فقولوا: من كتاب اللّه، إن اللّه تبارك وتعالى قال: ?وَلا تَنْكِحُوْا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءْ?[ النساء: 22]، فكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أباهما حرم اللّه عليهما في هذه الآية نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم؛ لأن رسول اللّه أبوهما. وقال: ?حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ? [النساء: 23] ، فحرَّم اللّه على محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم بناته، فحرم فاطمة وولدها؛ لأن بناتها بناته وابناها ابناه.
وقد أخبر اللّه عز وجل أن محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم أبوهما، وأنهما إبناه في الكتاب، فقال: ?فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ? [آل عمران: 61]، فأخبر عز وجل أن له أبناء؛ فأخَذَ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين.
وقال: ?وَمِنْ ذُريتِهِ دَاوُدَ وَسُليْمَانَ وَأيُّوْبَ وَيُوْسُفَ وَمُوْسَىْ وَهَارُوْنَ وَكَذَلِكَ نَجْزِيْ المُحْسِنِيْنَ وَزَكَريا وَيَحْيَىْ وَعِيْسَىْ وَإِلْيَاسَ كَلٌّ مِنَ الصَّالِحِيْنَ?[الأنعام:84 - 85]، فأخبر اللّه عز وجل أن عيسى بن مريم من ذريَّة نوح وإبراهيم . والحسن والحسين أقرب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من عيسى إلى نوح وإبراهيم.
فإن قالوا: إنَّ علياً عليه السلام ترك ولداً غيرهما.
فقولوا: إنَّ الحسن والحسين أقرب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وإلى علي عليه السلام، وأولى بهما من سائر ولد علي عليه السلام مِنْ قِبَل أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أبوهما، وهما أقرب إلى علي عليه السلام مِنْ قِبَل أنَّ أمهما ابنة ابن عَمِّ علي عليه السلام ، ولهما الكِبَر والسَّابقة والصُّحبة من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة، على سائر ولد علي عليه السلام، فهما أولى بالناس مِنْ ولد علي وغيرهم.
فإن قالوا: أيهما أحق؟(1/146)


فقولوا: الحسن أولاهما بالأمر؛ لأنه ليس شيء للحسين إلا للحسن مثله، وللحسن ماليس للحسين من السَّبق ودرجةِ الكِبَر والقِدَم مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعلي وفاطمة عليهم السلام.
فإن قالوا: فمَنْ أولى الناس بعد الحسن؟
فقولوا: الحسين.
فإن قالوا: فَمَنْ أولى الناس بعد الحسين؟
فقولوا: آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم أولادُهما أفضلهم أعلمهم بالدِّين، الدَّاعي إلى كتاب اللّه، الشَّاهر سيفه في سبيل اللّه.
فإن لم يَدْعُ منهم دَاعٍ. فهم أئمَّة للمسلمين في أمرهم وحلالهم وحرامهم، أبرارهم وأتقياؤهم.(1/147)


اختلاف آل محمد ومكانتهم
فإن قالوا: فما بال آل محمد يختلفون وإنما الأمر والحق واحد فيما تزعمون؟
فقولوا: فإن دَاوُد وسليمان اختلفا?إِذْ يَحْكُمَانِ فِيْ الحَرْثِ?[الأنبياء:78] وقد قال اللّه تبارك وتعالى: ?وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمَاً وَعِلْماً? [الأنبياء: 79]، أفيجوز أن نردَّ قول اللّه عزوجل، فنقول: إن داود حكم بغير الحقِّ، أو أخطأ؟
فاختلافنا لكم رحمة، فإذا نحن أجمعنا على أمرٍ لم يكن للناس أن يَعْدوه.
فآل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم في الناس رجلان: رجل عالِمٌ بما تحتاج إليه الأمة من دينها، دَعَا إلى كتاب اللّه وسُنَّة نبيِّه، ومجاهدة من استحلَّ حرام اللّه، وحرَّم حلاله، فعلى الناس نُصرتُه، ومؤازرته، والجهادُ معه، حتى تفيء الباغية إلى اللّه، أو تلحق روحُه وأرواحهم بالجنَّة، قال اللّه عز وجل:?فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىْ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرْ وَمَابَدَّلُوْا تَبْدِيْلا?[الأحزاب:23].
وقال: ?فَأيَّدْنَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا عَلَىْ عَدُوِّهِمْ فَأصْبَحُوْا ظَاهِرينَ? [الصف: 14].
ورجل بضعةٌ من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، استنصر من مظلمة فقُتِل، أو حُبِس، أو ضُرِب، أو استحلت حرمته، فعلى الأمة إجابته ونصرته ومؤازرَتُه حتى يمنعوه أو تفنى رُوحُه وأرواحهم، فيكونُ كمَنْ نصر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حياته ووفاته، ونَصْرُ أهلِ بيته بعد وفاته كنُصرتِه، فإنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد أخذ عليهم أن يمنعوه وذريَّته من بعده مما يمنعون منه أنفسهم وذَرَاريهم.(1/148)


فأهل هذا البيت البقيةُ بعد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم والدُّعاة إلى اللّه؛ لأنه قد جعلهم مع نبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم في السَّبق والتطهير والعلم، وأنهم الدعاة إلى اللّه بعد رسوله، قال اللّه تبارك وتعالى: ?فَاسْألُوْا أهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُوْنَ? [النحل: 43]، وإنما أمر اللّه عز وجل بمسألتِهم، لأن عندهم مايُسألون عنه.
فجعل اللّه عزَّ وجل عند محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم علم القرآن، وجعله ذكراً له وجعل اللّه علمَه عند أهل بيته، وجَعَله ذكراً لهم، فمحمد وآل محمد هم أهل الذكر، وهم المسؤولون المبينون للناس، قال: ?وَأنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذَّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ? [النحل: 44].
وأخبر اللّه عز وجل أن أهله سيسألون من بعده؛ فقال: ?وَسَوْفَ تُسْألوْنَ? [الزخرف: 44]، فجعل عندهم علم القرآن، وأمر الناس بمسألتهم.
وقال: ?فَاسْألُوْا أهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاتَعْلَمُوْنَ? [النحل: 43]، والذكر: هو القرآن.
وقال: ?وَأنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نَزَلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلهُمْ يَتَفَكَّرُوْنَ?[النحل: 44]، ولم يأمر المسلمين أن يسألوا اليهود والنصارى، وكيف يأمر اللّه أن نسأل اليهودَ والنصارى؟ أوينبغي لنا أن نصَدِّقهم إذا قالوا؟ لأنا إذا سألناهم جعلوا اليهودية والنَّصرانية خيراً من الإسلام، فلم يكن اللّه ليأمرنا بمسألتِهم ثم ينهانا عن تَصديقهم، إنَّما أمرنا أن نسأل الذين يعلمون، ثم أمرنا أن نُصدقهم ونطيعهم، فمَنْ كَذَّب آل محمد في شيء وضللهم فإنما يكذِّب اللّه، لأن اللّه قد اصطفاهم وأذهب عنهم الرِّجس، وطهَّرهم تطهيراً.
[تم بحمد الله كتاب تثبيت الوصية](1/149)


الجواب على المجبرة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام زيد بن علي:
المستفتحُ بالله تعالى مُهتدٍ، والمعتصم بِرَبِّه مقتدٍ، والمتوكل عليه مُوَفَّقٌ، والآخذ بدلائله مُصَدِّقٌ، فمن زَاغَ عن البيان رَدِيَ، ومن أنكر بَعْدَ المعرفة غَوِيَ، ومن اضْطَرَبَ في دِيْنِه شَقِيَ.
وصلى اللّه على محمدٍ عبده ورسوله، بعثه اللّه عز وجل عن زوال الدنيا مُخَبِّراً، وعن غُرُورِها مُحَذِّراً زاجراً، وبفراقها مخْبِراً، وعن المُنْكر ناهياً، وبالعدل والتوحيد مُنَادِياً، وللجَبْر والتَّشبيه نافياً، وإلى ثَوَاب اللّه سبحانه داعياً، فبلَّغ صلى اللّه عليه وآله وسلم عن رَبِّه سماعاً، ولمن أجابه انتفاعاً، فليس بَعْدَه نبيٌ مبعوثٌ، ولا دِيْنٌ بعدَ دينه موروث، جعل اللّه سبحانه دِيْنَه للناظرين سراجاً وهَّاجاً، وسَهَّل إليه لِكُلٍّ سبيلا ومِنْهَاجاً.
أما بعد ..
فإن اللّه سبحانه خلق الخلق لعبادته، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته، ودعاهم برحمته إلى جَنَّته، واحْتَجَّ عليهم فأبلغ إِعْذَاراً وإِنْذَاراً. وَعْدُه الرحمة، وَوَعِيْدُه النِّقْمَة، لا يُخْلِفُ وَعْدَه، ولا يُكَذِّبُ رُسُلَهُ، ولا يُبْطِلُ حُجَجَه، ولا تَبْدُو له البَدَايا.(1/150)

30 / 55
ع
En
A+
A-