فسلهم عن الفئة التي بغت وأبت أن تفيء إلى أمر اللّه بقتالها، في أمر من خرجت حين خرجت، [في أمر الشيطان أو في] أمر اللّه تعالى؟ فإن قالوا : في أمر الشيطان صدقوا. وإن قالوا في أمر اللّه كذبوا، إنما في أمر اللّه الذين يقاتلون في طاعة اللّه، وهم أولياء اللّه، وإنما في أمر الشيطان من يقاتل في طاعة الشيطان، فإن اللّه تعالى قال لقوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر اللّه: ?أَوْلَئِكَ حِزْبُ الْشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الْشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُوْنَ?[المجادلة: 19]، فالفئة التي قِتَالُها إبتغاء مرضات اللّه هي من حزب اللّه، والفئة الباغية هي من حزب الشيطان، قال اللّه تبارك وتعالى: ?لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُوْنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّوْنَ مَنْ حَادَّ اللّه وَرَسُوْلَهُ وَلَوْ كَانُوْا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيْرَتَهُمْ أَوْلَئِكَ كَتَبَ فِيْ قُلُوْبِهِمْ الإِيْمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوْحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهُارُ خَالِدِيْنَ فِيْهَا رَضِيَ اللّه عَنْهُمْ وَرَضُوْا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللّه أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللّه هُمُ الْمُفْلِحُوْنَ?[المجادلة: 22].
وقال اللّه تبارك وتعالى: ?الَّذِيْنَ آمَنُوْا يُقَاتِلُوْنَ فِيْ سَبِيْلِ اللّه وَالَّذِيْنَ كَفَرُوْا يُقَاتِلُوْنَ فِيْ سَبِيْلِ الطَّاغُوْتِ فَقَاتِلُوْا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيْفاً?[النساء: 76].
وقال اللّه تعالى: ?وَقَاتِلُوْا فِيْ سَبِيْلِ اللّه الَّذِيْنَ يُقَاتِلُوْنَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوْا إِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِيْنَ?[البقرة: 190] ، ومن لم يحبه اللّه أكبه في النار، وبرىء من ولاية اللّه.(1/31)
[و] قال اللّه تعالى: ?قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِيْنَةَ اللّه الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هُيَ لِلَّذِيْنَ آمَنُوْا فِيْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ?[الأعراف: 32] فخلصت الطيبات من الرزق، والزينة في الجنة لمن لقي اللّه تعالى مؤمناً يوم القيامة.
وقال اللّه تعالى لـ(يونس): ?وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِيْنَ?[الأنبياء: 88].
وقال تبارك وتعالى: ?فَهَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِيْنَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوْا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرينَ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِيْنَ آمَنُوْا كَذَلِكَ حَقاً عَلَيْنَا نُنْجِي الْمُؤْمِنِيْنَ?[يونس: 102 - 103].
وقال اللّه تعالى: ?لاَ يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلاَئِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِيْ كُنْتُمْ تُوْعَدُوْنَ?[الأنبياء: 103].
فمن زعم أن المؤمنين يخافون ويحزنون أو يعذبون يوم القيامة، ركب هواه وهوى غيره من السفهاء من الناس، والحجة غير القرآن.(1/32)
استحقاق عصاة أهل القبلة العذاب بما دون الشرك
ومن زعم منهم أنه من صلى إلى القبلة أدخله اللّه تعالى الجنة على كل أمر يعمل به من معاصي اللّه، استخف بحق القرآن، ولم يشفه القرآن، وغره أماني الشيطان فإن اللّه تعالى قال لقوم: ?وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ?[الحديد: 14] والغرور: هو الشيطان.
وقال اللّه تبارك وتعالى: ?وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَلاَ يَزِيْدُ الظَّالِمِيْنَ إِلاَّ خَسَاراً?[الإسراء: 82]
وإنهم يحتجون بهذه الآية التي في سورة البقرة: ?قُوْلُوْا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوْبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوْتِيَ مُوْسَى وَعِيْسَى وَمَا أُوْتِيَ النَّبِيْئُونَ مِنْ ربهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيِنَ أَحِدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُوْنَ فَإِنْ آمَنُوْا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقِدِ اهْتَدُوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فِإِنَّمَا هُمْ فِيْ شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيْكَهُمُ اللّه وَهُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ?[البقرة: 136 - 137]، فمن آمن بهذه الآية فقد اهتدى كما قال اللّه تعالى، ولا يخرجه من الهدى إلاَّ المعاصي التي أوجب اللّه تعالى عليها النار، ولعن الذين يعملون بها.
وأنزل اللّه في سورة (التوبة): ?وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بِعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُوْنَ إِنَّ اللّه بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيْمٍ?[التوبة: 115].
وقال تبارك وتعالى: ?هَلْ يَنْظُرُوْنَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمْ الْمَلاِئَكَةُ أَوْ يَأْتِيَ ربكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ ربكَ يَوْمَ يَأْتِي بِعْضُ آيَاتِ ربكَ لاَ يَنْفَعُ نَفْساً إِيْمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِيْ إِيْمَانِهَا خَيْراً?[الأنعام: 158].(1/33)
فسل أهل البدع عن من لم ينفعه إيمانه ولم يكسب في إيمانه خيراً، أيرجون له الجنة، أم هم في شك فيه أنه من أصحاب النار؟ قال اللّه تبارك وتعالى: ?مَا كَانَ حَدِيْثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيْقَ الَّذِيْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيْلَ كُلِّ شَيءٍ وَهُدَىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُوْنَ?[يوسف: 111]، فالمؤمن مهتد مرحوم، قال اللّه تبارك وتعالى: ?وَإِنَّ اللّهَ لَهَادِ الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ?[الحج:54]، فمن هداه اللّه إلى صراط مستقيم كان منزله عند اللّه الجنة.
وقال اللّه تعالى: ?إِنَّ الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيْهِمْ ربهُمْ بَإِيْمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ الأَنْهَارُ فِيْ جَنَّاتِ النَّعِيْمِ دَعْوَاهُمْ فِيْهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيْهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رِبِّ العَالَمِيْنَ?[يونس: 9 - 10].
وقال تعالى: ?وَالَّذِيْنَ آمَنُوْا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُريتُهُمْ بِإِيْمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُريتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيءٍ?[الطور: 21].
وقال تعالى: ?يَاأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عِنْ ذِكْرِ اللّه وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُوْنَ?[المنافقون: 9].
فسماهم اللّه تعالى في أول الآية مؤمنين، وسماهم في آخرها - إذا ألهتهم أموالهم عن الذكر -: خاسرين، بغير جحود بالله ولا شك فيما جاء به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وقال آدم (ص) حين أكل هو وزوجه من الشجرة: ?ربنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الْخَاسِرينَ?[الأعراف: 23].
فسلهم أيشكون في الخاسرين أن اللّه تعالى يدخلهم النار؟(1/34)
وقال تعالى: ?يَآأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيْمَانِهِنَّ?[الممتحنة: 10] فسماهن مؤمنات بالتصديق، وسألهن إيماناً بالعمل.
والعمل حقيقة الإيمان، قال اللّه تعالى: ?يَآأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمَؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِيْنَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَ وَلاَ يَأْتِيْنَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرينَهُ بَيْنَ أَيْدِيْهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِيْنَكَ فِيْ مَعْرُوْفٍ فَبَايِعْهُنَ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللّهَ إِنَّ اللّه غَفُوْرٌ رَحِيْمٌ?[الممتحنة: 12].
فسل أهل البدع والباطل لو أن امرأة منهن قالت: يا رسول اللّه أشهد أن هذا الذي تبايعني عليه حَقٌ من اللّه تعالى، غير أني لا أصبر عن الزنا والسرقة، أكان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يبايعها، ويستغفر لها؟! أكانت تنزل منزلة المؤمنات؟! فيحق على نبي اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الاستغفار لها.
وسلهم عن امرأة بايعت وأقرت بما جاء به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ثم ذهبت في السِّرِّ فزنت، وقتلت ولدها، ثم ماتت في نِفَاسِها ذلك، فبلغ نبيُ اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أنها فعلته، أكانت ممن أمر اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يستغفر لها، فقال: ?وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِيَنْ وَالْمُؤْمِنَاتِ?[محمد: 19]؟!
فإن قالوا: قد ثبت لها الاستغفار. قيل لهم: فلوا أن رجلا قتل نفساً مؤمنة خطأ وقد فرض اللّه تعالى عليه الدية، وتحرير رقبة مؤمنة، فَدُلَّ على امرأة يشتريها ليعتقها، فوجدها قد زنت وقتلت ولدها فجاء يستفتيكم: تجوز عنه برقبة مؤمنة، التي أوجب اللّه تعالى عليه أم لا؟ فإن قالوا: لا تجوز برقبة مؤمنة. كان لهم دِيْنَانِ: دينٌ في السِّرِّ، ودين في العلانية.(1/35)