ومن سورة الحاقة (69)
قال اللّه عز وجل لمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم : ?إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُوْلٍ كَريمٍ [40] وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيْلاً مَا تُؤْمِنُوْنَ [41] وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيْلا مَا تَذَكَّرُوْنَ [42] تَنْزِيْلٌ مِنْ رَبِّ العَالَمِيْنَ [43]?.
فمن زعم أن هذه الآيات غير ما أنزل اللّه تعالى على نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم مما اقْتَصَّ اللّه عليه، فقد افترى على اللّه كذباً، والله ورسوله والمؤمنون منه براء.
اللهم إنا نعوذ بك أن نفتري على اللّه الكذب، أو نقول خلاف ما أنزلت من وحيك على نبيك محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم، أو نزعم أن الإسلام قول بغير عمل، أو نزعم أن من عصاك فهو ولي لك، أو نزعم أن اللّه لا ينجز وعده فيما وعد به عباده، ومن ثوابه وعقابه، أو نزعم أن اللّه سبحانه لم يكمل لمحمد صلى اللّه عليه وعلى آله وسلم دينه، أو نزعم أن محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم قال خلاف ما أنزل اللّه إليه من حلال أو حرام.
قال خالد بن صفوان: مع أن كثيراً من كتاب اللّه قد ذكر، ما حفظت منه إلا هذا، فلم يذكر كثيراً إلا ذمه، ولم يذكر قليلا إلا مدحه، والقليل في الطاعة هم الجماعة، والكثير في المعصية هم أهل البدعة.
قال خالد بن صفوان: فبئس الشامي فما أحلى ولا أمر، وسكت الشاميون فلم يجيبوا لا بقليل ولا بكثير، ثم قاموا من عنده، فلما خرجوا قالوا لصاحبهم: فعل اللّه بك وفعل، عزرتنا وزعمت أنك لا تدع له حجة إلا كسرتها فخرست فلم تنطق! قال: ويلكم كيف أكلم رجلا إنما حاجني بكتاب اللّه؟ فلم أستطع أن أكذب كتاب اللّه.
قال [عطاء بن أبي سلمة]: فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك: ما رأيت رجلا قرشياً ولا عربياً يزيد في العقل والحجج والخير على زيد بن علي.
[تم بالحمدلله كتاب مدح القلة وذم الكثرة](1/221)
مقتل عثمان
بسم الله الرحمن الرحيم
عن العباس بن بكار، قال: حدثنا شبيب بن شيبة، قال: سمعت خالد بن صفوان بن الأهتم المنقري، يقول: لما قدم زيد بن علي على هشام بن عبد الملك - وهو يومئذ بالرصافة وكان الناس يُخَبِّرون عن براعته وكثرة علمه، وبيان حجته وفصاحه لسانه، وشدة قلبه - دخلت عليه في منزله فسلمت عليه، وجلست وهو متكىء، فذكرت له أمر أبي بكر وعمر، ثم ذكرت له قتل عثمان، وأنَّه قتله قوم ليسوا من المهاجرين ولا من الأنصار.
فلما سمع كلامي استوى قاعداً فحمدالله وأثنى عليه، ثم صلى على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، وذكر أبا بكر وعمر، ثم انتهى كلامه إلى ذكر عثمان، وأنه سار بسيرة صاحبيه، وكان على منهاجهما، ثم مال إلى الطقاء، وأبناء الطلقاء فاستزلوه فنكث على نفسه، فاجتمع في أمره المهاجرون والأنصار، فاسْتَعْتَبُوهُ فأبى إلا تمادياً فيما لا يوافق الكتابَ ولا السُّنَّة - التي اجتمعوا عليها - فقتلوه.
فقلت له: أكل المسلمون قتله يا ابن رسول اللّه؟
فقال: لا، لكن بعض قَتَلَ، وبعض خَذَلَ، والقاتل والخاذل سواء، فمكث ملقى لا تدفن جثته أياماً ثلاثة.
فقلت: فما منعهم من دفنه يا ابن رسول اللّه؟
فقال: لو أنهم أرادوا دَفْنَهُ لم يروا قَتْلَهُ، فأقام ثلاثة أيام على المزبلة وكان الصبيان يمشون على بطنه، ويقولون:
أبا عمرو أبا عمرو .... رماك الله بالجَمرِ
وَ لقَّاك من النَّار .... مكانا ضَيِّقَ القَعْرِ
فما تصنعُ بالمال .... إذا أُحْدِرْتَ في القَبر(1/222)
ثم انطلق المسلمون من المهاجرين والأنصار فَتَشَاوَرُوا، فبايعوا علي بن أبي طالب طائعين غير مكرهين، راضين غير ساخطين، كلهم من المهاجرين والأنصار، والذي اتبعوهم بإحسان، حتى نَكَثَ بيعتة رجالٌ من غير حَدَثٍ، ما نقموا منه غيرَ العدِل في القضيةِ والقَسْمِ بالسَّوِيَّةِ، وذلك أن طلحة والزبير أتيا ومعهما موليان لهما، وحضر العطاء فأعطاهما وأعطى الموليين كما أعطا السيدين فغضب طلحةُ والزبير فنكثا البيعة، وأنشأا الحرب له، فَجَدَّ في قتالهما حتى نصره اللّه تعالى، فقُتِلا ناكثَيْن.
أما طلحة فرماه مروانُ بن الحكم بسهم أصابه عند أصل السَّاق فنزفه الدم حتى مات، وفي ذلك يقول مروان بن الحكم:
شفيت غليلاً كان في الصَّدر كالشًّجَى .... بقتليَ قَتَّال ابن عَفَّان عثمان
و ما إن أبالي بعد قتلي طلحةً .... قتلت بعثمان بن عفان إنسان
وأما الزبير بن العوام فإنه قَتَلَهُ رجلٌ من تميم يقال له: عمير بن جرموز، نظر إليه فاراً فتبعه حتى قَتَلَهُ، وفي ذلك يقول عُمَيْر:
أتيت علياً برأس الزبير .... و قد كنت أرجو به الزَّلَفَة
فَبشر بالنار قبل العَيانِ .... فبئس التَّحِيَّةِ التُّحَفَة
لَقتل الزبير و مثل الزبير .... كظرطة عنز بذي الجحفة
قال خالد بن صفوان فما فرغ من ذكر طلحة والزبير وعائشة وشأن الحرب يوم الجمل: قلت: يا ابن رسول اللّه، فإن الناس يزعمون بالشام أنَّ عثمان قَتَله رجالٌ من أهل مصر ليسوا من المهاجرين ولا من الأنصار.
فقال: ما أشدَّ غفلتكم يا ابن الأهتم، وهل كان فيهم إلا قاتل أو خَاذِلٌ، أو لم تسمع شاعرهم حيث يقول:(1/223)
قتلنا ابن أروى بالكتاب ولم نكن .... لنقتله إلا بأمر مَحْكَمِ
أطاع سعيداً و الوليدَ وعَمَّهُ .... ومروان في المال الحرام وفي الدَّم
وقولَ أبي سفيان إذ كان قابلاً .... وصِيَّتَه في كل غَيٍّ ومأثم
و قد كان أوصاه بذاك ابن عامر .... فذاق بها من رأيه كأس علقم
نعاتبه في كل يوم وليلة .... على هدم دين أو هظيمة مسلم
فما زال ذاك الدأب ستين ليلةً .... وست أعوام لدى كل موسم
و قلنا له: وليِّ و خَلْ عن أمورنا .... فإنك إن تتركه نَسْلَمْ و تَسْلَم
و إلا فإنا قاتلوك و ما دمٌ .... أبا اللّه إلا سفكه بمُحَرَّم
أبت نصرَه الأنصارُ و الحَيُّ حَوْلَهُ .... قريشٌ وهم أهل الحَطِيِمْ وَزَمْزَمٍ
وهم شهدوا بدراً وأحداً و ناضلوا .... عن الدين والبيت العتيق المعظم
وهم أظهروا الإسلام شرقاً ومغرباً .... وهم نصروا دين النبي المكرم
أولئك حزب اللّه حيث تجمعوا .... فريقان: ذو خَذْلٍ و قَتْلٍ مُصَمِّم
قال خالد بن صفوان: فما زلت أستنشده أشعار المهاجرين والأنصار في قتل عثمان وأخباره، وهو ينشدني ويحدثني، حتى استحييت منه، وقلت لنفسي: قد أكثرت على ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم السؤال. وهو يقول: سَلْ عما بدا لك ياابن الأهتم، فعلى الخبير سقطت.(1/224)
طلب الأذن بالمناظرة
فقلت: يا ابن رسول اللّه إن ناساً من أهل الشام يزعمون أن معهم نَظَراً وفقهاً وحجحاً، فإن أذنت لي أن أدخلهم عليك فيسألونك، ولعلك أن تقطعهم، ولعل كلامك أن يقع منهم كما وقع مِنيِّ، فأبايعك على مجاهدة عدوك وهم حضور، وأرجوا أنهم إذا سمعوا كلامك ونظروا إليَّ أبايعك يدخلون معي في بيعتك، ويبايعون إذا أنت كسرت عليهم حجتهم. فقال لي: إيت بهم إذا شئت.(1/225)