قالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ?إِنَّ اللّه اصْطَفَى آدَمَ وَنُوْحاً وَآلَ إِبْرَاهِيْمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِيْنَ ذُريةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيْعٌ عَلِيْمٌ?[آل عمران:33].
فاجتمعوا على أن الأمة المسلمة خلقها اللّه من ذرية إسماعيل بن إبراهيم، وأن آل إبراهيم خاصة المصطفين الذين اختارهم اللّه واصطفاهم على العالمين.
فقلنا: هاتوا برهانكم عليه؟
قالوا: قول اللّه تبارك وتعالى: ?وَإِذْ يَرْفَعُ إَبْرَاهِيْمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيْلُ ربنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ الَسَّمِيْعُ الْعَلِيْمُ ربنَا وَاْجْعَلْنَا مُسْلِمَيْن لَكَ وَمِنْ ذُريتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْتَّوَّابُ الْرَّحِيْمُ ربنَا وَابْعَثْ فِيْهِمْ رَسُوْلاً مِنْهُمْ يَتَلُوْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيْهِم إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيْزُ الْحَكِيْمُ? [البقرة: 127 - 129].
فقبلنا منهم، وشهدنا أن الأمة المسلمة خلقها اللّه تبارك وتعالى من ذرية إسماعيل خاصة وأنهم آل إبراهيم الذين اصطفاهم اللّه على العالمين، وأنهم أهل البيت الذين رفع اللّه منهم الأئمة من ذرية إبراهيم وإسماعيل، وبعث فيهم الرسول.
فصار النبي - الذي بعث اللّه عز وجل - محمداً صلى اللّه عليه وعلى آله ، وصار أولئك ذرية إبراهيم حقاً يقيناً، لأن الأمة اجتمعت على أن إبراهيم المصطفى وذرية إبراهيم الذين على دين إبراهيم.
واجتمعت الأمة على: أن بني هاشم هم الذين استجابوا للرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم وصدقوه، فتلى عليهم آياته كما تلى عليهم الكتاب والحكمة وزكاهم.(1/136)
واجتمعت الأمة على: أنهم فيها أمة وسطاً ليكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليهم شهيداً، فجعل اللّه محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم شهيداً بما أنزل عليهم من تلاوة الكتاب وتعليمه إياهم الكتاب، وكما قال إبراهيم وإسماعيل: ?وَمِنْ ذُريتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ? [البقرة: 128] ولم يقولا: اجعل الأمة مسلمة من ذريتنا ومن غير ذريتنا، ولكنهما افردا الأمة المسلمة، ?وَمِنْ ذُريتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ? خاصة، ?وَابْعَثْ فِيْهِمْ رَسُوْلاً مِنْهُمْ?، ولم يقولا: وابعث من غيرهم رسولا، ولكنهما قالا: ومن ذريتنا، وابعث فيهم رسولا منهم، فصار الرسول من أنفسهم شهيداً عليهم بما انتهى إليهم من الكتاب، وصاروا شهداء على الناس بما يكون على الناس من علم الكتاب والحكمة.
وقال اللّه عز وجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا ارْكَعُوْا وَاسْجُدُوْا وَاعْبُدُوْا ربكُمْ وَافْعَلُوْا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُوْنَ وَجَاهِدُوْا فِيْ اللّه حَقَّ جِهَادِهِ هُوْ اْجْتَبَاكُمْ وَمَاجَعَلَ عَلَيْكُمْ فِيْ الْدِّيْنِ مَنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيْكُمْ إَبْرَاهِيْمَ هُوْ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِيْنَ مِنْ قَبْلُ وَفِيْ هَذَا لِيْكُوْنَ الْرَّسُوْلُ شَهِيْداً عَلَيْكُمْ وَتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَىْ الْنَّاسِ فَأَقِيْمُوْا الْصَّلاَةَ وَآتُوْا الْزَّكَاْةَ وَاعْتَصِمُوْا بِاللَّهِ هُوْ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَىْ وَنِعْمَ الْنَّصِيْر? [الحج: 77 - 78].
وهذا ما اجتمع عليه كل بارٍ وفاجرٍ، وكل مؤمنٍ وكافرٍ. اجتمعوا على أن الميت إذا مات فأهل بيته أولى بميراثه.(1/137)
واجتمعت الأمة على: أن اللّه تبارك وتعالى بعث محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم بالنبوة، فأقام في قومه عشر سنين كما حكم اللّه عليه، وجادلهم بالتي هي أحسن، فسموه: مجنوناً، وكذاباً، وكاهناً، وساحراً، فأقام مع المشركين وهم في شركهم حتى انقضت الأيام والسنون، ثم أمره اللّه عز وجل أن ينصر هجرته وأن يشهر سيفه، وأن يصير إلى حيث يقاتل من خالفه، حتى يدخل في طاعته، وأن يقيم الحدود، وأن يأخذ للضعيف من القوي، فلم يزل ناصراً هجرته، وشاهراً سيفه، يقاتل من خالفه، ويقيم الحدود حتى لحق بالله عز وجل.
واجتمعت الأمة على: أن النبوة لا تورث، فقبلنا منهم وشهدنا أن النبوءة لا تورث.
وسألنا الأمة: إنفاذُ الذي جاء من عند الله بالسنن، وإقامة الحدود، ودفع إلى كل ذي حق حقه ونبوةٌ؟ فكانمن عمل بها فهو نبي؟ فقالوا: لا، ولكن النبوة: الإخبار عن اللّه والسبيل بالكتاب والسنة.
فهذا بيان لمن تفكر فيه ولم يعطف الحق إلى هواه، ورضي بالحياة الدنيا واطمأن إليها. والسلام.
[تم بحمد اللّه كتاب تثبيت الإمامة](1/138)
كتاب تثبيت الوصية
سند الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
[قال العلامة الشهيد حُميد بن أحمد المحلي]: أخبرنا الشريف أبو علي محمد بن المهدي بن معد بن حمزة العلوي الحسني قراءة عليه، قال: أخبرنا الشيخ أبو الحسن محمد بن غَبَرَة الحارثي الكوفي، قال: أخبرنا الشريف أبو الطاهر الحسن بن علي بن مَعِيَّة العلوي الحسني، قال: أخبرنا السيد الشريف العلامة أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن العلوي الحسني إجازة، قال: أخبرنا أبو الحسن [محمد بن جعفر بن محمد بن هارون بن فروة] بن النَّجَّار، ومحمد الأسدي، وعبد الله بن مجالد [بن بشر] البجلي قراءة عليهم، قالوا: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد [بن عقدة] الحافظ إجازة، قال: أخبرنا جعفر بن عبد الله المحمَّدي، قال: حدثنا الحسن بن الحسين، قال:حدثنا خالد بن مختار الثُّمالي، قال:(1/139)
هل أوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم
قال الإمام الشهيد أبو الحسين زيد بن علي عليه السَّلام:
سلوا النَّاس: هل أوصى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم، أو لم يوص؟
فإن قالوا: لم يوص، أو لاندري أوصى أو لم يوص.
فقولوا: إنَّ في القرآن دليلاً على أنه قد أوصى، يقول اللّه تبارك وتعالى: ?يَا أيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوْا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إَذَا حَضَرَ أحَدَكَمَ المَوْتُ حِيْنَ الوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ? [المائدة: 106]. وقال: ?كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ وَالأقْربيْنَ?[البقرة: 180]. وقال: ?مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوْصِيْ بِهَا أوْ دَيْنٍ?[النساء: 11]. وقال: ?أمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوْبَ المَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيْهِ مَاتَعْبُدُوْنَ مِنْ بَعْدِيْ قَالُوْا نَعْبُدُ إِلهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيْمَ وَإِسْمَاعِيْلَ وَإِسْحَاقَ إِلهاً وَاحِداً وَنَحَنُ لَهُ مُسْلِمُوْنَ?[البقرة: 133].
وقد ذَكَر الناس عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم - لا يختلفون فيه -: أنه كان يبعث السَّرايا فيوصيهم، وقد بعث جعفراً ، وزيداً ، وعبد الله بن رواحة فأوصى: إن حدث بفلانٍ ففلانٌ، أو حَدَثَ بفلانٍ ففلانٌ.
فيكون يؤمِّر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في حياته ويوصي بهم، ويدع أهله وذريته والأمة جمعاء لا يوصي بهم أحداً! أفأمركم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالفضل وترك أن يأخذ به؟! وهو أحسن الناس بالأخذ بالفضل؛ وإنما عُرِف الفضل به.
فهذا مما يستدل به على أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قد أوصى ولم يُضِع أمر أمته.(1/140)