الكتاب : مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني العياني
المؤلف : الإمام الحسين بن القاسم العياني العياني

من مجموع…
كتب ورسائل الإمام العياني
الطبعة الأولى
1424هـ - 2003م
حقوق الطبع محفوظة
روائع تراث الزيدية
من مجموع
كتب ورسائل الإمام العياني
تأليف
الإمام الحسين بن القاسم العياني
(376-404هـ)
تحقيق
عبد الكريم أحمد جدبان
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم بقلم الأستاذ زيد الوزير
معضلة المهدية أنها لم تجن على الحسين وحده، ولا على الحسينية وحدها، بل ألحقت بالهادويين أضرارا، فهي قد تركت في تاريخ الحسين ندوبا، وفي الحسينية قروحا، ما زال الناس يعالجونهما حتى يوم الناس هذا بدون أن يصلوا إلى نتيجة حاسمة، كما أنها خلقت للهادويين تساؤلات مريرة حول إمكانية دخول مهدية من هذا النوع في جسم يرفضها، وحُبست فيه، وحُسبت عليه ردحا من الزمن.
فكيف قبل الهادويون العقلانيون- الذين يرفضون بطبيعة تكوين مذهبهم- هذا النوع من المهدية؟ وكيف سمح لمثل هذا الوباء أن يتسلل إلى جسدٍ ملقح؟ ثم كيف استشرى هذا الوباء فأصاب بعدواه الكثير من الناس؟ ثم كيف استمر زمنا طويلا يجتحف الشمال اجتحافا؟ ثم لم يرتفع إلا بعد أن طنَّب أوتاده، ونصب خيامه، وترك وراءه ندوبا وقروحا؟. ثم لو كان الأمر مقتصرا على العامة لهان الأمر، ولقلنا إن العامة يجذبها الغموض المريب، وتتجاذبها الأساطير الغامضة، وتغريها الخرافات المعتمة، لكن الأمر تعدى ذلك إلى علماء وفقهاء وشعراء(1)، مما يعني أن الوباء قد تسرب إلى كثير من مفاصل الجسد الهادوي، فكيف نجد تحليلا لهذا الاندفاع القوي من قبل هؤلاء العلماء بالذات والشعراء نحو هذا المسقى الوبيء؟.
__________
(1) قال ابن الوزير (كان أهل هذا المذهب من الحسينية منتشرين في كثير من البلاد كـ "الظواهر"و"الاودية" و "شظب"و"الشرفين" و"صنعاء" و"بلاد جهة الحيمة" كان جميع فقهائها حسينية، وكذلك "بلاد سنحان" و "مذحج" وسائر البلاد، (ورقة ش:186) وقال: ولهم كتب في ذلك، وتصانيف ورسائل وأشعار، وهم عدد كثير وعلماء أعلام،(ش:184).(1/1)


أسئلة بحاجة إلى بحث بل أبحاث. وفي محاولة لاستبيان انبثاق ذلك الوباء الذي يفترض ألا يفرخ في ذلك المناخ العقلاني الصرف نجد سببين مهمين وراء ذلك، مُستبْعدِين الحديث عن الاغراءات المالية المؤقتة، أو المنافع العاجلة، فهذه المهدية غير المنتظرة قد أصبحت تيارا واسعا.
السبب الأول: أن فكر المهدية نفسها لم يكن غريبا على اليمن في هذه الفترة، بل وقبلها، وعندما وصل الهادي إلى اليمن في 6 صفر 382/1 أبريل 993 كان فقه الإمامية الاثني عشرية يشكل حضورا معلنا، وبالذات في الجنوب. وليس لدينا صورة تفصيلية عن مدى انتشار الإمامية في اليمن، لكنا نعرف الآن أن مدينة جيشان والجند وعدن في الجنوب وعدن لاعة في الشمال قد كانت حمى لها. وعلى حسب رأي البريفسور مودلينع فإن حضورها في اليمن كان مبكرا(1) والمعروف أن علي بن الفضل كان قد درس الإمامية في جيشان، والجند، وعدن قبل أن يتحول إلى الإسماعيلية(2). وفي هذه الفترة كانت "المهدية" قد ترسخت عند "الإمامية" وأصبحت عقيدة ثابتة، ومن المفترض أن يكون علي بن الفضل قد اعتنقها أيام إماميته، ومع أن الإسماعيلية لا تقول بالمهدية(3)
__________
(1) انظر ويلفريد مودلينع: الإسلام في اليمن ص 175 ترجمة الدكتور علي القباني. تحت الطبع
(2) أنظر حواشي القاضي محمد الأكوع على كتاب المفيد ص59-61 ح9.(تاريخ اليمن المسمى المفيدفي تاريخ صنعاء وزبيد.تأليف نجم الدين عمارة بن علي اليمني. حققه وعلق عليه محمد بن علي الأكوع الحوالي.الطبعة الثالثة 1985. المكتبة اليمنية.
(3) بل قد تهكم الداعي حسين بن عامر الحميري قال ناعيا على المهدي:
يامدعي الوحي إن الوحي قد ختما بالمصطفى فأمط عن نفسك الوهما
(سيرة الأميرين تقلا عن الشرفي عن مسلم ص43)(1/2)


إلا أن اشتراكها مع الإمامية بالعصمة قد جعل لأئمتهم مكانة روحية فوق الآخرين(1). وربما كان السبب في اتهام "علي بن الفضل" بادعاء النبوة(2) يعود لما كانت عليه المهدية والعصمة من نشاط داخل المذهَبين، فالمناخ الذي وجد فيه الحسين وابن الفضل نفسيهما يتيح لهما أن يشبعا طموحهما باتخاذ أحد الوسيلتين، أو تكون الدعاية قد وجدت مناخا مهيئاً للإتصاق بهما.
__________
(1) الإمام عند الإسماعيلية هو نور الله في الأرض وهم لا يقولون بأن نور الله حل في الإمام أو أن للإمام صفة إلهية كما يشاع.(والواقع أن التهمة التي ألصقها أعداء الفاطميين بهم من ادعائهم العلم بالغيب تهمة باطلة وقد ثبت لدينا لطلانها من أقوال الأئمة الفاطميين ومن شعر تميم بن المعز(سيرى الأستاذ جوذر. ص 149-150. تصنيف أب علي منصور العزيزي الجوذري تقديم وتحقيق د محمد كامل حسينو د. محمد عبد الهادي شعيرة دار الفكر العربيبدون ذكر التاريخ ولا رقم الطبعة).
(2) تكاد تجمع التواريخ اليمنية القديمة على ذلك. ويبدو أن اتهامه بها كان بافعل على عهده وفي أيامه. انظر رسالة الإمام المرتضى إلى الريان الهمداني في سيرة الأميرين الجليلين الشريفين الفاضلين ص 295. تأليف مفرح بن أحمد الربعي. تحقيق ودراسة رضوان السيد و عبد الغني محمود عبد العاطي. دار المنتخب العربي. الطبعة الأولى1413/1993م.(1/3)


ومع أن الإسماعيلية -كما قلنا- لا تؤمن بالمهدية إلا أن شيئا من ذلك أو أعظم من ذلك قد ظهر على فرقة منها عند أتباع "الحاكم بأمر الله" الفاطمي - وكان "الحسين" قد عاصر الحاكم- وكما غاب الحاكم بأمر الله، فقد غاب المهدي لدين الله. وقد لا حظ محققا كتاب سيرة الأميرين "رضوان السيد" ومحقق هذا الكتاب شبها قويا بين الحاكم والحسين(1). وقبل ظهور المهدي أيضا دخل أبو الحسين الطبري - بعد رحيل الهادي والمرتضى والناصر- في إحدى سفراته إلى عدن في حوار مع إمامي(2).
وإذن فالمناخ المهدوي كان له حضور قوي في اليمن في هذه الفترة. وهو نفسه الذي أحاط بالحسين وجذبه إليه وفصله عن مذهبه. ولكن السؤال الرئيس هو كيف قبل المهدي الحسين بن القاسم هذه الفكرة، وهو الذي يصر دائما في كتبه أنه موافق للهادي وابناه، وأنه منتم إليهما، حتى أنه أظهر عدم رضاه عن أبيه عندما اجتهد باجتهادات تخالف الهادي(3) وهو في كل كتبه ومواقفه يعلن أنه يستمد شرعية أفكاره من كتب الهادي وابنه المرتضى؟، ثم كيف انبثقت الحسينية من الهادوية وما تمثله يعتبر عدوانا عليها أي على الهادوية؟ ثم كيف يعتنق علماء وفقهاء هذه المهدية وهم في الأصل هادويون؟ ثم كيف يصر المؤرخون الهادويون على اعتبار الحسينية من الفرق الهادوية(4) في حين أنها -بمهديتها المنتظَرَة- قد خرجت من المذهب الهادوي ودخلت في المذاهب التي تقول بغيبة المهدي، ولم يبق بينهما- وقد أصبح الخلاف جوهريا- أي صلة.
__________
(1) تقديم سيرة الأميرين الجليلين الشريفين الفاضلين ص 42. وانظر مقدمة المؤلف
(2) المستطاب1 أ: 47. ب. 42. تأليف يحيى بن الحسين بن القاسم.
(3) تاريخ بني الوزير ش:187. تحت الطبع
(4) قال الإمام المهدي أجمد بن يحي المرتضى في الملل والنحل.. الزيدية افترقت إلى ست فرق الجارودية... وإفترق متأخروا الجارودية إلى مطرفية وحسينية ومخترعة (المستطاب 1: 3).(1/4)


هنا مربض الفرس كما يقال، وهو ما يجب أن يسأل عنه، ويناقش فيه. وفي سبيل تحليل هذه المعضلة ينبغي البحث عنها والنظر إليها من خلال حالة الفكر الهادوي في تلك الفترة، وهي فترة كان فيها هذا الفكر يكابد من إعياء واضح، مما يؤكد أن الحسينية لم تكن لتنجح لو ظل الفكر الهادوي قويا ناشطاً كما كان. وهذا يسلمنا إلى دراسة السبب الثاني من أسباب نجاح المهدية الحسينية في حقل لايقبلها.
ليس من شك أنه في هذه الفترة -التي تفجر فيها الوباء- كانت التربة الهادوية قد تحللت كثيرا، ولم تبق كما كانت صلبة متماسكة، فتسربت إليها المهدية، وشيء من الإمامية، وكثيراً من الجارودية. وكل واحدة كانت تقتطع لنفسها جزءا من الجسد الواهي. والمعروف تاريخياً أنه منذ أن توفي الإمام الناصر لدين الله في جمادى الآخرة 322/(1) مايو- يونيو934. إلى ظهور الإمام المتوكل أحمد بن سليمان، (دعوته 532/37-1138وفاته 566/70-1171) أي ما يقرب من 210 عاما من الفوضى والتقاتل، ولولا قوة المذهب الداخلي وصلابة أسسه لكان قد دمر نهائيا؛ لكن بسبب هذه القوة الداخلية كان المذهب الهادوي يمر في فترة إعياء واضح نتيجة الخلاف الذي تفجر بين أولاد الإمام الناصر لدين الله عليه السلام، وبينهم وبين القوى المحلية، وبسبب انعدام الأئمة العلماء المؤلفين. وبطبيعة الحال فقد أدى ضعف المذهب السياسي إلى ضعف انتشار المذهب الفكري بالرغم من وجوده محصورا في المساجد يعيد تكوين نفسه، وكما هو ثابت تاريخيا أن المذهب - في هذه الفترة- قد خلا من قادة سياسيين علماء مؤلفين يثبتونه وينشرونه، فتصاعدت قوة "الإمامية"، وزاد تواجد "الأباضية" و"الجبرية" بعد أن كان الهادي وابناه قد تمكنا من إنزال ضربات شديدة بها، أما الآن
__________
(1) سيرة الإمام أحمد بن يحيى الناصر لدين الله ص10-11. منتزعة منكتاب أخبار الزيدية تأليف مسلم اللحجي عني بتحقيقه ويلفرد ماديلونغ الطبعة الأولى 1990. إيثاكا برس إيكستر.(1/5)

1 / 58
ع
En
A+
A-