إعداد علماء الشام لمناظرة الإمام زيد
قال خالد بن صفوان: فخرجت فلقيت جماعة من أهل الشام فحكيت لهم قول زيد بن علي فجاشت كلومهم وجاؤا معهم برجل قد انقاد له أهل الشام في البلاغة والبصر بالحجج، فجمعوا بينه وبين زيد بن علي.
قال خالد بن صفوان: وكنت قد لقيت زيد بن علي قبل ذلك فقلت له: أصلحك اللّه أحب أن تكلم لي الشاميين.(1/156)
كلام الشامي في مدح الكثرة وذم القلة
قال: فتكلم الشامي وذكر أبا بكر وعمر وعثمان وذكر أنهم ولاة هذا الدين، وأن الجماعة كانت معهم، وأن الجماعة هم حجة اللّه على خلقه، وأن أهل القلة هم أهل البدع والضلالة، وأنه لم تكن جماعة إلا كانوا هم أهل الحق، حتى قتل عثمان فخرج علي بن أبي طالب باغياً مفرقاً للجماعة، حتى هاجت الفتنة فاقتتلوا حتى رُدَّ هذا الأمر إلى أهل بيت هذا الخليفة المظلوم عثمان - يعني بني أمية -.(1/157)
جواب الإمام زيد على الشامي
قال: فحمد اللّه زيد بن علي وأثنى عليه، وصلى على رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم. ثم تكلم بكلام ما سمعنا قرشياً ولا عربياً، أبلغ في موعظة، ولا أوضح حجة، ولا أفصح لهجة منه.
ثم قال: ذكرت الجماعة وزعمت أنه لم تكن جماعة قط إلى كانوا هم أهل الحق، والله تعالى يقول في كتابه: ?الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيْلٌ مَا هُمْ?[ص:24] وقال: ?فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ القُرُوْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُوْلُوْا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ فِيْ الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيْلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِيْنَ ظَلَمُوَا مَا أُتْرِفُوْا فِيْهِ وَكَانُوْا مُجْرِمِيْنَ?[هود: 116] وقال تعالى: ?وَقَلِيْلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُوْر?[سبأ:13] وقال: ?وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيْلٌ?[هود:40] وقال تعالى: ?وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أنِ اقْتُلُوْا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوْا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوْهُ إِلاَّ قَلِيْلٌ مِنْهُمْ?[النساء:66] وقال تعالى: ?إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَربوْا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيْلاً مِنْهُمْ?[البقرة:249] وقال تعالى في ذم الكثرة والجماعة: ?وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِيْ الأَرْضِ يُضِلُّوْكَ عَنْ سَبِيْلِ اللَّهِ?[الأنعام:116] وقال: ?وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِيْنَ?[يوسف:103] وقال في الجماعة: ?أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُوْنَ أَوْ يَعْقِلُوْنَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيْلاً?[الفرقان:44] وقال تعالى: ?يَآأَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا إِنَّ كَثِيْراً مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُوْنَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّوْنَ عَنْ سَبِيْلِ اللّه?[التوبة:34] وقال: ?وَإِنَّ كَثِيْراً مِنَ النَّاسِ(1/158)
لَفَاسِقُوْن?[المائدة:49].
قال ثم أخرج إلينا كتاباً قاله في الجماعة والقلة، فيه:
أما بعد فإن أناساً من هذه الأمة يتكلمون في الجماعة ويزعمون أنهم أهل الكثرة، وأنهم حجة اللّه على أهل القلة من الناس، وأن القليلين من هذه الأمة هم أهل البدع والضلالة، وإنا سمعنا اللّه تبارك وتعالى وتقدست أسماؤه وعلا نوره وظهرت حجته، قال - فيما نزل من وحيه الناطق الصادق على محمد عبده ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم، يخبر الأمم الماضية مثل: أمة نوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد عليهم السلام، وهم أولوا العزم من الرسل، وغير أهل الكُتُب - إن أهل الحق والجماعة وأتباع الرسل أهل القلة، وإن أهل البدع والضلالة هم الأكثرون، وإنا سمعنا اللّه جل اسمه يثني على أهل القلة ويمدحهم، ويذم أهل الكثرة ويُجَهِّلُهُم ويُسَفِّهُهُم ويكذبهم ويضللهم، وينهى عباده الصالحين عن إتباعهم والإقتداء بهم والأخذ بمقالهم.(1/159)
الآيات التي ذكر فيها مدح القلة
فمن سورة البقرة (2)
يذكر أهل القلة فقال تبارك وتعالى: ?وَإِذْ أَخَذْنَا مِيْثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيْلَ لاَ تَعْبُدُوْنَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِيْ القُربى وَاليَتَامَى وَالْمَسَاكِيْنِ وَقُوْلُوْا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيْمُوْا الصَّلاَةَ وَآتُوْا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيْلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُوْنَ [83]?.
وقال اللّه تعالى:?وَقَالُوْا قُلُوْبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمْ اللّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيْلاً مَا يُؤْمِنُوْنَ [88 ]?.
وقال اللّه عز وجل عن قول إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ?رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُريتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ [128]? ولم يقل ذرية إبراهيم.
وقال تعالى: ?فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ القِتَالُ تَوْلَّوْا إِلاَّ قَلِيْلاً مِنْهُمْ [246]? .
وقال اللّه تعالى: ?قَالَ الَّذِيْنَ يَظُنُّوْنَ أَنَّهُمْ مُلاَقُوْا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيْلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيْرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرينَ [249]? يعني أن أهل القلة أهل الحق.(1/160)