وأنزل اللّه تبارك وتعالى على نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ?قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ ربكُمْ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تُشْرِكُوْا بِهِ شَيْئاً وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوْا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْربوْا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوْا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُوْنَ وَلاَ تَقْربوْا مَالَ اليَتِيْمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوْا الْكَيْلَ وَالْمِيْزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوْا وَلَوْ كَانَ ذَا قُربى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوْا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيْماً فَاتَّبِعُوْهُ وَلاَ تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ?[الأنعام: 151 - 153]. فهذه الوصية أمن دين اللّه تبارك وتعالى هي أم من غير دين اللّه؟.
فسلهم عمن انتهك هذه المحارم التي نهى اللّه تبارك وتعالى عنها، أهي من السُّبل التي اتبعواها [فتفرقت بهم كما قال اللّه]: ?فَتَفَرَّقْ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ?[الأنعام: 153]. فإن قالوا: نعم. فقد صدقوا، وإن قالوا: لا. فقد كذبوا، وإن قالوا: لا ندري. فقد شكوا فيما أنزل اللّه تبارك وتعالى.(1/41)
وقال اللّه تبارك وتعالى: ?وَالَّذِيْنَ يَكْنِزُوْنَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُوْنْهَا فِيْ سَبِيْلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيْمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِيْ نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوْبُهُمْ وَظُهُوْرُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفِسِكُمْ فَذُوْقُوْا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُوْنَ?[التوبة:34-35]، ولم يقل تبارك وتعالى ذوقوا ما كنتم تشركون.(1/42)
أنواع الكُفْر
والكفر على أنواع ستة:كفر الشرك بالرحمن. وكفر لمن لم يحكم بما أنزل اللّه. وكفر لمن قتل النفس التي حرم اللّه بغير حق. إن اللّه تعالى لا يلعن مؤمناً، وقد لعن القاتل وغضب عليه وأعد له عذاباً عظيماً.
وقال اللّه تعالى: ?إِنَّ اللّه لَعَنَ الْكَافِرينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيْراً?[الأحزاب: 64]. وقال تبارك وتعالى للمؤمنين: ?هُوَ الَّذِيِ يُصْلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهِ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوْرِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَحِيْماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَريماً?[الأحزاب: 43 - 44]، فمن كان مؤمناً فهذه منزلته.
ويكون كافراً بالنعم. قال اللّه تبارك وتعالى: ?وَإِذْ تَأَذَّنَ ربكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيْدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيْدٌ?[إبراهيم: 7].
وكفر بالله سبحانه، وقد قال يعقوب صلى اللّه عليه وسلم لبنيه عليهم السلام: ?اذْهَبُوْا فَتَحَسَّسُوْا مِنْ يُوْسُفَ وَأَخِيْهِ وَلاَ تَيْأَسَوْا مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ القَوْمُ الْكَافِرُوْنَ?[يوسف: 87]، وما خشي يعقوب على بنيه أن يشركوا بالرحمن وهم ممن اصطفاه اللّه تبارك وتعالى واختاره، ولكنه أمرهم أن لا يقطعوا رجاءهم من اللّه تبارك وتعالى أن يريهم يوسف عليه السلام وأخاه.(1/43)
[وكفر لعدم شكر الله] و [منه] قول سليمان عليه السلام حين رأى العرش مستقراً عنده: ?هَذَا مِنْ فَضْلِ ربي لِيَبْلُوَنِي أَأشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فِإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فِإِنَّ ربي غَنِيُّ كَريمٌ?[النمل: 40]، وإنما يعني بذلك شكر ما أعطاه اللّه تبارك وتعالى حين رأى العَرْش مستقراً عنده، وما كان سليمان عليه السلام يخشى من نفسه أن يشرك بالرحمن، ولكن كان يخشى أن لا يبتلي اللّه من نفسه قدر شكر ما أعطاه.(1/44)
دعوة إلى الإنصاف والتحكيم
وإن هؤلاء إنما فارقونا عند شهادتنا على أهل الموجبات التي أحل اللّه تبارك وتعالى أصحابَها النارَ، والقَتَلَة والزُّنَاة وشُرَّاب الخمر والذين يعملون عمل قوم لوط، والذين يسعون في الأرض فساداً، ويسفكون الدماء، والذين يأكلون الربا، إنا شهدنا عليهم بما أنزل اللّه تبارك وتعالى فيهم من النقمة والعذاب وتبرأنا منهم، فَفَارَقَنَا أهلُ البدع والباطل منهم، وغضبوا لهم وشهدوا أن إيمانهم ثابت عند اللّه تبارك وتعالى - كإيمان جبريل وميكائيل والملائكة المقربين صلوات اللّه وسلامه عليهم، وأدخلوهم في ولايتهم حين تبرأنا منهم.
فلا يحل لمؤمن يؤمن بالله تعالى واليوم الآخر يُقْرأ عليه هذا الكتاب إلا أقام الشهادة لله الحق، أنحن أولى بالحق بتبرئنا ممن سخط اللّه عليه وأوجب له العقاب، أم هؤلاء الذين أدخلوهم في دينهم وتولوهم فلم يتبرأوا منهم؟
وأني لم أجد لهم مثلاً إلا امرأة كان لها ابن عَاقٌّ، فاستعدت عليه ملك قومها، فأرسل معها شرطياً، وقال: ائتني به لأضربنه ضرباً شديداً أُسِيْلُ دَمَه. فلما أيقنت بالشر لابنها خرجت من عند الملك، فقالت لأول شاب لقيته لا تعرفه ولا تدري من هو: هذا إبني. فأخذه الشرطي فذهب به إلى الملك، فلما دخل الشاب على الملك قال للملك: والله ما هذه بأمي ولا أعرفها ولا أدري أي الخلق هي، فقالت المرأة: ألا تَبَيَّن عقوقه؟ إنه تبرأ مني. فاشتد غضب الملك عليه فجلده حتى سَيَّل دمه، وحمل المرأة على عنقه، ثم قال للشرطي: إذهب به فطف به في الناس، وقل له ينادي على نفسه: من رآني فلا يعق والدته، فجعل الشاب ينادي من رآني فلا يعق والدته، وينادي: من لم تكن له أم فليأت الملك حتى يجعل له أما.
فمن كان من الفساق الذين انتهكوا محارم اللّه كلها فليأت أهل البدع والباطل فإنهم سيشهدون له أن ليس أحد - من الملائكة المقربين والنبيين - أفضل إيماناً منه عند اللّه تبارك وتعالى.(1/45)