فإياكم والآثار، وأفاعيل أئمة أهل الضلال، فلا تكونوا من المتصلين بالمقارنة، فأئمة الضلالة سامرية، قالوا: لا جهاد في الدين، وخذلوا أهل الحق عند عصمة أمرهم، وفارقوا القرآن. وناكثةٌ نكثوا عن إمام الهدى، وحاربوا اللّه بمعصيته. وحرورية مارقة، مرقوا من الدين. [و] قاسطون، نسوا اللّه فنسيهم، فهؤلاء خلف لهم في زمنك، يجب البراء منهم فَابَرأ منهم، والحمدلله.
وكتبت تسألني عن الإيمان بالله ووثائقه. فمن وثائق الإيمان الحُبُّ في اللّه، والبغض في اللّه، والولاية في اللّه، والعداوة في اللّه. فأحلف بالله إن الرجل ليَوقَعُ في إيمانه بالمقارنة لمن خالف اللّه تعالىوعادى أهل ولايته وتولى أعداءه.
وسألت عن الصلاة مع أئمة الجور، فإن استطعت أن تكون عوناً لمن قصد إلى إزالتهم من المحراب فكن، فإذا ابتليت بهذا فاجعلها نافلة معهم وأد الفرض عن نفسك.
وكتبت تسألني عن الزكاة، هل تجزيء إذا أدِّيت إلى أئمة الجور؟ فمعاذ اللّه، إنما الصدقات لأهلها، والزكوات مضمونة لله حتى تؤدى إلى أهلها، وكذلك خُمُس الغنيمة، فلا تركن في ذلك إلى القاسقين من علماء السوء وأعوان الجبارين؛ فإنه لا رخصة في ذلك.
وكتبت تسألني عن الغرق في سلطانهم، فالذي آخذ به لنفسي أن لا أكَثِّر لهم سواداً، وأن لا أكمِّل لهم صفاً، فإذا ابتليت بذلك، فكن أمة وحدك، فما أهلك الناس إلا إتباع الرؤوس المبتدعين في دين اللّه، ما بالك والقدوة في الشر، فإنه لا قدوة إلا في الخير وأهل الخير، ولا تنظر إلى الرجال ولكن أنظر إلى أعمالهم، واعتبر أعمالهم بالكتاب، وأعرض آثارهم على القرآن، فإن رأيتها متبعة للقرآن فالعاملون بها هداة، وإن رأيتها مفارقة للقرآن فالعاملون بها ضلال، فاحفظ حفظك اللّه ما كتبت إليك، فإن الموعظ والواعظ مشتركان في الخير.(1/251)


وكتبت تسألني عن رواة الصحابة للأثار عن الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم، وقلت: إنك قد نظرت في روايتهم فرأيت فيها ما يخالف الحق. فاعلم يرحمك اللّه أنه ما ذهب نبي قط من بين أمته إلا وقد أثبت اللّه حججه عليهم، لئلا تبطل حجج اللّه وبَيِّناته، فما كان من بدعة وضلالة فإنما هو من الحَدَث الذي كان من بعده، وإنه يكذب على الأنبياء صلوات اللّه عليهم وسلامه.
وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((أعرضوا الحديث إذا سمعتموه على القرآن فما كان من القرآن فهو عني وأنا قلته، ومالم يكن على القرآن فليس عني ولم أقله، وأنا برىء منه)).
وعليك بعلي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه وسلامه، فإنه كان باب حكمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، وكان وصية في أمته، وخليفته على شريعته، فإذا ثبت عنه شيء فاشدد يدك به، فإنك لن تضل ما اتبعت علياً صلوات اللّه عليه وسلامه.
وكتبت تسألني عن أهل بيتي وعن إختلافهم. فاعلم يرحمك اللّه تعالى أن أهل بيتي فيهم المصيب وفيهم المخطيء، غير أنه لا تكون هداة الأمة إلا منهم، فلا يصرفك عنهم الجاهلون، ولا يزهدك فيهم الذي لا يعلمون، وإذا رأيت الرجل منصرفاً عن هدينا، زاهداً في علمنا، راغباً عن مودتنا، فقد ضل ولا شك عن الحق، وهو من المبطلين الضالين، وإذا ضل الناس عن الحق، لم تكن الهداة إلا منا، فهذا قولي يرحمك اللّه تعالى في أهل بيتي.
وكتبت تسألني عن الذين اعتزلوا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، ولم يقاتلوا معه، ولم يقاتلوه. والذي أختاره لنفسي ومن أطاعني فيهم من أمتنا، أن القوم لم يكن لهم في الحق بصيرة فارتابوا فيه، فتركهم أمير المؤمنين عليه السلام في ريبهم يترددون، وعلى شكهم يقيمون، وحرمهم عطاء المحقين في الدنيا أيام حياته، فهذا عافاك اللّه تعالى قولي في المرتابين، الشاكين، الذين قعدوا عن أمير المؤمنين سلام اللّه عليه.(1/252)


فأما حزب أمير المؤمنين، فلا شك في أمرهم، هم حزب اللّه، وحزب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
وكتبت تسألني عن حالي، فأنا يوم كتبت إليك مفتقر إلى اللّه تعالى أدعوه وأسأله أن يلحقني بآبائي الشهداء المرزوقين، لزهدي في الدنيا.
وذكرت في كتابك: أن قوماً يقولون: الإيمان قول باللسان، وإن الفرائض ليست من الإيمان. وإنما يؤدي إلى اللّه فرائضه المؤمنون، والإيمان مبني على دعائم وشعب، وللإيمان أول ووسط وآخر.
فأول الإيمان: ما كلف اللّه هذه الأمة من الإيمان، والإقرار به، وبرسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم قولا، ثم جاءت الفرائض فكانت بعد ذلك الشاهدة، ثم آخر ذلك أن تخرج النفس مؤقنة مطمئنة مُصدقة بما كانت عليه أيام حياتها، وقد قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا إيمان لمن نكث عهده، ولا إيمان لمن تعَرَّب بعد هجرته)). قيل يا رسول اللّه: وكيف التعرب بعد الهجرة؟ قال صلوات اللّه عليه وعلى آله: ((ينكر ما كان عليه معي بعد وفاتي)).
وقال اللّه عز وجل في كتابه: ?وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُوْلٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىْ أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبُ عَلَىْ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه شَيْئاً وَسَيَجْزِيْ اللّه الشَّاكِرينَ?[آل عمران: 144]، والشاكرين: هم الذين اتبعوه على أمره، وكانوا عليه حتى توفاهم اللّه وهم على ذلك.(1/253)


وذكرت أمر السامرية الذين قالوا: لا قتال، كما قال إخوانهم من قبلهم: لا مساس. فلو كان من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام أمر في ذلك لاأمضاه، فأنا أوقفهم ولا أجاهدهم كصنع أمير المؤمنين في سلفهم: سعد، وابن عمر، وأسامة، وأبي مرة ، وابن مسلمة، وذويهم، تَرَكهم أمير المؤمنين في دينهم يترددون، وفي طغيانهم يعمهون، فقد لبس هؤلاء النفر الذين لا يعلمون، ويظن الجاهلون أنما كانوا متورعين، وإنما استماتوا وسئموا وتربصوا لغِرَّة هذه الأمة، فقد نالوا ما أرادوا من غلبة الدين، وقد لقوا رباً كريماً والله ولي أمرهم، فنقفهم حيث وقفوا، ولا نجوز بهم الأمر الذي عليه عكفوا.
وذكرت أمر طلحة، والزبير، وعائشة، ومن تبعهم، وما كان منهم من الحرب لأمير المؤمنين عليه السلام.
قلت: أن قوما قالواً: قد تابوا من ذلك، فأحْبَبْتَ أن تعلم قولي في ذلك، فقد ثبت عليهم ما أجرموا وإلى اللّه المصير.
وذكرت أن قوماً قد أقاموا على سخط اللّه تعالى وعصيانه، ومخالفته، وأنهم إذا نهو عن ذلك قالوا: اللّه أراد هذا، اللّه قدر هذا. فأرسلوا أنفسهم في الذنوب، ولجوا في المعاصي، فإحببتَ أن أكتب إليك ما أرى في ذلك، والذي أقول في ذلك وأرضاه: أن تقرأ القرآن وتدبره، فتنظر ما أراده اللّه، وأوجبه فتضيفه إلى اللّه، وما كرهه فتضيفه إلى صانعه.
أرأيت قوله في كتابه: ?وَلاَ يَرْضَى لِعِبَادِهِ الكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوْا يَرْضَهُ لَكُمْ? [الزمر: 7] أرأيت قوله: ?يُريدُ اللّه بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُمُ العُسْرَ? [البقرة: 185]، أرأيت قوله تعالى: ?وَقَالُوْا لَوْ شَاءَ اللّه مَا عَبَدْنَاهُمْ مَالَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُوْنَ? [الزخرف: 20]، هذا كله قول اللّه عز وجل وهو أصدق من قولهم.(1/254)


ثم إني أرتضي لك الا تخرج العاصين من قدرة اللّه تعالى، ولا تعذرهم في معصية اللّه، ومن قال: إنه قد ملك أعماله مع اللّه فقد أشرك بالله، ومن قال: إنه قد ملكها دون اللّه تعالى فقد كفر بالله، ولكن القول الذي أرضاه في هذا الباب إتباع، فإذا أطعت شكرت اللّه تعالى، وإن عصيت استغفرت اللّه تعالى، فإن اللّه تعالى قال لنبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ?وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ? [محمد: 19]، وقال تبارك وتعالى: ?وَلِلَّهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْشَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِيْنَ? [الأنعام: 149]، وقال تبارك وتعالى: ?وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ القَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مَنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ? [السجدة: 13].
فإذا رأيت المصرين على الذنوب فالقهم بوجه مبلس، لترضى اللّه بذلك فإنه من أذل أهل معصيته طلباً لما يرضيه أرضاه.(1/255)

51 / 55
ع
En
A+
A-