إستحقاق أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم الإيمان بالخروج من الشرك أولاً
ثم بعث اللّه تعالى محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم، وأمره أن يدعو الناس إلى اللّه وحده، وأن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً - وهو بمكة عشر سنين، - فمن اتبع محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم ودينه أدخله اللّه سبحانه الجنة، ولم يكن كُتِبَ عليهم القتال، ولا الصلاة، ولا حج البيت، ولا صيام شهر رمضان، فلم يكن أحد يموت مِمَّن يؤمن بمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم مخلصاً لا يشرك بالله شيئاً إلا أدخله اللّه سبحانه الجنة، ولا يعذب اللّه تعالى أحداً - ممن اتبع محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بمكة - إلا من يشرك بالرَّحمن.
وتصديق ذلك - أنه لم يكن لِيُدْخل اللّه تعالى النارَ مَنْ اتبع محمداً صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو بمكة، ممن يقول: لا إله إلا اللّه مخلصاً لا يشرك بالله شيئاً - أن اللّه تعالى أنزل عليه وهو بمكة في سورة بني إسرائيل: ?وَقَضَى ربُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوْا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً? إلى قوله: ?وَلاَ تَمْشِ فِيْ الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُوْلا كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ ربِّكَ مَكْرُوْهاً ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ ربُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّه إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِيْ جَهَنَّمَ مَلُوْماً مَدْحُوْراً?[الإسراء: 23 - 29].
ففي هؤلاء الآيات وأشباههن مما أنزل بمكة لم يَعِدِ اللّه النار في شيء مما نهى عنه من هذه الذنوب، حتى بلغ: ?وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّه إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فَيْ جَهَنَّمَ مَلُوْماً مَدْحُوْراً?[الإسراء: 39].(1/6)


ثم أنزل جل وعلا في سورة (المدثر): ?كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ر هِيْنَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِيْنِ فِيْ جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُوْنَ عَنِ الْمُجْرِمِيْنَ مَا سَلَكَكُمْ فِيْ سَقَر قَالُوْا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّيْنَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِيْنَ وَكُنَّا نَخُوْضُ مَعَ الْخَائِضِيْنَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّيْنِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِيْنُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الْشَّافِعِيْنَ?[المدثر: 38- 48]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل تبارك وتعالى في (تبارك): ?كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيْهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيْرٌ قَالُوْا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيْرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللّه مِنْ شَيءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِيْ ضَلاَلٍ كَبِيْرٍ وَقَالُوْا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِيْ أَصْحَابِ الْسَّعِيْرِ?[الملك: 8 - 10]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل تبارك وتعالى أيضاً في (الصَّآفَّات): ?فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِيْ الْعَذَابِ مُشْتَرِكُوْنَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِيْنَ إِنَّهُمْ كَانُوَا إِذَا قِيْلَ لَهُمْ لاَإِلَهَ إِلاَّ اللّه يَسْتَكْبِر وْنَ وَيَقُوْلُوْنَ أَئِنَّا لَتَارِكُوْا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُوْنٍ?[الصافات: 33 - 36]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وأنزل جل وعلا في (الليل إذا يغشى): ?فَأَنْذَر تُكُمْ نَاراً تَلَظَّى لاَ يَصْلاَهَا إِلاَّ الأَشْقَى الَّذِيْ كَذَّبَ وَتَوْلَّى?[الليل: 14 - 16]، فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة.(1/7)


وأنزل تبارك وتعالى في (إذا السماء انشقت): ?وَأَمَّا مَنْ أُوْتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْر هِ فَسَوْفَ يَدْعُوْا ثُبُوْراً وَيَصْلَى سَعِيْراً إِنَّهُ كَانَ فِيْ أَهْلِهِ مَسْرُوْراً إِنَّهُ ظَنَّ أنْ لنْ يَحُوْرَ بَلَى إِنَّ ربَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيْراً?[الانشقاق: 10 - 15]، [فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة].
وقال تعالى في(الواقعة): ?وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِيْنَ الْضَّالِيْنَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيْمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيْمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِيْنِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ ربِّكَ الْعَظِيْمِ?[الواقعة: 92 - 96]، فليس في هؤلاء أحد من أهل القبلة.
وقال تعالى: ?وَأَمَّا مَنْ أُوْتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِيْنِهِ فَيَقُوْلُ هَاؤُمُ اقْرَءُوْا كِتَابِيَهْ إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيَهْ وَأَمَّا مَنْ أُوْتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُوْلُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوْتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةِ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلطَانِيَهْ خُذُوْهُ فَغُلوْهُ ثُمَّ الْجَحِيْمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِيْ سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهُا سَبْعُوْنَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوْهُ إِنَّهُ كَانَ لاَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيْمِ وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِيْنِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيْمٌ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسِلِيْنٍ لاَ يَأكُلُهُ إِلاَّ الْخَاطِئُوْنَ?[الحاقة: 25 - 37]، فهؤلاء ليس فيهم أحد من أهل القبلة.(1/8)


وأنزل تعالى في (طسم الشعراء): ?وَبُرِّزَتِ الْجَحِيْمُ لِلغَاوِيْنَ وَقِيْلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُوْنَ مِنْ دُوْنِ اللّه هَلْ يَنْصُرُوْنَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُوْنَ فَكُبْكِبُوْا فِيْهَا هُمْ وَالْغَاوُوْنَ وَجُنُوْدُ إِبْلِيْسَ أَجْمَعُوْنَ قَالُوْا وَهُمْ فَيْهَا يَخْتَصِمُوْنَ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِيْنٍ إِذْ نُسَوِّيْكُمْ بِربِّ الِعَالَمِيْنَ وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُوْنَ فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِيْنَ وَلاَ صَدِيْقٍ حَمِيْمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُوْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ?[الشعراء: 91 - 102]، فهؤلاء مشركون ليس فيهم أحد من أهل القبلة.
وهي خاصة بقوم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم من المشركين، ليس منها اليهود ولا النصارى.
وقول اللّه تبارك وتعالى: فكبكبوا فيها هم والغاوون. فالذين كبكبوا هم: الآلهة، والغاوون: هم المشركون. وجنود إبليس أجمعون: ذريته من الشياطين. وما أضلنا إلا المجرمون هم: المشركون الذين ضلوا قبلهم فاقتدوا بسُنَّتِهم. وتصديق ذلك في قوم محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم خاصة.
وأنزل تعالى: ?كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوْحٍ الْمُرْسَلِيْنَ?، ?كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ الْمُرْسَلِيْنَ?[الشعراء: 176]، فليس في هؤلاء اليهود الذين قالوا: ?عُزَيْرٌ ابْنُ اللّه?[التوبة: 30]، ولا النصارى الذين قالوا: ?المَسِيْحُ ابْنُ اللّه?[التوبة: 30]، تبارك اللّه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً، وسيدخل اللّه تعالى اليهود والنصارى النار، ولكن يذكر كل قوم بأعمالهم.(1/9)


وتصديق قولهم: ?وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُوْنَ?[الشعراء: 99]، قول اللّه تبارك وتعالى: ?كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوْا فِيْهَا جَمِيْعاً قَالَتْ أخْرَاهُمْ لأِوْلاهُمْ ربنَا هَؤُلاَءِ أَضَلُّوْنَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ الْنَّارِ قَالَ لِكُلٍ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لاَ تَعْلَمُوْنَ?[الأعراف: 38].
ففي هؤلاء الآيات [و] في أشباههن مما نزل بمكة أنه تعالى لم يدخل النار إلا مشركاً.(1/10)

2 / 55
ع
En
A+
A-