توارد التكاليف وتزايد موجبات الإيمان
حتى إذا أمر اللّه تعالى محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم بالخروج من مكة والهجرة إلى المدينة، كتب عليهم القتال.
فلما قدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم المدينة بُنِيَ الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا اللّه، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان.
وأنزل اللّه تبارك وتعالى على رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في الزاني: ?الزَّانِيَةُ وَالزَّانِيْ فَاجْلِدُوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَائِةَ جَلْدَةٍ?[النور: 2].
وقال تعالى: ?وَالَّذِيْنَ لاَ يَدْعُوْنَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُوْنَ النَّفْسَ الَّتَي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُوْنَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيْهِ مُهَاناً?[الفرقان: 68 - 69].
وقال تعالى: في قتل النفس التي حرم اللّه: ?وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيْهَا وَغَضِبَ اللّه عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيْماً?[النساء: 93]، ولا يلعن اللّه مؤمنا .
وأنزل تبارك وتعالى في مال اليتيم - فيمن يأكله ظلما-:?إِنَّ الَّذِيْنَ يَأْكُلُوْنَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُوْنَ فِيْ بُطُوْنِهِمْ نَاراً وَسَيْصَلُوْنَ سَعِيْراً?[النساء: 10]، ويُبْعَثُ يوم القيامة ملتهبةً بَطْنُه حتى تخرج اللهب مِنْ فيه، يعرفه المسلمون بأكله مال اليتيم.
وأنزل تبارك وتعالى: ?وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِيْنَ الَّذِيْنَ إِذَا اكْتَالُوْا عَلَى النَّاِس يَسْتَوْفُوْنَ وَإِذَا كَالُوْهُمْ أَوْ وَزَنُوْهُمْ يُخْسِرْوُنَ?[المطففين: 1 - 3]، ولم يجعل لأحد الويل حتى يوجب له النار.
وقال تعالى: ?فَوَيْلٌ لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيْمٍ?[مريم: 37].(1/11)


وقال تعالى:?الَّذِيْنَ آمَنُوْا وَعَمِلُوْا الصَّالِحَاتِ طُوْبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ?[الرعد: 29].
وأنزل تبارك وتعالى في نقض العهد: ?إِنَّ الَّذِيْنَ يَشْتَرُوْنَ بِعَهْدِ اللّه وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيْلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِيْ الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُم اللّه وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ?[آل عمران: 77]. الخَلاَق: النَّصِيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فكيف يكون مسلما؟!
فقل لأهل البدع والباطل: أرأيتم لو أن رجلا دفع إلى رجل عشرة آلاف درهم كانت ليتيم في حِجْرِه، فسأله أن يردها إليه، فجحده فيها ولم تكن له عليه بَيِّنَة، فاستحلفه فحلف له بالله يمينَ صَبْرٍ، ما دفع إليه شيئاً، وماله عليه حَقٌ قليل ولا كثير، أكان ممن اشترى بعهد اللّه وأيمانه ثمناً قليلا؟ وإن اللّه تعالى قال: ?مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيْلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُوْنَ فَتِيْلاَ?[النساء: 77]، فلو أنه كان ممن اتقى اللّه تعالى ولم يشتر بعهد اللّه وأيمانه ثمناً قليلا لم يَخُنْ أمانته، فإن اللّه قال: ?إِنَا عَرَضْنَا الأَمَانَةِ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوْماً جَهُوْلاً?[الأحزاب: 72]. فمن لم يؤد أمانته فيها كان منافقاً وكان كافراً، قال تعالى: ?وَإِنَّ اللّه لاَيُحِبُّ مِنْ كَانَ خَوَّاناً أَثِيْماً?[النساء: 107].وقال تعالى: ?إِنَّ اللّه لاَ يَهْدِيْ كَيْدَ الْخَائِنِيْنَ?[يوسف: 52].(1/12)


ولا يتوب اللّه إلا على من تاب إليه، ولا يرضى عمن اتبع سخطه، إنما يرضى اللّه تعالى عمن أرضاه واتبع رضوانه، ومن استغنى عن اللّه ولم يتب إليه استغنى اللّه عنه، ولو قال بلسانه: تُبْتُ إلى اللّه، وخان أمانته، وأكل مال اليتيم، ولم يرده إلى أهله كان منافقاً، يَخْدَع نفسه.
وأنزل اللّه تبارك وتعالى في المدينة: ?سُوْرَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيْهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلُدُوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَائَةَ جَلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِيْ دِيْنِ اللّه إِنَّ كُنْتَمْ تُؤْمِنُوْنَ باِللَّهِ وَالْيَوْمَ الآخِرِ وَلْيَشْهَد عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ?[النور: 1 - 2].
وقال تعالى: ?لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيْزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِيْنَ رَؤُوْفٌ رَحِيْمٍ?[التوبة: 128]، فلو كان الزاني مؤمنا لكان النبي بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، وقال تعالى: ?الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِيْنَ?[النور:3] فلم يُسَمِّ الزاني مؤمناً ولا الزانية مؤمنة.
وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، فإن تاب يتوب اللّه عليه)).(1/13)


وأنزل تعالى في القَذْفِ: ?وَالَّذِيْنَ يَرْمُوْنَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأَتُوْا بِأَربَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوْهُمْ ثَمَانِيْنَ جَلْدَةً وَلاَ تَقْبَلُوْا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُوْنَ إِلاَّ الَّذِيْنَ تَابُوْا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوْا فَإِنَّ اللّه غَفُوْرٌ رَحْيْمٌ?[النور: 5 - 6] ، فبرأه اللّه تعالى - مادام مقيماً على الفِرْيَةِ - من اسم الإيمان.
وقال تعالى:?أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لاَ يَسْتَوُوْنَ?[السجدة: 18]، فصار منافقاً؛ لأن اللّه تعالى قال: ?إِنَّ الْمُنَافِقِيْنَ هُمُ الْفَاسِقُوْنَ?[التوبة: 67]، فصار من أولياء إبليس، قال اللّه تعالى: ?إِلاَّ إِبْلِيْسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ ربِّهِ?[الكهف: 50].
وأنزل اللّه تعالى: ?إِنَّ الَّذِيْنَ يَرْمُوْنَ الْمُحْصَنَاتِ الغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيْمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيْهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوْا يَعْمَلُوْنَ? [النور: 23 - 24].
وأنزل اللّه تعالى في المَرَح: ?وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِيْ الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللّه لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُوْرٍ?[لقمان: 18]، والمختال: المُتَجَبِّر، والفَخورُ في كفره.
فسل أهل البدع والباطل كيف يكون رجل لعنه اللّه في الدنيا ويلقى اللّه ملعوناً في الآخرة، يرجون أن يكون له عند الله نصيب، ويشكون فيه أنه ليس من أهل النار؟ وسلهم هل يشهد اللسان واليد والرجل على مؤمن؟ إنما يشهدن على من حَقَّتْ عليه كلمةُ العذاب، فأما المؤمن فهو يُعْطَي كتابه بيمينه، قال تبارك وتعالى: ?فَمَنْ أُوْتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِيْنِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَأُوْنَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُوْنَ فَتِيْلاً?[الإسراء: 71].(1/14)


وسورة (النور) أنزلت بعد سورة (النساء) ، وتصديق ذلك في سورة النساء:?وَالَّلاَتِي يِأَتِيْنَ الفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوْا عَلَيْهِنَّ أَربِعَةً مِنْكُمْ فَإِنَ شَهِدُوْا فَأَمْسِكُوْهُنَّ فِيْ الْبُيُوْتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللّهُ لَهُنَّ سَبِيْلاً?[النساء: 5].
والسبيل الذي قال اللّه تعالى [هو]: ?سُوْرَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيْهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوْا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَائَةَ جِلْدَةٍ وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِيْ دِيْنِ اللّه إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُوْنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ?[النور:1 - 2].
وأنزل اللّه تعالى:?إِنَّ اللّه لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءَ?[النساء:48].
ثم أنزل تعالى بعدها: ?وَمَنْ يَقْتَلْ مُؤْمِنَا مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيْهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيْماً?[النساء: 93].
ثم أنزل تعالى بعدها: ?وَالَّذِيْنَ آمَنْوُا وَعَمِلُوْا الْصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِيْنَ فِيْهَا أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقّاً وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّه قِيْلاً?[النساء: 122].
ثم أنزل تعالى بعدها: ?وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الْصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُوْنَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُوْنَ نَقِيْراً?[النساء: 124]. ثم أنزل تبارك وتعالى: ?وَمَنْ أَحْسَنُ دِيْناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوُ مُحْسِنٌ?[النساء: 125].(1/15)

3 / 55
ع
En
A+
A-