(2) ومن خطبة له يوصي فيها بتقوى اللّه
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمدلله مذعناً له بالاستكانة، مقراً له بالوحدانية، وأتوكل عليه، توكل من لجأ إليه، وأشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ورسوله المرتضى، الأمين على وحيه، المأمون على خلقه، المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه، حتى قبضه اللّه تعالى إليه صلى اللّه عليه وآله وسلم.
أيها الناس: أوصيكم بتقوى اللّه، فإن الموصي بتقوى اللّه لم يدخر نصيحة، ولم يقصر عن إبلاغ موعظة، فاتقوا اللّه في الأمر الذي لا يصل إلى اللّه تعالى إن أطعتموه، ولا تنقصون من ملكه شيئاً إن عصيتموه، ولا تستعينوا بنعمة اللّه على معصية، وأجملوا في طلب مباغي أموركم، وتفكروا وانظروا.(1/231)


(3) ومن خطبة له حين خفقت رايات الجهاد
روى سعيد بن خثيم رحمة اللّه تعالى: أن الإمام الأعظم أبا الحسين زيد بن علي عليهما السلام لما كَتَّب كتائبه، وخفقت راياته، رفع يده إلى السماء، ثم قال:
الحمدلله الذي أكمل لي ديني، واللّه ما يسرني أن لقيت محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم، ولم آمر في أمته بالمعروف ولم أنههم عن المنكر، والله ما أبالي إذا أقمت كتاب اللّه عز وجل وسنة رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم؛ أن أجِّجَت لي نارٌ ثم قُذِفْتُ فيها، ثم صرت بعد ذلك إلى رحمة اللّه تعالى، والله لا ينصرني أحد إلا كان في الرفيق الأعلى، مع محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات اللّه وسلامه عليهم.
ويحكم أما ترون هذا القرآن بين أظهركم جاء به محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، ونحن بنوه.
يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجا، أنا حجة اللّه عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود اللّه، ونعمل بكتاب اللّه، ونَقْسِم بينكم فَيْأَكم بالسوية، فاسألوني عن معالم دينكم، فإن لم أنبئكم بكل ما سألتم عنه فولوا من شئتم ممن علمتم أنه أعلم مني! والله لقد علمت علم أبي علي بن الحسين، وعلم جدي الحسين بن علي، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعَيْبَة علمه، وإني لأعلم أهل بيتي. والله ما كذبت كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرماً منذ عرفت أن اللّه يؤاخذني، هلموا فاسألوني.
وعن أبي الجارود، عن الإمام زيد أنه قال: سلوني قبل أن تفقدوني، سلوني فإنكم لن تسألوا مثلي، والله لا تسألوني عن آية من كتاب اللّه تعالى إلا أنبأتكم بها، ولا تسألوني عن حرف من سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إلا أنبأتكم به، ولكنكم زدتم ونقصتم وقدمتم وأخرتم فاشتبهت عليكم الأخبار.(1/232)


(4) ومن خطبة له أمام أصحابه قبل بدء القتال
خرج من دار معاوية بن إسحاق على خيل أشهب، في خباء أبيض ودرع تحته وعمامة، وبين يدي قربوس سرجه مصحف منشور، وهو يقول: سلوني، فما - والله - تسألوني عن حرام وحلال، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، وأمثال وقصص إلا أنبأتكم.
أيها الناس، والله ماقمت فيكم حتى عرفت التأويل، والتنزيل، والمحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وإني لأعلم أهل بيتي بما تحتاج إليه هذه الأمة، ولقد علمت علم أبي علي بن الحسين، وعلم أبي الحسين بن علي، وعلم أبي علي بن أبي طالب، وعلم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، فإعينوني على أنباط أهل الشام، فوالله ما يعينني عليهم أحد إلا أتى يوم القيامة آمناً حتى يجوز على الصراط ويدخل الجنة.(1/233)


(5) ومن خطبة له يبين فيها دعوته وآداب الجهاد
روي عن أبي الجارود أن زيد بن علي عليهما لسلام خطب أصحابه حين ظهر فقال:
الحمدلله الذي مَنَّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوباً عاقلة، وأسماعاً واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دِثَاره، وصلى اللّه على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه وصدق به، الصادق محمد صلى اللّه عليه وعلى آله الطاهرين من عترته وأسرته والمنتخبين من أهل بيته وأهل ولاتيه.
أيها الناس العجل العجل، قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، فوراءكم طالب لا يفوته هارب، إلا هارب هرب منه إليه، ففروا إلى اللّه بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبَصَّركم ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجة على من بعدكم، إن اللّه تعالى يقول: ?لِيَتَفَقَّهُوْا فِيْ الدِّيْنِ وَلِيُنْذِرُوْا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُوْنَ? [التوبة: 122] ، ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون، ?وَلاَ تَكُوْنُوْا كَالَّذِيْنَ تَفَرَّقُوْا وَاخْتَلَفُوْا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتِ وِأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ? [آل عمران: 105].
عباد اللّه إنا ندعوكم إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعبد إلا اللّه ولا نشرك به شيئاً، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه، إن اللّه دمر قوماً اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون اللّه.
عباد اللّه كأن الدنيا إذا انقطعت وتقضت لم تكن، وكأن ما هو كائن قد نزل، وكأن ما هو زائل عنا قد رحل، فسارعوا في الخير وكتسبوا المعروف، تكونوا من اللّه بسبيل، فإنه من سارع في الشر واكتسب المنكر فإنه ليس من اللّه في شيء، أنا اليوم أتكلم وتسمعون ولا تبصرون، وغداً بين أظهركم صامتاً فتندمون، ولكن اللّه ينصرني إذا ردني إليه، وهو الحاكم بيننا وبين قومنا بالحق.(1/234)


فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسهِ نفسهَ ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن ردَّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك برئ، وهو يحكم بيننا وبينهم.
[عباد اللّه] إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلأن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام، لا تتبعوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا باباً مغلقاً، والله على ما أقول وكيل.
عباد اللّه لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل اللّه، ولكن البصيرة .. البصيرة ثم القتال، فإن اللّه يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق، إنه من قتل نفساً يشك في ضلالتها كمن قتل نفساً بغير حق.
عباد اللّه البصيرة .. البصيرة.
قال أبو الجارود فقلت له: يا ابن رسول اللّه يبذل الرجل نفسه على غير بصيرة؟! قال: نعم، إن أكثر من ترى عشقت نفوسُهم الدنيا، فالطمع أرداهم إلا القليل الذين لا تخطر على قلوبهم الدنيا، ولا لها يسعون، فأولئك مني وأنا منهم.(1/235)

47 / 55
ع
En
A+
A-