قوله في ((تثبيت إمامة أبيه عليهم السلام)): ((وأما قولُهم إن كتب الإمام وما سَطَّرَ، حُجةٌ على جميع البشر، فلعمري إن قَبولَ ما فيها من الحق واجبٌ على جميع المخلوقين، لا ما ذهبوا إليه من رفض الأئمة الباقين، والتعلُّق بكتب الماضين. ولو كان ما قالوا عند مَن عَقَلَ صدقا، وكان ما نطقوا به من الزور حقاً، لكان ذلك ردّاً لقول رب العالمين، وإثباتا لقول المخالفين. إذ كُلُّهم متعلقٌ بكتب مَن عدِمَ شخصه، رافضٌ لمن كان من الأئمة بعده. ولو كان لأحدٍ منهم أن يقف على إمامة رجلٍ مرفوض بعده، لجاز ذلك لمن كان من الروافض قبله. ولجاز لهم من ذلك ما جاز له، ولصارت العوامّ أولى بالإمامة من آل نبيهم، ولنقضوا قولَ ربهم، ولما كان لقوله: ? ????????? ??????? ????? ??? ? [الرعد:7] معنى، ولكان تمرداً وعَبَثاً، فتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا... إلى قوله: وزعموا أن لله حُجةً مغمورةً، إذا لم يكن ثَمَّ حُجة مشهورة، غير مَن هو عندهم معارضٌ، ولكلام الأئمة رافض، والله سائلهم عما ذكروا من المحال، وأفحشوا في أولياء الله من المقال، وأكذبوا ما قال فيهم ذو الجلال، فأخرجوا الله بحجتهم هذا المغمور، من الحكمة والعظمة والتدبير، إذ زعموا أن الله يحتجُّ على عباده، وينفي الفساد من بلاده، بحجةٍ لا تُرى ولا تُبصرُ، ولا يُسمعُ بها ولا تذكر، ولا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، ولا يردّ على أحدٍ من المبطلين، ولا ينصر الحق والمحقين... إلى قوله: وأيضا فليس من حكمة الحكيم أن يحتجَّ على عباده بحجةٍ من أهل بيت نبيه ثم يُخفيها عنهم ويغمُرها، ولا يُعلمهم بها ويسترها، ونظائرها من القول وأشكالها. وإنما معنى ما روي من الحجة الباطنة عن أمير المؤمنين، عليه صلوات رب العالمين، هو المقتصد من آل الرسول. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذكر الحجة ثم قال: ((إما السابق، وإما المقتصد)). وإنما سمي المقتصد لاقتصاده عن المراد، وسُمي(1/46)
حُجّة لاحتجاجه على جميع العباد... إلى قوله: فكيف إلا أنه قد قال بإجماعهم، لو انتفعوا بعقولهم وأسماعهم: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض))، ولا يخلو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) من أن يكون باطلا أو حقاً، فنعوذ بالله من تكذيب الرسول، ومكابرة حُجج العقول. ولقد كفر من كَذَّبَ كتاب رب العالمين، وردَّ قول الرسول الأمين، وتعلق بأوهامه وظنونه، وقبِل وحي شياطينه، واعتمد على المتشابه من الأقاويل، وجهل مخارج السُوَر إلى السيرة والتأويل(1)، وفارق مُحكَمَ التنزيل، واتّكل على الأقاويل المُهلكات، وقبل ما روي من المتشابهات، وتبرأ من الأمهات المحكمات)).
وقوله في كتاب ((شواهد الصنع)): ((أصل الإمامة في العقول لأن الحكيم قد علم أنه لا بد من اختلاف بين المخلوقين، فجعل في كل زمانٍ حياً مترجماً لغوامض الأمور، مبيِّناً للحَيران من الشرور. ولا يعدم ذلك في كل قرنٍ إما ظاهراً جليّاً، أو مغموراً خفياً.
فإن قيل: وما الظاهر الجليُّ، وما المغمور الخَفيّ؟
قيل - ولا قوة إلا بالله -: أما الظاهرُ فالسابق المنذرُ لجميع الخلائق، وأما الخفيُّ فالمقتصد المحتجّ لله على جميع العباد، الآمر بالمعروف والناهي عن الفساد، بغير قيام ولا جهاد)).
ومما عارض به قول مَن زعم أنه مهديُّ عيسى، وأنه لا بد لمهدي عيسى من غيبةٍ قبل قيامه، تفسيره عليه السلام لقول الله سبحانه: ? ?????? ????? ????????? ????????????? ??????? ????????????? ????? ??????? ??????????? ? [النساء:159]، قال: ((يحتمل أن يريد إلا مَن قد آمن، وأتى بالمستقبل بمعنى الماضي. ويحتمل إن ما روي عن الأئمة عليهم السلام يُظهره في آخر الزمان، يدعو إلى طاعته وطاعة المهدي، ويصلي خلفه)).
__________
(1) في مخطوطة الغربية: وجهل مخارج السير والتأويل.(1/47)
وتفسيره لقوله تعالى: ? ?????????????? ????? ????????? ????????? ? [التوبة:33، الفتح:28، الصف:9]. قال: ((وهو وعدٌ من الله سبحانه لرسوله فكان ما وعد)).
قال: ((وأما في الخبر عن الأئمة عن النبي عليه وعليهم السلام أن هذا الظهور يكون على يد المهدي عليه السلام يقهر جميع أديان الأمم)).
وتفسيره لقوله تعالى: ? ?????????? ????? ?????????????? ? [الأحزاب:27]. قال: ((أي ستملكونها. وقيل: سيملكها القائم من آل محمد في آخر الزمان)).
وتفسيره لمعنى ما روي عن النبي في المهدي أنه يؤيّم عِرسَه! قال عليه السلام: ((معنى يؤيّم عِرْسه أن يتركها عند قيامه اشتغالاً بالجهاد عنها)).
وتفسيره لمعنى ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في الحجة الباطنة بأنه المقتصد. واحتجّ على ذلك بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((ستأتي من بعدي فِتَنٌ متشابهةٌ كقِطَعِ الليل المظلم، فيظن المؤمنون أنهم هالكون فيها، ثم يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت، برجلٍ من ولدي خامل الذكر، لا أقول خاملاً في حَسَبِه ودينه، ولكن صِغَر سنّه وغيبته عن أهله، واكتتامه في عصره))! (1)، فبيَّن صلى الله عليه أنه يريد بذلك الاقتصاد، لا ما ذهب إليه أهل اللداد.
فصل
انظر كيف يجوز أن يُضاف إليه ما عابه على غيره وسمّاه فِريةَ وكفراً ولَداداً ونحو ذلك! وكيف يجوزُ الخروج من هذا المعلوم المُجمَع عليه إلى الروايات المظنونة المختَلَف فيها! ومن أقوال أئمة الزيدية، إلى أقوال غُلاة الإمامية!
ومما عارض به قول مَن روي عنه أنه لا يموت ولا يُستشهدُ حتى يقوم في آخر الزمان قوله في رسالته إلى شيعة جده القاسم بن إبراهيم عليه السلام: ((فالعياذُ بالله كيف يُداري في الحق مَن أصبح وأمسى منتظراً لسفك دمه، وقد وطئ وطأة المتثاقل على أعداء الله)).
__________
(1) هذه المواصفات هي نفس المواصفات التي تدعيها الحسينية في الحسين بن القاسم العياني، وهي نفس مواصفات الإمامية في مهديهم.(1/48)
وقوله في كتاب ((الدامغ)) يصِفُ نفسه عليه السلام: ((وأُصبحُ متوقعاً للموت والفناء، وعادّاً الفقر أحب إليّ من الغنى)).
وقوله في كتاب ((الأسرار)): ((فوالذي أنا في يده ما نمتُ نومةً حتى أُناقش نفسي، وأتذكر ما اجترحتُ في يومي وأمسي، لأن النائم ربما يحال بينه وبين انتباهه، كما يُحالُ بين اليقظان ومنامه)).
وقوله في بعض أدعيته: ((وأكبر همي الشهادة في سبيلك، والغضب لدينك، وأنا حريصٌ في ذلك. فيا رب لا تُخيِّب آمالي، ولا تخترم دون الشهادة أجَلي، وعجِّل يا مولاي ذلك، وارحم تضرُّعي... إلى قوله: وعليّ أن أبذُلَ جسدي وعِرضي ولساني حتى يُفرَّقَ بين روحي وجسدي، ويقطع فيه أَجَلي. اللهم خُذ بذلك عهدي وميثاقي، واشهَد عليّ وكفى بك شهيداً. اللهم إني أُشهدُك وأُشهدُ ملائكتك وحَمَلةَ عرشك وأهل سماواتك وأرضك أني لا أَرجِع ولا أَنثني، ولا أستقيلُك في بيعتي حتى ينقطع عُمُري ثم أزور قبري، أو يذهب لك في العَطَب لحمي ودمي)).
انظر كيف يجوزُ أن يُضافَ إليه عليه السلام أنه لم يفِ بعهده وميثاقه؟ وكيف يجوز أن يُترك تصديقه في هذا وشبهه، لأجل روايات لا دليل على صحتها؟! ولا ثقة بمَن أُسندت إليه من النسوان والمتشيعين، الذين حكى عنهم بعض إخوةُ المهدي عليه السلام.
ومما يُعارضُ به قولُ مَن زعم أنه كان يرى ما حُكي عنه في المنام:
قوله عليه السلام في كتاب ((الإمامة)): ((واعلم أن الإمامة لا تصحُّ بالملاحم والمنام، ولا تبطُلُ إمامةُ الأئمة بالأحلام، لأن الرؤيا وإن كانت من حكمة الله جل جلاله، وعظُمت نعمتُه وأفضاله، فإنها تُحملُ على التأويل، ولا يُعتبرُ ظاهرها في جميع الأقاويل. والحكيم لا يُصرِّح بكل أسبابه، لما في النظر والتمييز من ثوابه، مع ما في النظر من لقاح العقل، وبُطلان الحيرة والجهل. وربما رأيت الرؤيا للرجل وإنما المراد بها سواه من ذريته، أو بعض إخوانه وقرائبه)).
فصل يشتمل على مسائل(1/49)
الأولى: إذا كان للمهدي عليه السلام أقوالٌ مُجمعٌ على صحتها وأقوالٌ مختلفُ فيها، ما الواجب أن يتّبع من ذلك في وقت الفترة؟!
الثانية: إذا كان لا بد لله سبحانه من حُجةٍ من العترة في كل عصر، وكان كُلُّ حُجةٍ بعد المهدي علي عليه السلام لا يصدّق بما شنع عليه، هل يجب الاقتداء به مع ذلك أم يجبُ رفضه؟!
الثالثة: إذا كان مهديُّ عيسى عليهما السلام لا يُعلمُ أنه هو إلا بعد ظهور عيسى، ولا يُعلم أن عيسى هو هو حتى يحيي الموتى، فكيف يُعلمُ مع عدم ذلك؟!
الرابعة: إذا كان فضلُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجمعاً على كونه معلوماً بالنص، فكيف يجوزُ نسخُهُ بفضلٍ مختلَفٍ فيه؟!
الخامسة: هل تصحُّ إمامةُ مَن يدّعي خلاف ما أَجمعت عليه الأمة، مع أن من شرط صحة الجماعة ألا يُخالف شيئا من الأدلة، وأن يكون مقتديا بمن قبله من الأئمة، وغير مخالف لإجماعهم؟!
السادسة: لو صح القول بتفضيل المهدي على النبي، هل يكون فضله عليه معقولا أو مسموعا تفضُّلا أو مجازاة، وهل يكون قبل ظهور عيسى أو بعده؟!
السابعة: إذا قام من العترة بعد المهدي عليه السلام إمام، وأنكر بعض ما يجد في كتب المهدي عليه السلام من الروايات، هل يكذب أو يَصدُقُ كما قال القاسم بن علي عليه السلام في كتاب ((ذم الأهواء والوهوم)) في مثل ذلك: واحذروا - رحمكم الله - من فتنة الهوى، ومخالفة حُجَج الله التي تُعاينُ وتُرى، ولا تأتمّوا بالأخبار التي تَرِدُ عليكم من أئمة الهدى، فإن الله لم يجعل حُجَجَهُ خبراً فاسداً، ولا كتاباً مُفرداً، ليس معه من ذرية الرسل معين!
والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
* * *(1/50)