فرقة الحسينية وغرائب أخبارها وعقائدها
كان ما يزال هناك شيعةٌ حسينيون كثيرون أيام مُسَلَّم في النصف الأول من القرن السادس الهجري، وعن هؤلاء واعتقاداتهم الساذجة الباطلة يُفيضُ مسلَّم في الحديث على سبيل التهويل والتشهير والتعجيب(1)! ويذكر أحمد بن عبد الله الوزير(2) أن والد نشوان بن سعيد بن أبي حمير الحميري كان من الحسينية، وكذا نشوان في بَدء أمره، ومن شعره في ذلك آنذك قوله:
بريتُ إلى الرحمن من كلِّ مُدَّعٍ ... لمهديَّةٍ غير الحسين بن قاسم
لكنه رجع بعد ذلك (ووقع بينه وبينهم خصامٌ وكلامٌ وأشعارٌ). وكان من شعرائهم في النصف الأول من القرن السادس الهجري الجعيد(3) صهر نشوان زوج ابنته! (وكان أهلُ هذا المذهب من الحسينية منتشرين في كثير من البلاد كالظواهر والأودية وشظب والشَرَفين وصنعاء وبلاد جهة الجيمة... وكذلك بلاد سنحان ومذحج.. وإن كانوا في بعضها غالبين وبعضها مغلوبين. ومنهم الأمير فُليتة بن قاسم الذي لزم الإمام المتوكل على الله بأثافت، وهو القائل:
أنا شاهدٌ بالله فاشهد يا فتى ... بفضائل المهدي على فضل النبي
__________
(1) تاريخ مسلم 4/258 - 260.
(2) تاريخ بني الوزير ص210.
(3) هو الجعيد بن حجاج الوادعي.(1/61)
وطالت مدة أهل هذه المذاهب، كانت من زمن الحسين بن القاسم إلى زمن الإمام يحيى بن حمزة. وحكى الفقيه عبد الله الورد أنه يعرفُ قبل الفناء الأعظم (الطاعون) الواقع في سنة أربعين وثمانمائة رجلاً في ثُلا من الكبراء يعتقد حياة الحسين بن القاسم ويرى رأيَ الحسينية) (1). لكن أحمد بن يحيى المرتضى (840هـ) يقول في معرض ذكره لفرق الزيدية: إن الحسينية التي اختصّت (بأن زعمت أن الحسين بن القاسم بن علي المقتول برَيدة لم يُقتَلْ، وأنه لا بد أن يظهر قبل موته...)(2) قد انقرضت كما انقرضت الفرقة المطرفية، ولم يبق إلا المخترعة من فِرق الزيدية باليمن.
عقد يحيى بن الحسين في كتابه "طبقات الزيدية" فصلاً قصيراً ذكر فيه (مَن عُرِف من أعيان الحسينية من الهدوية أصحاب الإمام الحسين بن القاسم العياني)(3) والعلماء الذين ذكرهم هم:
الشريف قاسم بن جعفر:(وكان هذا الفاضل في درجة الإمامة لكنه لم يدعُ. قالوا: لأنه رُوي عنه أنه كان يعتقد أن عمه الحسين حي، وأنه المنتظر) و(كان مع صنوه [أخيه] محمد بن جعفر آمراً بالمعروف ناهيا من المنكر على صورة المحتسب).
وأخوه محمد بن جعفر، الذي كان يعتقد اعتقاد أخيه في الحسين.
__________
(1) تاريخ بني الوزير ص210-212.
(2) المنية والأمل /98 – 99. وفي العسجد المسبوك فيمن ولي اليمن من الملوك للخزرجي، مخطوطة مصورة، سلسلة وزارة الإعلام والثقافة، طبعة ثانية 1981م، ص 52: ((... وفي جَهَلة الشيعة من يزعم أنه حيٌّ لم يُقتل، وأنه المهدي الذي بشّر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وكان على هذا الاعتقاد كثيرٌ من الأشراف. ثم انقرض أهل هذا الاعتقاد، وكانوا خلقاً كثيراً في مغارب صنعاء. والأئمةُ من أهل البيت وعلماؤهم باليمن مجمعون على أن الحسين بن القاسم اختلط عقله في آخر عُمره لأنه ظهرت منه أشياء من الأقوال والأفعال تخالف الشرع الشريف...)).
(3) طبقات الزيدية /97 – 98.(1/62)
والشيخ محمد بن أحمد النضري، وكان عالما على مذهب الحسينية يعتقد أن الحسين بن القاسم حيٌّ لم يَمُت وأنه المهدي المنتظر، وله في هذا رسالةٌ وكلامٌ طويلٌ لا فائدة في ذكر شيء منه، وردَّ على اعتراضات الشيخ عامر التي اعترض بها الحسين بن القاسم في سيرته.
وأحمد بن بُريه وقتله الحسين بن القاسم (1).
ولا ينسى يحيى بن الحسين المؤرخ مفرح بن أحمد لكنه يقول عنه فقط(2): (الشيخ مفرح بن أحمد: كان رأيُه رأي الحسينية وهو صاحب سيرة الأميرين المذكورين: الفاضل وصنوه) ومصدرا يحيى بن الحسين الأساسيان لهذه المعلومات عن الشيعة الحسينية هما: كتاب تاريخ بني الوزير الذي يسميه: "الفضائل" واللآلي المضية لأحمد بن محمد الشرفي(1055/1645)(3). والمصدران المذكوران لا يذكران فعلاً غير ذلك عن الشيخ "مفرح بن أحمد". لذا فقد حاولنا أن نجد شيئا عنه في المصادر التي تذكر أخباراً عن الشيعة الحسينية، وهو تاريخ مسلم اللحجي.
__________
(1) لعل قتل الحسين لأحمد بن بريه مع أنه حسيني يعود إلى قسوته ومزاجيته، انظر النص السابق في الدلالة على قسوته فيما ذكره المؤرخ يحي بن الحسين.
(2) طبقات الزيدية /98.
(3) تاريخ بني الوزير /32،33، 209-214، واللآلي المضية 2/149. وقد رجع يحيى بن الحسين أيضا إلى المنصور بالله في سيرته. ((وكان المطرفية والحسينية والقاسمية من رافضة الشيعة يسبون الصحابة، ولهم قواعد أربع، ولهم كتب وتصانيف ورسائل وأشعار...)).(1/63)
ترجم اللحجي(1) ضمن الطبقة الرابعة من علماء الزيدية لمن سماه: أبا القاسم محمد الرَبَعي. ويذكر ضمن الترجمة مفرح بن أحمد الرَبَعي فيقول عنه:(إنه القاضي الأديب الشاعر. وأظنه أخاً لأبي القاسم بن أحمد. وطالت صحبته للأشراف الرسيّين بشهارة، وهو مصنف سيرتهم. وله فيها من الأشعار ما يُستحسَنُ ويُستجاد...)(2) أما معلوماته عن الأسرة الربعية فَتَرِدُ خلال الترجمة الطويلة نسبياً لأبي القاسم، وتتلخص في أنهم كانوا ينزلون من البَون الأسفل بلد همدان بنحو رَيدة، وبناحية بلد الصيد. فهم من ربيعة همدان(3). وكانوا في النصف الأول من القرن الخامس الهجري من بيوتات العلم والشعر ببلاد همدان، وقد خرج منهم عدةُ شعراء امتدحوا الصليحيين والشهاريين، يذكرهم مسلَّم، ويورد بعض أشعارهم. ولم يكن أبو القاسم نفسه شاعراً محترفاً، لكنه كان يقول الشعر، كما أنه لم يكن سيء العلاقة بالصليحيين فقد تولى ابنه أحمد بن أبي القاسم القضاء برَيدة ونواحيها للصليحيين.
ويضيف مسلم إن صناعة قوم من آل الربعي كانت تعليم القرآن بالناحية التي يقيمون بها. فيبدو أن تقاليد الأسرة المتوارثة في الأدب واللغة والشعر والخطابة والكتابة والعلم بالقرآن، هي التي كانت وراء اتصال جماعة منهم بالقاسميين، شأنهم في اتصالهم بالصليحيين ومن هؤلاء مفرح بن أحمد.
__________
(1) تاريخ مسلم اللحجي 4/249 – 252، 272.
(2) تاريخ مسلم 4/251.
(3) في منتخبات في أخبار اليمن (من كتاب شمس العلوم لنشوان بن سعيد الحمير /40): ((ربيعةُ في قبائل اليمن كثير. والربيعة – بالألف واللام – حيٌّ من اليمن من قُضاعة. يُنسبُ إليهم ربيعي – بإثبات الياء – ويُنسبُ إلى غيرهم رَبَعي بحذفها)). فمفرح من ربيعة همدان لا قضاعة أو خولان قضاعة، وبخاصة أن أسرته كانت متوطنة بديار همدان.(1/64)
ومن هولاء الأمير الشريف القاسم بن جعفر قال عنه العلامة المؤرخ مسلم اللحجي(1) وعن حمزة أبي هاشم أنه لم يكن في زمانهما من آل رسول الله صلى الله عليه أحدٌ أقوم منهما بعبادة الله تعالى فيما بلغني، ولا أشدّ غضباً لله على أهل المعاصي.
__________
(1) هو مسلَّم بن محمد بن جعفر اللحجي الشّظَبي. وُلد حوالي العام (485هـ), وتوفي عام (545/50-1151)أو (55247-1148). يبدو أنه اهتمّ في فتوته باللغة والأدب والشعر, وألّف في ذلك كتاباً سمّاه الأُتْرنْجة في شعراء اليمن. ويظهر أنّ ياقوت الحموي (معجم البلدان, مادة لحج) اطّلع على نسخةٍ منه مكتوبة عام (530هـ)بخطّه فاستنتج أنه كان مايزال حياً آنذاك. وبدأ اهتمامه بآراء الفرقة المطرّفية من الزيدية (510ـ515ه).
ويظهر أن ذلك هو الذي دفعه لكتابة تاريخ للزيدية ورجالاتها وأفكارها باليمن هدفه إثبات الصورة المطرّفية عن تُراث المذهب بالبلاد، تدليلاً لكونهم أتباع الهادي الحقيقيين. وكانت الفرقة قد بدأت تواجه تحدياتٍ حقيقية منذ مطالع القرن السادس من جانب الأشراف, والعلماء المرتبطين بالتقاليد السلطوية لأعقاب الهادي بالبلاد. وبلغ ذلك ذروته بدعوة المتوكّل على الله أحمد بن سليمان, وعودة القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام من العراق وجلبه لكثيرٍ من كتب زيدية الجيل والديلم, والمعتزلة معه.
وليست هناك دراسةٌ مستوعبةٌ عن مسلَّم حتى الآن؛ولكن قارن؛ ياقوت: معجم البلدان (مادة: لحج) , وطبقات الزيدية ليحيى بن الحسين 1/96ـ97,وإنباه الرواة للقفطي1/326, وتاريخ بني الوزير/109, 204-03, ochenour:op.cit.315J317,W.MadeIung:DerImam. وعبدالله لحبشي: مصادر الفكر العربي الإسلامي في اليمن, ص 405ـ406 , وأيمن فؤاد سيّد: مصادر تاريخ اليمن في العصر الإسلامي, القاهرة1974,ص106,ولنفس المؤلّف: تاريخ المذاهب الدينية في بلاد اليمن حتى نهاية القرن السادس الهجري, الدار المصرية اللبنانية, القاهرة 1988, ص36.(1/65)