ومن دعائه حين خرج من المدينة إلى الشام
وفي كتاب (التحفة العنبرية) حين استقدمه هشام من المدينة الى الشام:
اللَهُمَّ إنَّك تَعْلَمُ أني مُكْرَهٌ مَجْبُورٌ مضطرٌ غيرُ مختارٍ ولامالك لنفسي، اللَهُمَّ واكفني كَيْدَهُ وألبِسْنِي جُبَّةَ عِزٍّ لكيلا أخشعَ لسلطانِه، ولا أرهب من جنوده، اللَهُمَّ وابسُط لِساني عليه بإعزازِ الحقِّ ونُصْرَتِه، كي أقولَ قولَ الحقِّ ولا تأخُذُنِي لومةُ لائم، ولا إذلالُ الجبَّارِين، اللَهُمَّ واجْمَعْ قَلْبِي عَلَى هِدَايتِكَ، وأرني من إِعزازِكَ إياي ما يَصْغُرُ به عندي مُلْكُه، وتَذِلُّ لي نَخْوَتُه، اللَهُمَّ فاطْرَحِ الهيبة في قَلْبِه وذَلِّلْ لي نفسه، واحْبِسْ عَنِّي كَيْدَهُ.
ثم قال: إني خارج عن وطني ودار هجرتي وما أراني إليها راجع.
ثم أتى قبرَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فصلى إلى جَنْبِه، ثم انصرف من صلاته فقال: السَّلام عليك يارسول اللّه، السلام عليك يانبي اللّه، السلام عليك ياخيرة الأنبياء وأشرف الرسل، السلام عليك ياحبيب اللّه، هذا آخر عهدي بمدينتك، وآخر عهدي بقبرك ومنبرك، أخْرِجْتُ يا أبَهْ كارهاً، وسِرْتُ في البلاد أسيراً يارسول اللّه، وإني سائلك الشفاعة إلى اللّه عز وجل، وأن يُؤَيِّدَنِي بِثِقَةِ اليقين، وعِزِّ التقوى، وأن يختم لي بشهادة تلحقني بآبائي الأكرمين وأهلي الطاهرين .(1/266)


من أشعار الإمام زيد
للإمام زيد نَفَسٌ عذب في سياغة المعاني وذوق رفيع في نظم الشعر، إلا أنه لم ينقل الينا من أشعاره الا اليسير، وقد ذكر الشبلنجي في (نور الأبصار) أن سيبويه كان يحتج بما ورد عن الإمام زيد من أشعار فيما يذهب إليه من اختيارات لغوية ونحوية.
وقد تتبعت ماروي عنه من أشعار في كتب متفرقة فعثرت على اليسير من ذلك، وأثبته هنا إتما ما للفائدة، وتقريبا للباحثين.
ومن ذلك ما وجدته في مجوع فيه كتب وأخبار الإمام زيد برواية السيد عماد الدين يحيى بن الحسين بن القاسم بن محمد.
روي عنه أنه كان يقول:
حكمُ الكتابِ و طاعةُ الرحمنِ .... فَرَضَا جِهَادَ الجائرِ الخوَّانِ
فالمسرعون إلى فَرائض ربهم .... برؤا مِنَ الآثامِ و العدوانِ
و الكافرون بِفَرْضِهِ و بحكمه .... كالساجدون لِصُورَةِ الأوثانِ
كيف النَّجاة لأمة قد بَدَّلت .... ماجاء في القرآن و الفُرْقَانِ
ومن شعره أسنده الحاكم أبو سعيد في كتاب (جلاء الأبصار):
السيف يعرف عَزْمِي عِنْدَ هَزَّته .... والرُّمح بي خَبِرٌ والله لي وَزَرُ
إنا لنأمل ما كانت أوائلنا .... مِنْ قَبْلُ تأمُلُه إن ساعد القَدَرُ
وفي (نسمة السحر فيمن تشيع وشعر)، وأسند الحاكم أيضاً في (جلاء الأبصار):
يقولون : زيدٌ لا يزكي بماله .... وكيف يزكي المال من هو باذله؟
إذا جاء رأسُ الحولِ لم يَكُ عِنْدَنَا .... من المال إلا رَسْمُه وَ فَوَاضِلُه
قال يرثي أخاه أبا جعفر الباقر:
يا موت أنت سَلَبْتَنِي إلفاً .... قَدَّمْتَهُ وَتَرَكْتَنِيْ خَلْفاً
وا حُزْنَا لا نلتقي أبداً .... حتى نَقُوْمَ لِرَبِّنَا صَفّاً
وقال لما خرج للقتال:
أذُلُّ الحياةِ و عِزُّ المماتِ .... وكل أراه طعاماً وبيلا
فإن كان لابد مِنْ واحد .... فسَيْرٌ إلى الموت سيراً جميلا
وذكر له الزمخشري في كتابه (آداب النفس) هذين البيتين:
وإذا أردت تَحَوُّلاً من منزل .... فانظر مَنِ الجِيْران حَولَ المنزلِ
وإذا ظفرت بجارِ سوءٍ فاتقي .... وإذا ظَفِرتَ بِجَارِ صِدْقٍ فَاحْلُلِ(1/267)


وذكر له أيضاً أبو الحسن بن المرزبان في كتابه (فضل الكلاب على كثير ممن لبس الثياب):
إحذَرْ مَوَدَّة مارق .... خَلَطَ المرارة بالحلاوة
يُحْصِي الذنوبَ عليك أيّـ .... ـام الصَّداقة للعداوة
وقال أيضاً:
متى ما ذهبنا نترك القولَ بالهدى .... و نترك حقاً قد علمناه مُحْكما
أسأنا ولم نُحْسن وكنا كمن طغى .... وحَادَ عن التقوى وأغفَلَ مُبْرَما
وفي كتاب (مسالك الأبرار المنتزع من جلاء الأبصار) مالفظه: لما احتضر زيد بن علي صلوات اللّه عليهما قال لابنه يحيى عليه السلام: مافي نفسك يابني؟ قال: أجاهدهم في اللّه إلا أن لا أجد من يعينني. قال: نعم يابني جاهدهم، فوالله إنك على الحق وإنهم على الباطل، وإن قتلاك في الجنة وقتلاهم في النار، ثم أنشأ يقول:
أبنيَّ إِمَّا أهلكنَّ فلا تَكُن .... دَنِسَ الفعالِ مُبَيَّضَ الأثوابِ
واحْذَرْ مُصَاحَبة اللئيم فإنما .... شَيْنُ الكريمِ فُسُولة الأصحابِ
ولقد بلوتُ الناس ثُمَّ خَبَرْتُهم .... وخَبَرْتُ ماوصلوا مِنَ الأسبابِ
فإذا القرابةُ لا تقربُ قاطعاً .... وإذا الْمَودَّة أقربُ الأنسابِ
وروى الإمام المنصور بالله بإسناده إلى الحسين بن زيد قال: حدثني سالم مولانا، قال: كنت مع الإمام زيد بن علي بواسط ومعه أناس من قريش فذكروا أمر أبي بكر وعمر، فكان القرشيون قدموا أبا بكر وعمر، فلما قاموا قال لي زيدٌ: قد سمعتُ مقالتهم، فكرهت أن أجاريهم، ولكن قد قلت كلمات فاذهب بها إليهم:
و من فَضَّل الأقوامَ يوماً برأيهِ .... فإن علياً فضلته المناقبُ
و قولُ رسول اللّه و الحقُّ قولُه .... وإن رَغِمَتْ مِنْهُ الأنوف الكَوَاذِبُ
فإنك مِنِّي يا عليُّ بمنزل .... كهارون من موسى أخ لي وصاحبُ
دعاه بِبَدرٍ فاستجاب لأمرهِ .... و بارز في ذَاتِ الإله يُضَارِبُ
فأحجم عنه المشركون جَمِيعهم .... شَبابُهم والمنصفون الأشايبُ
ويوماً بذي المهراس أجْدَ بسيفه .... وقد جَعلت تنبو السُّيوفُ القواضِبُ
فما زال يعلُوهم به و كأنه .... شِهابُ تلقته القوابس ثاقبُ
فإن يجحدوه حَقَّه مع علمهم .... به تجزهم عنه بذاك العواقبُ(1/268)


ومما يروى عنه قوله:
منخرق الخفين يشكو الوحَى .... تنكبه أطراف مَرْوٍ حدادِ
شرده الخوف و أزرى به .... كذاك من يكره حَرَّ الجلادِ
قد كان في الموت له راحةٌ .... والموتُ حَتْمٌ في رقاب العبادِ
إن يُحْدِثِ اللّه له دَولةً .... يترك أرباب العِدى كالرمادِ
وكان يتمثل بقول القائل:
لسنا وإن كرمت أوائلنا .... بداً على الأحساب نَتَّكلُ
نبني كما كانت أوائلنا .... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وروى عنه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 6/22:
لو يعلم الناس مافي العرف من شرف .... لشرفوا العرف في الدنيا على الشرف
و بادروا بالذي تحوي أكفهم .... من الخطير و لو أشفوا على التلف
وروى عنه ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 6/24:
مهلا بني عمنا عن نحت أثلتنا .... سيروا رويداً كما كنتم تسيرونا
لا تطمعوا أن تهينونا و نكرمكم .... وأن نكف الأذى عنكم وتؤذونا
اللّه يعلم أنا لا نحبكم .... و لا نلومكم إلا تحبونا
كل امريء مولع في بُغض صاحبه .... فنحمد اللّه نقلوكم و تقلونا
وفيه عن أمالي الصدوق في المجلس 181 عن الإمام زيد:
نحن سادات قريش .... وقوام الحق فينا
نحن الَنْوار التي من .... قَبْلِ كَوْنِ الخلق كنا
نحن منَّا المصطفى الـ .... ـمختار والمهديُّ منا
فبنا قد عُرِفَ اللـ .... ـه و بالحق أقمنا
سوف يصلاه سعيرا .... من تولى اليوم عنا
وروى ابن عساكر كما في تهذيب تاريخ دمشق 6/22:
إن المحكم مالم يرتقب حسداً .... لو يرهب السيف أو وخز القناة صفا
من عاذ بالسيف لاقى فرجة عجباً .... موتاً على عجل أو عاش فانتصفا(1/269)


وفي تهذيب تاريخ دمشق 6/23: قال زكريا بن زائده: لما حججت مررت بالمدينة فدخلت على زيد بن علي فسلمت عليه فسمعته يتمثل بأبيات ويقول:
ومن يطلب المال الممنع بالقنا .... يعش ماجداً أو تخترمه المخارم
متى تجمع القلب الذكي وصارماً .... وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم .... فهل أنا في ذا يال همدان ظالم

[تم بحمد اللّه هذا المجموع المبارك](1/270)

54 / 55
ع
En
A+
A-