تفسير بعض الآيات
وقال أبو الحسين زيد بن علي عليهما السلام في قوله عز وجل: ?وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللّه جَمِيْعاً?[آل عمران:103] هو: القرآن، هو حبل اللّه الذي من اعتصم به هدى إلى صراط مستقيم.
وقال عليه السلام في قوله تعالى: ?وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوْراً مُبِيْناً?[النساء:174]، قال: هو القرآن.
وقال عليه السلام في قوله تعالى: ?يَهْدِيْ بِهِ اللّه مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ? [المائدة:16] ، المتبع أن يأتي بطاعة اللّه ويزدجرعن معصية اللّه.وسبل السلام: طرق النجاة من الهَلَكة.
وقال عليه السلام: ?الَّذِيْنَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَتْلُوْنَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُوْنَ بِهِ?[البقرة: 121]. يتبعونه حق اتباعه، ليس ذلك بالهَذِّ والدِّراسة.
وقال بكر بن حارثة: سمعت أبا الحسين زيد بن علي بن الحسين تلى هذه الآية: ?بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيْئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيْهَا خَالِدُوْنِ?[البقرة:81]، فقال عليه السلام: الذي أحاطت به خطيئته: الذي يموت وليست له توبة.
حكى إبراهيم بن عبدالله عن أبيه في قوله تعالى: ?كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوْبِهِمْ مَا كَانُوْا يَكْسِبُوْنَ?[المطففين:14] قال: اكتسبوا الذنوب. قال عليه السلام: والرَّان: سواد على القلوب حتى ترى المنكرَ معروفاً، والمعروفَ منكراً، وحتى ترى الحق باطلا، والباطل حقاً، وحتى ترى الهدى ضلالا، والظلال هدى.(1/246)


جوابات وفتاوى الإمام زيد
(1) جواب الإمام زيد على واصل بن عطاء في الإمامة
سأل واصلُ بن عطاء الإمامَ زيد أبا الحسين زيد بن علي عليهما السلام، هل الإمامة بالإختيار كانت فتكون، أو التَّعيين والنَّص؟
فقال عليه السلام: إن الإمامة أمانةُ اللّه عند أئمة الهدى، إن أدوها إليه سلموا من التَّبِعة فيها، واستحقوا الرعِّاية.
فقال واصل: أجبني، وإن أحببت إعفائي أعفيتك.
فقال (ع): سأكتب إليك برأيي في ذلك، وبما أعتقده في الإمامة.
فقال واصل: حسبي حسبي أنا منتظر رسالتك.
فقال الإمام الأعظم أبو الحسين زيد بن علي عليهما السلام:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
حاطَك اللّه أبا خذيفة، وعَصَمَك، وَوَفَّقَك، وسَدَّدَك، سألت عن الإمامة، فقلت: عن خَيرة كانت فتكون، أو عن نصوص؟ فإحْبَبْتُ أن أطرح خلاف الناس في ذلك، وما قاله كلُ فريقٍ، منهم إذْ قد عَنَيْتَنِي بمسألتك، وقَصَدْتَ تَحَرِّي قولي في ذلك. فأقول: الحمدلله على ما خَصَّ وَعَمّ من نِعَمٍ وإحسان، وتوفيق وامتنان، وصلى اللّه على خِيْرةِ اللّه من جميع خلقه، وبارك اللّه لنا ولك في المنقلب وفي المثوى.
إن الإمامة أولُ خلافٍ وقع في الأمة بعد مُضِيِّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ووفاته، انْتَهَبَهَا قومٌ كما يُنتهب تراث الدنيا، فكل يقول إنه أحق - برأيه وبزعمه -، وإنه أخَصَّ وأولى.(1/247)


فَحَاجَّ أبوبكرٍ الأنصارَ بحجج عامة لسائر قريش، ثم أخْتَصَّ بها دونهم من غير مُشَاوَرَةٍ من جميعهم، ولا أخذ إقرارهم أنه أوْلاَهم بها، ثم قام بها أيام حياته، وتَضَمَّنها بعد وفاته بما جعل لعمر بن الخطاب منها، وما خصه بها من تسليمها له دون غيره، نصاً وتسمية وتعييناً، فقام عمرٌ ينحو نحوه، ولا يتغير عن طريقته، حتى كان من أمر عَبدِ المغيرة بن شعبة ما كان، فجعلها في سِتَّةٍ ليختاروا أحدَهم، وكان من عبدالرحمن بن عوف الذي كان، فَسَلَّمَهَا إلى عثمان...... فيما خيروه، وعاتبوه، واستتابوه، فلم يَتُبْ، فهجموا على داره فقتلوه.
فأتى قومٌ من المهاجرين أميرَ المؤمنين علياً وهو لا يشعر فنعوا إليه عثمان بن عفان، وقالوا: قتله المِصْرِيُّون وإنا لا نجد عنك غنى ولا ملجأ ولا معاذاً، فكان منه الجواب الذي أخفيه عنك، فلا يضرك إن أخفيته، ولا ينفعك إن رسمته في كتابي هذا، فبايعوه على كتاب اللّه تعالى، والعمل بما فيه، فأقام لهم العدل وعمل فيهم بالقرآن.(1/248)


(2) جواب على أحد النصارى
دخل الإمام زيد على هشام وعنده راهب مسيحي، فقال له: كلم هذا يازيد؟
فقال للراهب: ألست معي أن عيسى عليه السلام كان شخصاً جسيماً مجسماً، وكان مولوداً وناشئاً بعد مولده إلى أن دعا إلى اللّه تعالى؟
قال الراهب: أقول: إنه ابن اللّه.
قال الإمام: ويحك لم أسألك عن هذا، سألتك عن عيسى هل ولدته مريم طفلا مولوداً؟
قال الراهب: نعم أقر بذلك.
قال الإمام: فما الذي ينقله عن هذا الحد حتى زعمت أنه رب وإله؟
قال الراهب: ما كان من فعله.
قال الإمام: وأي شيء فعل؟
قال الراهب: يحيي الموتى ويبرئ الأكمة والأبرص.
قال الإمام: هذا كله آية لله ودلالة عليه، إذ جعل هذا على يديه، ألم تر أن ذلك كله لم يُخْرِج عن حال المحدث وصفة المخلوق، بل رجع جميع ما كان منه إلى الدلالة على اللّه، إذ لا تعلم أقد غاب عيسى أو يكون في الأرض؟ ولا تعلم به حتى أظهر ما أظهر، إذ قد زعمت أن ربك يأتي خلقه في صورتهم كأحدهم.
فقال الراهب: أنا أشهد أن لاإله إلا اللّه وأن محمداً رسول اللّه وأشهد أن عيسى كلمة اللّه ألقاها إلى مريم وأنه عبد مخلوق.(1/249)


(3) الرسالة المدنية
مجموعة من جوابات الإمام زيد على أسئلة وردت إليه من المدينة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله.
قال الحسين بن زيد بن علي عليهم السلام: كتب أبي إلى أخٍ له من أهل المدينة كتاباً [يقول فيه]:
سلام عليك أما بعد: فإنا روينا عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، أنه قال: ((الإيمانُ بضعٌ وستون شعبة أعلاها شهادة أن لاإله إلا اللّه)) وحده لا شريك له والإقرار برسله عليهم السلام، والإيمان بهم، والتصديق بما بُعثوا به ((وأدناها إماطَةُ الأذى عن الطريق)).
والإيمان: قولٌ باللسان، وتصديقٌ بالقلب، وعملٌ بالجوارح، إذا ذهب شيء من ذلك تَبِعَهُ الآخَر. والأيمان: نزهة فنزهوا الإيمان من الخبائث، واجتنبوا قَوْلَ الزُّور.
ذكرت أن قوماً قِبَلك يتولون قوماً مضوا على الإحداث في الدين، واتخذوا ذلك سنة. قلتَ: وهم لا يعلمون ذلك.
أحببتَ أن تعلم رأيي في ذلك. فمن شهد للمُحْدِثين في دين اللّه تعالىأنهم من أهل الحق، وهو لا يعلم ذلك، فقد تهوك في الباطل، واتبع هواه بغير هداية من اللّه. ولو علمهم مبطلين فشهد أنهم كانوا محقين، تمرداً وعتواً، كان في النار أشدَ عذاباً من الشاهد الذي لا يعلم، فإن اللّه عز وجل قد قال في هؤلاء: ?إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِيْنَ اتَّبِعُوْا مِنْ الَّذِيْنَ اتَّبَعُوْا وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابَ? [البقرة: 166]، وقال اللّه سبحانه: ?الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌ إِلاَّ المُتَقِيْنَ? [الزخرف: 67]. فقد حذر اللّه تعالى بقوله: ?قَالُوْا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلَّونَا? [الأحزاب: 67]، فهذا كله تحذير، يقولون: قومنا عاندوا اللّه، واتبعوا أهل الجور.(1/250)

50 / 55
ع
En
A+
A-