولا تدركه حواس المحسين، ولا يحيط به فكر المربوبين، ولا يخطر على قلوب المخلوقين، تقدس عن ذلك رب العالمين.
__________
(1) سقط من (أ): كثيرا مباركا.(1/161)


جاز عن قصد السبيل مَن كيَّفه، وأخطاء ظنُّ مَن اكتنهه، ولم يعرفه مَن وصفه بغير ما وصف به نفسه، وكفر به مَن حده بحد، أو أيَّنه، وشبَّهه مَن بَعَّضه، وجاربه (1) من جمعه، ليس بمجتمع فيعرف بالتحديد، ولا بمفترق فيعرف بالتعديد، ولا بمتحرك ولا ساكن فيوصف بصفة العبيد، عز عن ذلك ذو العرش المجيد والبطش الشديد، ليس بجسم فتدركه الأبصار، ولا تحويه الأقطار، ولا تقع عليه الأفكار، ولا يشبه شيئا من المصنوعات، فينال بالأوهام الجائلات، ولا تنال معرفته بحاسة من الحواس المدرِكات، فيدخل في صفة المحدثات المكيفات (2)، ولا ذاته سبحانه في جهة من الجهات، فيوصف بصفات المحدثات المباينات (3)، فتبارك وتعالى من لا يوصف بشيء من هذه الصفات، وحده لا شريك له.
وأشهد إلا إله إلا الله شهادة عبد مقر بعبوديته، مصدق بربوبيته، ومعتقد لألوهيته، راج لعفوه ورحمته، هارب إليه من خوف عقوبته، معتصم به مستوهب (4) لهدايته، ومؤمن به، متمسك بطاعته، شهادة لا (5) يخالطها شك ولا إرتياب، ولا يعترض دونها شرك ولا إكذاب.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، شهادة مقر بنبوته، معتقد لمحبته.
وأشهد أن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأشهد أن وعده ووعيده حق، وقوله سبحانه صدق، وأنه عدل في حكمه، رؤوف بجميع خلقه.
وأشهد أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه كان خير البرية بعد نبيها صلى الله عليه وآله، وأولاهم بمقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وأبرعهم علما، وأكثرهم حلما، وأطوعهم لربه، وأبذلهم في سبيل الله لنفسه، وأكملهم في جميع صفاته.
__________
(1) في (أ)، (ب): حاربه. لعلها مصحفة. والصواب ما أثبت.
(2) في (أ): المطيعات.
(3) في (أ): المحيبات المأينات. مصحفة.
(4) في (أ): مستوهبه.
(5) في (أ): ألا. مصحفة.(1/162)


وأشهد بإمامة ولديه السبطين، الإمامين الكريمين العالمين الحسن والحسين، ابنا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وسليلي البتول، وأن الإمامة من بعدهما فيمن طاب من ذريتهما واحتذا بحذوهما، وكان في جميع صفاته مثلهما، اللهم فمن شهد بمثل ما شهدت به فاكتبه مع الشاهدين، ومن لم يشهد بمثل ما شهدتُ به فاكتب شهادتي مكان شهادته، والحمد الله على تمام نعمته وإكمال حجته.
وبعد:
فإني لما اطلعت على كثير من أقاويل الملحدين، وزخرف قول المتلددين، واختلاف أهواء الضالين، وباطل كلام المتحيرين، واستغلاط الجاحدين لجهلة المسلمين (1)، وسرعة القلوب إلى الأوهام، وتقحمها في لجج الظلام، وشكها في زخرف الكلام، ووجود ما ذكرت في أكثر الأنام، وإن لم يبدوا غير دين الإسلام، فنعوذ من ذلك بذي الجلال والإكرام، حداني ذلك على تصحيح ما دِنَّا به من الدين، وإبطال وساوس الشياطين.
فكان أول ما ينبغي لنا أن نذكره، ونبين لمن عقل خلله، ونحتج عليه بأبين الحجج، مَن جحد خالقه، وأنكر صانعه من الدهربة الكفرة، وغيرهم من الثنوية المتوهمين، الظانين بالله ظن السوء الجاحدين.
أجمعوا لعنهم الله على نفي خالقهم، وجحدان (2) صانعهم، حيرة منهم لعنهم الله واستكبارا، واستعظاما لكون الحق وإنكارا، وتسهيلا في الدين ومعاندة للحق جهارا، وإعلانا بالسوء وإسرارا!!
__________
(1) في (أ): الجهلة للمسلمين. مصحفة.
(2) في (أ): وجحدوا أن. مصحفة.(1/163)


فنعوذ بالله من قبول خواطر القلوب، والشك في دين علام الغيوب، ونسأله النجاة من موالاة الشيطان، والحيرة والمرية والجحدان، فكم من هالك أردى نفسه بالوهم؟! وتقحَّم في لجج الظلم؟! قد فارق الحق والهدى، واتبع الغي والردى، وتردد في الدين ترددا، وتشعبت به أوهامه، فهو في بلية من نفسه، مما تدعوه إليه من تماديه في غيه، وصده عن رشده، قد ملكته فأهلكته بأهوائها، وتفرقت به السبيل بإغوائها، وزخرفت له ما أمرته به (1) من الأسواء، وردَّدته فيما زيَّنت له من الأهواء، ورغَّبته فيما دعته إليه من الإغواء، فهو غير مخالف لها فيما تدعوه إليه، ولا منكر عليها فيما تحضه عليه، من ترهات المنى، وما ترغبه فيه من الركون إلى الدنيا، قد نسي الموت وما بعده من الحساب، مما دخل نفسه من الشك والارتياب، فنعوذ بالله مما أردى الكافرين!! وأبعدهم وأقصاهم عن رب العالمين.
- - -
باب الرد على الدهرية
قال المهدي لدين الله الحسين بن الإمام القاسم بن علي صلوات الله عليه: إن سأل سائل فقال: ما الدليل على صنعة الله في الإنسان (2)؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على ذلك قول الله سبحانه: ? ????????? ???????????? ????????????? ??? ??????????? ???? ????? ???? ?????? ????????????? ????????? ? ???????? ???????? ???? ????? ???????????? ????????????? ???????? ????????????? ???????????? ????????? ???????????? ????????????? ?????????? ?????????????? ????????????? ??????? ?????? ?????????????????? ????????? ???????? ???????????? ?????? ????????? ??????????????? ???? ? [المؤمنون:12-14]. فأخبرنا سبحانه عما لا ننكره لما شاهدنا من ذلك بأبين البيان وأيقن اليقين محدثا لا يخفى، بَيِّنا نوره لا يطفأ.
__________
(1) سقط من (أ): به.
(2) في (ب): ما الدليل على حدوث الأشياء وأن لها صانعا، وما الدليل على صنعه؟(1/164)


فإن قال: وما أنكرت من أن تكون هذه الأشياء قديمة العين حديثة الأحوال بالقوة الهيولية، وهي الأصلية في لغتنا؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك أشد الإنكار، و ذلك أن القديم لا يكون محدثا كما لا يكون المحدث قديما، وقولك: قديم نقضُه بيِّنٌ إذا قلت ثم حدث فيه حادث، لأن الحادث لا يجري في قديم، كما لا يجرى القديم في الحادث.
ودليل آخر
أن المحدث فيه إبانة صنع محدِثه، ومحال أن يكون للقديم صانع محدِث.
ودليل آخر
يوضح فساد قولك (1): قديم العين حديث الأعراض، أن هذا القديم الذي زعمت لا يخلو من أحد وجهين:
إما أن يكون لم يزل ممتنعا من الحدث غير موجود بجميع صفاته.
وإما أن يكون غير ممتنع من الحدث.
فإن كان غير موجود الصفات قبل كونه، وكان غير ممتنع من الحدث، صح أن له خالقا نقله من صفة إلى صفة، حتى أبلغه الغاية التي أراد.
وإن كان لم يزل ممتنعا من الحدث ثبت على امتناعه ودوامه، ولم يجز أن يتغير أبد الأبد عن صفة القديم، لأنه إن تغير إلى صفة الحدث استحال قدمه، ولا يجوز أن يكون القديم مواتا ولا مركبا ولا محدثا، ولا موصوفا بصفة تدل على حدثه، وهذا وجه قد تبين فساده بحمد الله.
- - -
باب الرد على أصحاب الكمون
فإن قال: وما أنكرتم من أن تكون هذه الأشياء لم تزل موجودة بجميع صفاتها، وهي كوامن في أعيانها؟!
__________
(1) في (أ): قولهم.(1/165)

33 / 58
ع
En
A+
A-