ومن كلام له في القرآن
قال الإمام المرشد بالله: أخبرنا الشريف أبو عبدالله، قال: أخبرنا محمد بن جعفر النجار قراءة عليه، قال: حدثنا إسحاق بن محمد التمار المقري، قال: حدثنا محمد بن سهل العطار، قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن عبدالله الأنصاري البلوي، قال: حدثنا إبراهيم بن عبدالله بن يعلى، قال: حدثني أبي، قال سمعت أبا غسان الإزدي يقول:
قدم علينا زيد بن علي الشام أيام هشام، فما رأيت رجلا كان أعلم بكتاب اللّه منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا - ونحن في الحبس - تفسير الحمد وسورة البقرة، يَهُذُّ ذلك هذاً، فذكر الكتاب وقال:
واعلموا رحمكم اللّه تعالى أن القرآن والعمل به يهدي للتي هي أقوم، لأن اللّه تعالى شَرّفه وكرمه، ورفعه، وعظمه، وسماه: روحاً، ورحمة وشفاء، وهدى، ونوراً، وقطع عنه بمعجزِ التأليف أطماعَ الكائدين، وأبانه بعجيب النَّظم عن حيل المتكلفين، وجعله متلواً لا يُمَل، ومسموعاً لا تَمُجُّه الآذان، وغَضاً لا يخلق على كثرة الرد، وعجيباً لاتنقضي عجايبه، ومفيداً لا تنفد فوائده.
والقرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام لا يسع جهله، وتفسير يعلمه العلماء، وعربية يعرفها العرب، وتأويل لا يعلمه إلا اللّه، وهو ما يكون مما لم يكن.
واعلموا رحمكم اللّه تعالى أن للقرآن ظهراً، وبطناً، وحداً، ومطلعاً، فظهره: تنزيله، وبطنه: تأوليه، وحده: فرائضه وأحكامه، ومطلعه: ثوابه وعقابه.
وقال عليه السلام: الإعتصام بالكتاب نجاة من الفتن والأهواء المضلات، وذهاب العالم ذي الديانة صَدْعٌ في الدين لايرتق.(1/236)
ومن كتاب يذكر فيه الظلمة
بسم اللّه الرحمن الرحيم
أما بعد .. يا قارئ القرآن، فإنك لن تتلو القرآن حق تلاوته حتى تعرف الذي حَرَّفَه، ولن تمسك بالكتاب حتى تعرف الذي نقضه، ولن تعرف الهدى حتى تعرف الضلالة، ولن تعرف التقى حتى تعرف الذي تعدى، فإذا عرفت البدعة في الدين والتكليف، وعرفت الفرية على اللّه والتحريف، رأيت كيف هدى من هدى.
واعلم يا قارىء القرآن أن القرآن ليس يعرفه إلا من ذاقه، فأبصر به عَماه، وأسمع به صَمَمَه وحيي به بعد إذ مات، ونجي به من الشبهات.
واعلم يا قارىء القرآن، أن العهد بالرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم قد طال، فلم يبق من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، ولا من الإيمان إلا ذِكْرُه، وأن اللّه تعالى لم يجعل ما قسم بيننا نهباً، ولا ليغلب قويُنا ضعيفَنا، ولا كثيرُنا قليلَنا، بل قسم علينا برحمته الأقسام والعطيات. فَمَن أَجْرَء على اللّه تعالىممن زعم أن له أقساماً بين العباد سواى ما حكم به في الكتاب، فلو كانت الأحكام كما حكم به أهل الجور والآثام، لما كان بيننا اختلاف، ولا استعدينا إلى الحكام، كما لا يستعدي بعضنا على بعض في اللحى والألوان، ولا في تمام الخلق والنقصان.
وقديماً اتخذت الجبابرة دين اللّه دغلا، وعباده خولا، وماله دُولا، فاستحلوا الخمر بالنبيذ، والمكس بالزكاة، والسحت بالهدية، يجبونها من سخط اللّه، وينفقونها في معاصي اللّه، ووجدوا على ذلك من خونة أهل العلم والتجار والزراع والصناع والمستأكلين بالدين أعواناً، فبتلك الأعوان خَطَبَتْ أئمة الجور على المنابر، وبتلك الأعوان قامت راية الفسق في العشاير، وبتلك الأعوان أخيف العالم فلا ينطق، ولا يتَّعظ لذلك الجاهل فيسأل، وبتلك الأعوان مشى المؤمن في طبقاتهم بالتَّقية والكتمان، فهو كاليتيم المفرد يستذله من لا يتق اللّه سبحانه.(1/237)
ومن كلام له يحرض فيه أصحابه على القتال
روي عن محمد بن الفرات، قال: وقف الإمام الأعظم أبو الحسين زيد بن علي عليهما السلام على باب الجسر، حين جاء أهل الشام، فقال عليه السلام لأصحابه:أنصروني على أهل الشام، فوالله لا ينصرني عليهم رجل إلا أخذت بيده حتى أدخله الجنة.
ثم قال: والله لو علمت عملا هو أرضى لله تعالى من هذا الذي وضعت يدي فيه لفعلته ولأتيته، لكني والله لا أعلم عملا هو أرضى من قتال أهل الشام، وقد كنت نهيتكم أن لا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا باباً مغلقاً، وإني سمعتهم يسبون أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب صلى اللّه عليه وسلم، فاقتلوهم على كل وجة.(1/238)
ومن كلام له في صفة الإمام
أعلم أنه لا ينبغي لأحد منا أن يدعو إلى هذا الأمر حتى تجتمع فيه هذه الخلال:حتى يعلم التنزيل والتأويل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وعلم الحلال والحرام، والسنة الناسخة ما كان قبلها، وما يحدث كيف يرده إلى ما قد كان لمثل ما فيه وله، وحتى يعلم السيرة في أهل البغي، واليسرة في أهل الشرك، ويكون قوياً على جهاد عدو المؤمنين، يدافع عنهم، ويبذل نفسه لهم، لا يُسلِمَهم حَذَر دائرة، ولا يخالف فيهم حكم اللّه تعالى، فهذه صفة من يجب طاعته من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.(1/239)
ومن كلام له في الإمامة
روى فضيل الرَّسَّان قال: قال الإمام أبو الحسين زيد بن علي عليهما السلام: قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين علي صلى اللّه عليه، ثم قبض أمير المؤمنين علي صلى اللّه عليه فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، ثم قبض أمير المؤمنين الحسن بن علي عليهما السلام، فكان أولى الناس بالناس أمير المؤمنين الحسين بن علي عليهما السلام، ثم سكت.
وقال: الرد إلينا، نحن والكتاب الثقلان.
وقال: نحن ولاة أمر اللّه، وخزان علم اللّه، وورثة وحي اللّه، وعترة نبي اللّه صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم، وشيعتنا رعاة الشمس والقمر، والله لاتقبل التوبة إلا منهم، ولا يخص بالرحمة سواهم.(1/240)